ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

مجـلة صـدى النهريــن - العدد العاشر / كانون الأول 2009

                                                                                                                                     

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

القديس شربل مخلوف.. (الراهب اللبناني)

الشماس أفرام حنا نورالدين

 

 

        في صباح يوم الأحد، التاسع من شهر تشرين الأول 1977، غصّت كنيسة مار بولس في مدينة روما بآلاف المؤمنين القادمين من شتى أنحاء العالم ليشتركوا باحتفال مريب أُعلنت خلاله قداسة الراهب (شربل مخلوف). فخلال القداس الذي ترأسه قداسة البابا بولس السادس بحضور 6 بطاركة من الكنائس الشرقية، 26 كردينالاً، 150 أسقفاً، مع وفود رسمية وشعبية من كل أنحاء العالم... أعلن قداسة الحبر الأعظم الراهب شربل مخلوف "قديساً" وسط التراتيل الشجية وعاصفة من التصفيق والتهليل وبذلك أعلن أبو المؤمنين أن الطوباوي شربل يتمتع بالمجد الأبدي ... وسمح بتشييد المذابح والكنائس على إسمه وبحفظ ذخائره وإكرامها في الكنائس.
 

        كيف وصل هذا الناسك _ الذي عاش حياة الخفاء والتقشف بين جدران الدير وهو في صومعته النائية في قمم الجبال _ هذه السدرة العالية في معارج التاريخ؟؟.
 

        ولد القديس شربل في 1828/5/8 ميلادية في بقاع كفره، إحدى قرى لبنان الشمالي، من والدين تقيَّين. أبوه "أنطون مخلوف" ووالدته "يرجينيا الشدياق"، وكان له شقيقان وشقيقتان. وفي عماده أُعطي له اسم "يوسف"، وتربى تربية مسيحية حقة جعلته مولعاً بالصلاة منذ نعومة أظفاره. فقد والده وهو في الثالثة من العمر. وحينما بلغ السابعة ذهب إلى المدرسة التي كان يديرها كاهن القرية. ولما بلغ أشدّه وهو في الثالثة والعشرين من العمر عام 1851 توجه إلى دير سيدة ميفوق، وهناك إختار لنفسه اسم "شربل"، وهو اسم أحد شهداء الكنيسة الشرقية عام 907 م، وبقي سنة واحدة في الصلاة والعبادة، ثمّ أرسل إلى دير مار مارون _ عنايا حيث قضى السنة الثانية. أعلن في نهايتها نذوره الرهبانية: الطاعة، العفة، الفقر.
 

        في عام 1851 لبس الإسكيم الرهباني وأُرسل إلى دير كفيفان لمتابعة دروس الفلسفة واللاهوت، فبرز بين زملائه، وامتاز باجتهاده وتفوقه ثم سيم كاهناً في بكريكي (مقر البطريركية المارونية). في 1859/7/23 أمره رؤساءه أن يرجع إلى دير مار مارون عنايا وقضى هناك ستة عشر عاماً راهباً ثم اختار حياة الناسك المنقطع عن الدنيا، الذائب في حب الله، يُصلّي فوق حصيرة، وعلى ضوء سراج، صَبَاحه صلاة، ومساءه صلاة. عاش سيرة تعبد وفناء في الذات الإلهية على مدى ثلاثة وعشرين سنة.


        بينما كان الراهب شربل يحتفل بالذبيحة الإلهية في صباح نهار الجمعة المصادف 1898/12/16 سَقَط على الأرض مصاباً بالشلل، فنقله صديقه الراهب الحبيس "مكاربوس" إلى صَومَعته وبدأ بنزاع أليم احتمله بصبرٍ عجيب مُستسلماً لإرادة الله، ودام نزاعه ثلاثة أيام. وفي الرابع والعشرين من عشية عيد الميلاد المجيد سلَّم روحه الطاهرة إلى خالقها ... وفي 1898/12/25 بعد الظهر كُفّن الحبيس شربل بعبائته، ووضع على لوحين من الخشب في قبر منخفض عن الأرض، تتسرب إليه المياه والأوحال، فقد ظنّ إخوته الرهبان بأنه في مثل هذه الحالة سيفنى كباقي إخوته الذين رحلوا ولا يبقى منه إلا سيرته الناسك المتعبد ... وإذا بعد عدة أشهر من وفاته، تسطع أنوار فجأة حول قبره، فيتقاطر سكان القرى المجاورة يتساءلون عن سبب هذا التقديس. وبعد فترة وبإلحاح من الزوّار، فتح الرهبان القبر فوجدوا الجثمان طريّاً يرشح بالدم والماء. فقام رئيس الدير الأب يوسف الكفوري بنقل الجثمان إلى تابوت خشبي جديد وَوَضعه في حائط الكنيسة الشمالي، وظلّ يرشح بالدم في الكنيسة، وبدأ رئيس الدير يشعر بالحرج والضيق واستخدم جميع الوسائل لإيقاف هذا الرشح، فأخرجه من التابوت ووضعه على سطح الدير، ومسحوه بالسبرتو جيداً وعرضوه إلى الهواء الطلق وأشعة الشمس حوالي 15 شهراً فلم ينجح إيقاف النزيف. فأمر بنزع الأحشاء والقلب الذي كان يقطر دماً فلم يتغير شيء من طراوة الجثمان، وأخيراً أوقف الجثمان في خزانة ووضع تحت قدميه الكلس فلم تتأثر قدماه وبقي هكذا حتى سنة 1908، أي بعد عشرة سنوات من موته. وبأمر من السلطة الرسمية الكنسية فتح التابوت رسمياً سنة 1927 م بعد أن عرضت قضية تطويبه في الدوائر المختصة في روما ... فأعيد إلى التابوت جديد مغلف بالزنك وبقي هكذا حتى السنةالمقدسة 1950 ثم حتى تطويبه سنة 1965 م كان الجثمان لا يزال طرياً يرشح بالعرق الدموي ... فكثرت الأعاجيب والمعجزات في شفاء الأجساد والنفوس، واحتلّ اسم القديس شربل مكان الصدارة في لبنان، وظلّ قبره محجّاً لجميع الناس. وفي ختام المجمع المسكوني الفاتيكاني في 1965/12/5 أعلن قداسة البابا بولس السادس تطويب الراهب شربل مخلوف أمام أساقفة العالم أجمع قائلاً:"فليجذبنا الطوباوي شربل وراءه على دروب القداسة لنجد فيها الحياة الصامتة وكأننا في حضرة الله ... وليجعلنا ندرك في عالم يسحره في أغلب الأحيان الثروة والرفاهية قيمة الفقر والتوبة والتقشف لأجل تحرير النفس في مسيرتنا نحو الله" ... هذه هي الدروس العليا التي يُبلّغنا إياها الراهب شربل مخلوف في أنسب الأوقات ... آمين.


المصدر: النشرة الدينية التي تصدرها بطريركية بابل الكلدانية _ 1977.

 

 

الذهاب الى اعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة