ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

مجـلة صـدى النهريــن - العدد الحادي عشر / حزيران 2010

                                                                                                                                     

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

العلاقة بين الحياة الروحية والسايكولوجية

الأب الدكتور سمير شابا الدومنيكي

 

 

    نبدأ بطرح السؤال التالي: هل هناك مراحل في الحياة الروحية؟.
 

    لو راجعنا كتابات الآباء نرى أن هناك مراحل في حياتهم، ما معناه أنهم عاشوا عدة مراحل حسب تقدمهم في العمر وفي الحياة الروحية. إن هذا السؤال عن المراحل الثلاثة وكيف يتقدم الإنسان في علاقته الروحية أخذ إهتمام آباءنا المتصوفين منذ القرن الرابع الميلادي. هؤلاء الآباء بدأوا يفكرون بكيفية وصف التقدم في الحياة الروحية وبأي مراحل يمر الإنسان خلال معايشته للخبرة الروحية. عبر التاريخ بدأ هذا السؤال ينضج ومن ثم يتمحور حول مفهوم إن الحياة الروحية هي حياة متكونة من مراحل وطرق يعيشها الشخص، وهي متكونة من طريق التطهير، طريق الإستنارة وطريق الوحدة. بالإضافة إلى أباءنا الروحانيين ظهر متصوفون آخرون قريبون منا مثل القديسة ترازيا الأفيلية ويوحنا الصليبي حيث يعبّرون عن نظرتهم الروحية من خلال رموز وطرق من خلاله تتحد النفس بما هو إلهي.


    هذه الرموز تظهر في القصر الباطني أو الصعود إلى الكرمل. نظراتهم تشبه نفس ما قدموه الآباء وخاصة عندما يقبل الشخص أن يعيش الآلام الحاضرة كطريق نحو التطهير ومن ثم هناك وقت النعم ثم التنوير الداخلي مكمل من خلال الإتحاد الإلهي.


1- طريق التطهير: "إذا أراد أحدٌ أن يتبعني فليزهد في نفسه" (متى16/24). إن طريق التطهير هو ذلك الطريق الذي نبدأه بعد الإهتداء والرجوع إلى الله. لأن الإهتداء في معناه العميق هو العودة أو التغيير في طريق حياتنا وفي القرارات التي نأخذها بوعي تام في أننا في حضرة الله.

    في التقليد الرهباني هذا الطريق هو مشبه بتطهير الإنسان من الهفوات أو الخطايا السبعة أو الأخطاء النفسية للشخص: الشراهة، التكبر أو الغرور، حب المال، الكسل، الغلم (حب الممارسات الجنسية)، الرغبة، الغضب، هذه الهفوات أو الأخطاء أو الخطايا هي النقاط التي من خلالها نستطيع أن نبيّن مدى عملية التطهير النفسي فمن خلال مراجعة وتحليل ذواتنا، الجزء النظري أو الغير مرئي من ذواتنا يموت لكي يدع ولادة طبيعتنا الروحية العميقة. "إذا لم تمت حبة الحنطة فإنها تبقى لوحدها، لكن إن ماتت فإنها ستعطي ثماراً كثيرة"(يوحنا 24:12). حينها نبدأ في شعور قوي بكل ما هو إلهي ولذلك نبدأ بالدخول في طريق الإستنارة.


2- طريق الإستنارة: "إذا أراد أحدٌ أن يتبعني فليحمل صليبه" (متى 24:16).
    إن طريق الإستنارة هذا يجعلنا ندخل شيئاً فشيئاً في سر وجودنا الخاص، في كياننا الخاص، وهذا يظهر من خلال بروز الحس الروحي الكبير الذي يجعلنا نستطيع أن نستقبل جوهر الأحداث وجوهر الأشخاص. هذا الطريق يساهم على تطور قدرات النفس والفضائل الرئيسة مثل: الشجاعة، الفطنة، العدالة والتوازن. أما القدرات الروحية فتتطور من خلال ممارسة التأمل الذي يقودنا إلى المقدرة لرؤية ما هو أبعد من الأشياء الظاهرة وأن نتجاوز مواقف الحياة الأكثر صعوبة.

    "راقبوا طيور السماء .. فحتى سليمان في كل مجده لم يكن يلبس واحد منها" (لوقا 27:12). هذا يعني وقت النعمة والوحي الإلهي الذي يقودنا شيئاً فشيئاً إلى طريق الوحدة.


3- طريق الوحدة: "إذا أراد أحدٌ أن يتبعني فليتبعني" (متى 24:16). هذا الطريق لا يؤشر نهاية المرافقة الروحية ولكن بالأحرى كل قدرات النفس تُظهر بطريقة دائمية ومستمرة وأيضاً كل كيان الشخص هو في وحدة مع الإله .. "أنا والآب واحد" (يو 30:10).

    عندها صفة العيش في العالم تظهر تحت شكل بطولي وتنتهي بتجاوز جذري للحالة البشرية. لكن المفارقة هي أنه للوصول إلى هذا التجاوز على الإنسان أن يذهب إلى أبعد ما يمكن في خبرته الإنسانية. فتريزا الأفيلية وتريزا الطفل يسوع وتريزا أمّ الفقراء جسّدوا هذه البطولة الروحية التي تتخطى الفهم الإنساني، هكذا طريق الوحدة هو إذاً طريق الإنسان الذي يحققه كلياً على صعيد النفس والله ..."ليس أنا الذي يحيا بل المسيح يحيا فيَّ" (غلا 20:20).


** الطرق الثلاثة: حكمة ومحدودية المثل:

    "إن ملكوت السماوات يشبه بكنز مخفي في حقل، وجده رجل، فباع كل ماله واشترى ذلك الحقل" (متى 44:13).

    إن الكنز المخفي في الحقل هو المثل الأسمى للحياة الروحية، لأنه يبدأ من خلال تخلصنا من الأقنعة المتعددة التي نملكها وهذا الشيء هو شبيه بالطريق التطهيري، والهدف هو لكي نكتشف الكنز، والذي يمثل كياننا الروحي.

    إذا أخذنا هذه الطرق الثلاثة وأعطينا لها إتجاه واسع، نراها تعطينا إمكانية وصف ثلاث مراحل رئيسية في الحياة الروحية، ونستطيع أن نتساءل دائماً إذا ممكن أن نقرأ هذه المراحل بطريقة تسلسلية.

    الكتّاب المعاصرون في اللاهوت الروحي أرادوا أن يطبّقوا مثال آباء الكنيسة بإعطاءهم تسميات جديدة مثل الأعمار الثلاثة للحياة الروحية: المبتدئين، المتقدمين، ثم الكاملين. وهذا ما يعطي طابع تسلسلي وتتابعي لهذه المراحل الثلاثة.

    بالحقيقة الحياة الروحية مكوَّنة من أوقات تنقسم إلى تطهيرية وتنويرية، عادة ما تأتي الواحدة بعد الأخرى، وعادة لا يوجد هناك أي تقدم لكن فقط سكون وصحراء كما يوصفها آباء الكنيسة. ما يغني المثل الذي يقدمه لنا آباء الكنيسة هو أنهم يشرحون بالتفصيل ديناميكية هذه المراحل ومدى تقدم الإنسان في المجال الروحي. هكذا نرى الطرق الثلاثة تلخّص حياة الإنسان في تقدمه الروحي، هناك أوقات تطهير وتنوير ثم إتحاد بحسب تقدمه ومسعاه في الحياة الروحية.


** الحياة الروحية على ضوء علم النفس

    في الغرب، التقليد المسيحي لمراحل الحياة الروحية واجه في منتصف القرن العشرين أمثلة جديدة لتطور الإنسان من خلال الإستفادة من نور ومعرفة علماء النفس. في السنوات الخمسين الماضية، طُرحت إقتراحات ونظريات عديدة على ضوء العلوم الجديدة المكتشفة لفهم الإنسان وتطوره من خلال مراحل أو درجات. هذه المراحل تطرقت إلى الحكم الأدبي والإحساس الديني، وتطور الإيمان والتمييز الديني.

    هذه الدراسات بينت شيئاً فشيئاً نقاط ضعفها، عدم صلابتها وعدم مناقشة الموضوع بشموليته. الكثير يخلط ما بين الحياة الروحية والحياة النفسية مع إنهما مختلفتان ومتميزتان، بالنسبة للبعض الحياة الروحية ليست إلا نتيجة للحياة النفسية ومجموع حاصل لكل القلق الإنساني أمام الوجود، وبالنسبة للآخرين الحياة الروحية ليست إلا تعبيراً فائقاً للفكر والذكاء الإنساني. أما بالنسبة للمسيحي فالحياة الروحية هي المكان الذي به يلتزم الإنسان في حوار مع الله. لأن الحياة الروحية تأتي من عمل روح الله، والروح القدس في داخل قلب كل واحد. هذا هو المعنى الحقيقي لمفهوم الحياة الروحية. أما الحياة النفسية فهي تأتي من النفس وحركاتها، أي كل ما هو متصل بميكانيكية وظيفة النفس والأعصاب وغير ذلك.


السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل الحياة الروحية وهم ديني؟.
 

 >للمقالة صلة< 
 

الذهاب الى اعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة