ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

مجـلة صـدى النهريــن - العدد العاشر / كانون الأول 2009

                                                                                                                                     

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

الصوم في الكتاب المقدس

الأب سالم ساكا

 

        يقوم الصوم بالإمتناع عن كلِّ طعام وشراب، إذ يحتلُّ الصوم مكاناً هاماً في الممارسات الدينية بدوافع النسك والتطهير والحداد والتوسُّل إلى الله. ففي الإسلام هو الوسيلة الكبرى للإعتراف بالسموِّ الإلهي .والصوم عند المسيحية هو أحد الركائز الأساسية التي تُعبِّر أمام الله عن تواضع الإنسان ورجائه ومحبَّته.

معنى الصوم

        لمّا كان الإنسان نفساً وجسداً، كان من العبث أن نَتصوَّر ديانة روحية محضة، لأنَّ النفس لكي تلتزم بشيء تحتاج إلى أفعال الجسد. فالصوم المصحوب دائماً بصلاة التضرُّع، إنَّما يُعبِّر عن تواضع الإنسان أمام الله، والصوم أيضاً يعادل إذلال النفس إن صحَّ التعبير مثال على ذلك:"أدّوا للربِّ مجد إسمه، إحملوا تقدمةً وتعالوا أمامه، اسجدوا للربِّ بزينة مُقدَّسة" (أخبار الأيام 16/29) .
        إذن فليس الصوم بمأثرة نسكية، ولا من أهدافه الحصول على حالة من الإختطاف النفسي أو الديني وإن كان مثل هذه الإستخدامات شواهد في تاريخ الأديان، أمّا في الكتاب المُقدَّس، رغم أنَّ الإنسان يعتبر الطعام هبة من الله، فينقطع الإنسان عنه للأسباب التالية:

1- الإتجاه نحو الله:
"فجعلت وجهي إلى الربِّ الإله لإلتماس وجهه في الصلاة والتضرّعات بالصوم والمسح والرماد" (دانيال 9/3) ... "فناديت بصوم هناك، عند نهر أهوى، لنَتذلَّل أمام إلهنا، طالبين إليه طريقاً سالمة لنا ولعيالنا ولجميع أموالنا"
(عزرا 8/21).

2- الإستسلام للربِّ قبل القيام بمهمّة شاقة:
أمام الحرب ضد بني بنيامين:"فصعد بنو إسرائيل، الشعب كلّه، وأتوا بيت إيل وبكوا، وجلسوا هناك أمام الربِّ، وصاموا ذلك اليوم إلى المساء، وأصعدوا محرقات وذبائح سلامية أمام الربِّ"
(قضاة 20/26). ومردكاي وأستير يتداركان الخطر:"إذهب وإجمع كلَّ اليهود في شوشن، وصوموا لأجلي، ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام، ليلاً ونهاراً، وأنا ووصيفاتي نصوم كذلك، ثمّ أدخل على الملك على خلاف القانون. فإن هُلِكَت فقد هلَكتُ". (أستير 4/16).

3- لطلب الصفح عن الخطأ:
ندامة آحاب:"فلمّا سمع آحاب هذا الكلام، مَزَّق ثيابه وجعل على يديه مسحاً وصام وبات في المسح ومشى رويداً رويداً"
(1ملوك 21/27).


  4- لإلتماس الشفاء:
"وضرب الربُّ الولد الذي ولدته إمرأة أوريا لداود حتى مرض، فتَضرَّع داود إلى الله من أجل الولد، وصام ودخل بيته وبات مضجعاً على الأرض"
(2 ملوك 12/15- 16). وبعد موت الصبي قال لداود:"لمّا كان الصبي حياً صمتُّ وبكيتُ لأنّي قلت في نفسي: مَن يعلم؟ قد يرحمني الربُّ ويحيا الصبي" (2ملوك 12/22).

5- في مناحة أو دفن:
"وأخذوا عظامهم ودفنوها تحت الطرفاء التي يابيش وصاموا سبعة أيام"
(1صموئيل 31/13). "وناحوا وبكوا وصاموا إلى المساء على شاول ويوناتان إبنه وعلى شعب الربِّ وبيت إسرائيل، لأنَّهم سقطوا بالسيف" (2 صموئيل 1/12).

6- بعد ترمُّل:
بعد موت زوج يهوديت:"وكانت قد هيَّأت لنفسها غرفة سريّة على سطح بيتها وكانت تضع مسحاً على وسطها وترتدي ثياب ترمّلها. وكانت تصوم جميع أيام ترمّلها، ما خلا السبوت وعشيتها ورؤوس الشهور وعشيتها وأعياد بني إسرائيل وأفراحهم"
(يهوديت 8/6- 7).
النبية حنَّة:"ثمّ بقيت أرملة فبلغت الرابعة والثمانين من عمرها، لا تفارق الهيكل، مُتعبِّدة بالصوم والصلاة ليل نهار"
(لوقا 2/37).

7- بعد نكبة وطنية:
أمام فلسطين:"فاجتمعوا في المصفاة، واستقوا ماء وصبوه أمام الربِّ، وصاموا في ذلك اليوم وقالوا: هنا قد خطئنا إلى الربِّ، وقضى صموئيل لبني إسرائيل في المصفاة"
(1صموئيل 7/6).
داود ورجاله:"وناحوا وبكوا وصاموا إلى المساء على شاول ويوناتان إبنه وعلى شعب الربِّ وبيت إسرائيل، لأنَّهم سقطوا بالسيف"
(2صموئيل 1/12). أخذ الكلدانيين أورشليم وأحرقوها بالنار:"فبكوا وصاموا وصلّوا أمام الربِّ" (باروك 1/5).

8- لنيل وقف كارثة:
غزو الجراد:"فالآن يقول الربُّ: إرجعوا إليّ بكلِّ قلوبكم وبالصوم والبكاء والانتحاب، مَزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الربِّ إلهكم فإنَّه حنون رحيم طويل الأناة كثير الرحمة ونادم على الشرِّ، لعلَّه يرجع ويندم ويبقي وراءه بركة وتقدمة وسكيباً للربِّ إلهكم، إنفخوا في البوق في صهيون وأوصوا بصوم مُقدَّس ونادوا باحتفال، إجمعوا الشعب وَقدِّسوا الجماعة وإجمعوا الشيوخ وإجمعوا الأطفال وراضعي الأثداء وليخرج العريس من مخدعه والعروس من خدرها، بين الرواق والمذبح، ليبكِ الكهنة وليقولوا أشفق يا ربّ على شعبك ولا تجعل ميراثك عاراً فتسخر منهم الأمم: لماذا يُقال في الشعوب أين إلههم؟"
(يوئيل 2/12- 17). للتجنُّب من أليفانا رئيس قواد نبوخذ نصر ملك الآشوريين لئلا ينهب كلَّ شيء والهيكل:"وصرخ جميع رجال إسرائيل إلى الربِّ صراخاً حارّاً جداً، وَذلَّلوا أنفسهم تذليلاً شديداً، هم ونساؤهم وأولادهم وقطعانهم وجميع النزلاء من أُجراء وعبيد، وجميع رجال إسرائيل والنساء والأولاد المقيمون في أورشليم سجدوا أمام الهيكل، وعفروا رؤوسهم بالرماد وبسطوا مسوحهم أمام الربِّ، وغطّوا مذبح الرب بمسح، وصرخوا صراخاً حاراً إلى إله إسرائيل بصوت واحد، ألاّ يُسلِّم الأطفال إلى النهب ونسائهم إلى السبي ومدن ميراثهم إلى الدمار والمكان المُقدَّس إلى التدنيس وإلى شمات الأمم المهين، فسمع الرب أصواتهم ونظر إلى شدَّتهم" (يهوديت 4/9-13).


 9- لتنفتح القلوب للنور الإلهي:
"فقال لي: لا تخف يا دانيال، فإنَّك من أول يوم وجهت فيه قلبك للفهم ولإذلال نفسك أمام إلهك أُستجيب كلامك وأتيت أنا بسبب كلامك"
(دانيال 10/12).

10- الإستعداد لملاقاة الربِّ:
"وأقام موسى هناك عند الربِّ أربعين يوماً وأربعين ليلة، لا يأكل خبزاً ولا يشرب ماء، وكتب على اللوحين كلام العهد، الكلمات العشر"
(خروج 34/28).
"فجعلت وجهي إلى الربِّ الإله لالتماس وجهه في الصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد"
(دانيال 9/3). من هنا نستنتج بعد هذه الجولة على معاني الصوم ولماذا نصوم ورأينا الدوافع المتنوعة للصوم من خلال الكتاب المُقدَّس: إلاّ أنَّ الأمر في جميع هذه الأحوال يَتعلَّق بوضع الذات بإيمان في موقف من التواضع لتقبل عمل الله والوقوف بين يديه. إنَّ هذه النية العميقة تكشف لنا عن معنى الأربعينات التي قضاها موسى كما ذكرت آنفاً وإيليا في سفر الملوك "فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين يوماً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب" (1ملوك 19/8).
وأمّا بخصوص الأربعين يوماً التي صامها يسوع في البرية فلم يكن الغرض منها إعداد يسوع لتقبّل روح الله، وهو المملوء منه الملء الكامل "ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس، فكان يقوده الروح في البرية"
(لوقا 4/1). بل كان هذا الصوم ليفتح يسوع رسالته المسيحانية الخلاصية بفعل تسليم لأبيه بثقة كاملة ... "ثمّ سار الروح بيسوع إلى البرية ليجربه إبليس. فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة حتى جاع. فدنا منه المُجرِّب وقال له: إن كنت إبن الله فأمر هذه الحجارة أن تصير أرغفة. فأجابه: مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلِّ كلمة تخرج من فم الله" (متى 4/1-4).
 

 

 يتبع في العدد القادم



 

الذهاب الى اعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة