اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

رئاساتنا الكنسية: رعاة أم زعامات؟

لويس اقليمس

 

   24 نيسان 2017

     جاءت زيارة وفد عالي المستوى من مجلس "رؤساء الطوائف المسيحية" بالعراق، مساء يوم الاثنين 17 نيسان 2017، لتقديم التهاني لغبطة البطريرك لويس ساكو، رئيس الكنيسة الكلدانية، لمناسبة عيد القيامة، جاءت لتكسر حاجز الجمود والتوتر القائم منذ أشهر بين الطرفين، بعد انسحاب الكنيسة الكلدانية رسميًا من تشكيلة هذا المجلس. وكان الوفد على قدرٍ من الأهمية والثقل ليعطي لمبادرة التقارب والمصالحة بعدًا مسكونيًا آخر، كنّا في انتظاره. وقد اضطررتُ لتعديل مقالتي المسطورة منذ أكثر من شهر، بعد تأجيل نشرها متوقعًا بروز ضوءٍ في هذا الاتجاه الميمون. ضمّ الوفد كلاًّ من اصحاب الغبطة والسيادة: قداسة مار آداي الثاني بطريرك كنيسة المشرق الأشورية القديمة، والمطران يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد السريان الكاثوليك، والمطران آفاك أسادوريان رئيس أساقفة بغداد للأرمن الأرثوذكس، والمطران جان سليمان رئيس أساقفة بغداد للاتين.

    وحسنًا فعلها الوفد، بتضمين مناسبة تقديم التهاني بعيد القيامة المجيدة، عيد الانتصار على الموت، طلبًا بضرورة عودة الكنيسة الكلدانية إلى المجلس نظرا لثقلها وامكانياتها. يعني أنّ هذه المناسبة، قد أعادت فتح الأبواب للحوار الهادئ، والعودة إلى الحكمة المسكونية والرؤية الوطنية والاستعداد للتعاون لما فيه مصلحة الجماعة المسيحية، من دون الالتفات إلى المعايير المتآكلة بخصوص الأكثرية والأقلية والزعامة والتبعية. ونفهم من طريقة طرح الموضوع بصيغة بعيدة عن الدبلوماسية والمواربة، أنّ في الأفق نورًا بل أنوارًا ستضيء للمساكين من أبناء هذه الجماعة، من التائهين في ظلمات القهر والتهجير والمصير المجهول.

   حالة الجمود القائمة منذ أشهر، بين رئاسة الكنيسة الكلدانية من جهة، وباقي رئاسات كنائس العراق، عبّرت بحق، عن هوّة كانت تتعمّق بمضيّ الأيام، وعلى ضوئها كانت تتباعد فرص التراجع عن المواقف المشروطة والمطروحة مسبقًا لكلّ طرف. لذا تأتي هذه المبادرة، إشارة خير ستلقي بظلالها الإيجابية على مشاريع إعادة إعمار البلدات المستباحة لأكثر من عامين على أيدي عصابات داعش الإرهابية المتطرفة، التي قلعت أبناء هذه البلدات من أصولها وهجّرتهم وشرَّدتهم وأرهبتهم بلا رحمة، في انتظار المصير المجهول!

    فمِن مأساة حقبة الانشقاقات والانقسامات والحرومات والنزاعات، إلى فترة الاضطهادات القاسية والهجمات العاتية التي لم تتوقف لحين الساعة، بمختلف أشكالها ووسائلها وتجلياتها، سواءً بسبب سياسات شوفينية، تعصبيّة، طائفية، قومية ودينية، أو بسبب غياب رؤية موحدة لرؤساء الكنائس الذين تحولَ بعضُهم إلى زعماء مادّيين ودنيويين ينشدون الزعامة الدنيوية بدل الرئاسة "الخادمية" و"الراعوية" التي أوصاهم بها رأس الكنيسة الأول عندما أوصى تلاميذه: "مَنْ أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا، ومَنْ أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن لكم عبدًا» (متى 20: 26،27). وهذا كلامٌ لا يقبل الجدال في ما ينبغي أن يكون عليه طالب الرئاسة، ليس من أجل التسلّط وفرض الذات على الغير، بل من أجل الخدمة بالمحبة وطيبة القلب وتسامي النفس وانفتاح الروح والقبول بالحوار الهادئ مع المختلف معه، حتى لو كان من الأقلية المنسية أو التي لا شأنَ لها. فمَن يرغب الرئاسة، يشتهي عملاً صالحًا. فهو كمثل "مَن يشتهي الأسقفية، فقد عملَ عملاً صالحًا"، كما يقول رسول الأمم بولس الرسول في رسالته الأولى إلى طيمثاوس (1:3)، بالرغم من أنّ موقع الأسقفية كان يعني في زمان الأقدمين وفي بدايات الكنيسة الأولى، كما يعلّمنا التاريخ، الاستعداد للشهادة والتضحية من أجل الرعية، وليس للتمتع بالمنصب الدنيوي الذي يقدّمُ الامتيازات ويؤمِّنُ المكاسب ويجعل الموقع دارةً للمقرّبين والعائلة "المالكة".

    إننا ندرك تمامًا، سعي البعض من رؤساء كنائس العراق بخاصة، لحصر أعمال الخير والمساعدات والمكاسب السياسية منها والمادية وحتى الإعلامية والدعائية، في ظلّ الفوضى العارمة في كلّ شيء، كلٌّ ضمن أسيجة الطائفة والكنيسة والمنطقة التي تعود ضمن كرسيّه وملّتِه، بسبب ظروف البلاد الاستثنائية الحالية، كونَها حالة شاذة لا يُحتذى بها، وكذا بسبب الإغراءات المادية التي تأتمر بها النفس الأمّارة بالغيرة والحسد وحب الظهور والمال، أو بقصد المتاجرة بمآسي الأتباع.

    وهذا جزءٌ من التفاعل والجدال القائمين في جسم تشكيلة مجلس رؤساء الكنائس (الطوائف) الذي أربكَ العمل المسكوني والكثير من أشكال التعاون والتنسيق بين مختلف الرئاسات الكنسية، بغضّ النظر عن حجمها وشكلها، عادّين جميعَ مسمّياتها أعضاءَ فاعلين في جسد الكنيسة، عروسة المسيح، بطريقة أو بأخرى. ومن ثمّ، كان لا ينبغي أن تتحول اختلافاتٌ في وجهات النظر بين القائمين عليها إلى خلافات مستعصية غير قابلة التفاهم والنقاش والحوار، أو إلى انعزال في زاوية حرجة، أو أن تُضحي حجرَ عثرة كأداءَ أمام تضافر جهود العقلاء لرأب الصدع ولمّ الشرخ ومداواته بالمحبة والتواضع والاستعداد للخدمة الرسولية من دون تحزّب ولا تعصّب ولا توظيف موقع لفرض الرأي والهيمنة وفرض الذات.

    لقد كان الأجدر منذ البداية، ترك مسألة الرئاسة "الخدمية" وليس "الزعامية" التي نادى بها غبطة رئيس الكنيسة الكلدانية، ذي الكاريزما المتميّزة، أنْ تُقدّرَها عقولُ باقي الرؤساء أنفسهم بحكمتهم وتقييمهم واسترشادهم بنشاط الأجدر فيهم على الساحة الوطنية أولاً والمسيحية ثانيًا، والشخصية ثالثًا وليسَ آخرًا، وهو الأجدر في وسطهم جميعًا في ظلّ المعطيات القائمة الحالية. فما جرى من توسيع للشرخ القديم، بانسحاب رئاسة الكنيسة الكلدانية من مجلس رؤساء الكنائس بتلك الطريقة غير المقبولة طيلة تلك الفترة، لم يكن أوانُه ولا تبريرُه بالرغم من بروز ضعف واضحٍ في الأداء والتقييم وإصابة الرأي في جسم المجلس. إذ إنّ مثل هذا الإجراء، مع ما فيه من تبريرات ومسوّغات، لمْ يصبّ قط، في خانة مصلحة الشعب المسيحي، بعد أحداث العنف التي ابتدأت منذ الغزو الأمريكي في 2003، وما لحقها في تسونامي الإرهاب الذي طالَه ومازال تأثيرُه وأحداثُه ضاربة في جسم أتباع هذه الجماعة المتناقصة باضطراد شبه يوميّ.

   لستُ هنا أعبأُ بما يثيرُه هذا القول وهذه الصراحة وهذا التحليل وهذه الرؤية في الطرح، من منغصات أو زعل من هذه الجهة أو تلك. فالمصلحة العليا للوطن والكنيسة والشعب، ينبغي أن ترتفع فوق كل الحسابات الخاصة والفئوية والطائفية، وأن تسمو بالنفس فوق المصالح والطموحات والمكاسب الشخصية والخاصة. فكما أنَّ هناك دومًا مَن يسعى لترميم البيت الوطني وتقديم فرص الإصلاح على الفساد والكساد، بالرغم من المصاعب والمشقات والتحديات التي لا حصر لها بسبب الإيغال في آفة الفساد الضارب أطنابَه في كلّ موقع ومؤسسة وفي الشارع، كذلك لا بدّ من بروز أصواتٍ مسيحية وكنسية حريصة على ترميم البيت الكنسيّ والمسيحيّ، بالرغم من تنامي الهوّة بين "خدام" الشعب و"رعاتهم"، ممثلي المسيح على الأرض، بسبب ما جرى من مواقف غير مقبولة في صفوف المجلس الأسقفي المذكور، حتى لو كان أتباع هذه الكنيسة أو تلك أغلبية وأكثرية. فالخدمة "المجانية"، لا تعرف الأغلبية والأقلية ولا تعترف بهما مبدأً وغاية ووسيلةً، بل تقرّ حصرًا بروح الاستعداد للخدمة بالمحبة والتواضع والإيمان، وفق الجدارة واعتراف الآخرين بما لهذه الأخيرة من تأثيرٍ وقدرة على إقناع المتحاورين والمطالبين بضمان حقوق الأتباع والحرص على البناء الكنسي للبلاد من دون تمييز أو تحديد أو تكابر. فإذا كنّا نقيسُ الأشياء وفق هذا المنظور القاصر، فنحن لا نختلف عن الفرقاء السياسيين في البلاد، أصدقاء الأمس وأعداء الساعة، من الذين يُؤثرون مصالحهم الفئوية والطائفية الضيقة ويسعون للزعامة بشتى الوسائل، أو بتخريب الملعب السياسيّ في حالة عدم تلبية مطالبهم وطموحاتهم وإغراءات السلطة والجاه والمال. ونحن نقول، سواءً كان مثل هذا الادّعاء بالأكثرية والأغلبية، دقيقًا من عدمه، إلاّ أنّه في ذات الوقت، يتطلّب موقفًا عاليًا من الحكمة والرزانة بذات الحجم الذي تمثلُه كنيسة ما، وتسعى لزعامة غيرها وفق هذا المنظور أو غيره.

   هل من علامة رجاء؟

   كلُنا في هذه البلاد، ندعم توجهات الروح المسكونية التي أتى بها المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وفيها شدّد على خلق أجواء الروح المسكونية بين الكنائس المختلفة حين قرّر الانفتاح على جميع الكنائس. لم يدعُ المسكوني الثاني للزعامة والتسلّط، بقدر ما وضع وصية المحبة فوق كلّ اعتبار في التعامل بين الكنائس وفي الأوساط المسيحية عامة. وفي غياب هذه المحبة، يُعدّ كل عملٍ باطلاً. ف"الإيمان بدون أعمال باطلٌ"، يقول مار يعقوب (2: 14). لقد كان الهدف الأساس من تشكيل المجالس الحبرية، سواءً من قبل الدوائر الفاتيكانية أو من جانب الكنائس التي لا تخضع لسلطة البابا، تقديم التقارب بين أتباع كنيسة المسيح، والتقليل من الاختلافات والخصومات والفوارق بشأن العقائد وتقريب الأفكار والرؤى في اتجاه تطوير الوحدة المسيحية المنشودة. ومن دون شكّ، كان هذا هو الهدف من تشكيل مجلس أساقفة كنائس العراق، في اتجاه التقارب وليس التباعد بسبب نزعة استعلائية وطلبٍ للزعامة استهجنَ فيها جميع الأعضاء طريقة اشتهائها واعترضوا على عدم مراعاة أصولها، بالرغم من غياب الجدارة والكفاءة والمقدرة في معظم هؤلاء المعترضين على طريقة طرح الموضوع في حينها.

   وربما تكون الغيرة والهاجس الطائفي معًا، إزاء ما يتمتع به رئيس الكنيسة الكلدانية الحالي من شخصية مرموقة ومقدرة على الإقناع والكلام وإدارة الحوار، من جملة ما ورد في اعتراضات البعض ورفضهم المطلب، في حينه. إنّ روح الاستعداد التي توضحت في الردّ الإيجابيّ من جانب البطريرك ساكو، بإمكانية عودة الكنيسة الكلدانية إلى تشكيلة المجلس بعد إجراء التعديلات الضرورية عليه، حفاظًا على دوره وأهميته ودعمًا لتفاعله الوطني والجماعي معًا، تعطي بشائر أملٍ كبير في الأفق. فغبطته لا يتوانى دومًا، بوضع إمكانيات كنيسته وقدراته العديدة الخاصة في خدمة "المكون المسيحي" وخدمة الوطن. وتلكم من معاني الرجاء بقيادة أكثر حكمة ورويّة وبعد نظر للمستقبل، مجبولة بروح التفاني وبعطاء المحبة ومواجهة الصعاب والمجهول معًا. وهذا من ضمن ما تحتاج اليه قيادة الجماعة مجتمعةً، عبر توحيد خطابها ومواقفها وصولاً لإيجاد الوسائل الكفيلة لممارسة الضغط المطلوب من أجل تحقيق مطالبها كقوة اصيلة فاعلة في المجتمع العراقي، وليس كمكوّن ضعيف، خانع، خاضع، مستجير، مستجدي أو متلقّف للفتات. إنني أدعو، من منطلق تقديم علامة شهادة مسيحية نموذجية للخدمة المجانية وعلامة أمل ورجاء بوحدة الصفّ والكنيسة العراقية، لإعادة النظر في شكل الخلاف القائم الحالي في اللقاء القادم المقترح الذي نتج عن هذه المبادرة الأخيرة لوفد المجلس.

    كما أنادي وبقوّة، بضرورة مقابلة مبادرة حسن النيّة هذه، بروح الغيرة المسيحية من جميع الأطراف لرأب الصدع الذي أوشك بحصول قطيعة. والمراجعة الذاتية اليوم، تكفل ترميمه بالوداعة والتواضع والمحبة وروح الخدمة والتنازل وغسل الأرجل، الواحد منهم للآخر، تمامًا كما فعلها سيدُهم في ليلة العشاء الأخير حين أقدم على غسل أقدام تلاميذه. وكما فعَلَها بعدَه رؤساءُ كنائس عظام وقديسون، ومن أواخرهم البابا القديس يوحنا بولس الثاني والبابا المالك سعيدًا برغوليو (فرنسيس الأول). وبهذه المناسبة أيضًا، أتمنى من صاحب مبادرة تشكيل "مرجعية مسيحية مستقلّة موحدة" من المدنيين، التي رعاها شخصيًا، غبطة البطريرك الكلداني لويس ساكو قبل أكثر من سنتين، أن يعيد النظر بتجديد فاعلية هذه المبادرة التي تنصّلَ منها في وقت لاحق، ليلقي بثقلِه الجمّ وبكلّ طاقاته على كنيسته من أجل ترتيب أوضاعها لأغراض انتخابية بحتة تحفظ تمثيلاً مريحًا لجماعته. ونحن هنا لسنا نعترض على طموحات أتباع هذه الكنيسة العريقة، بقدر ما يهمّنا مصلحة كنيسة العراق الشاملة ككلّ وبالتنسيق مع الكلّ كي يبرز العمل الجماعي ويتحقق الهدف الأسمى ويعمّ خيرًا على الجميع بعد التفاهم على الخطوات الواجب اتخاذها والتي تضمن تحقيق هدف الجماعة بالاحتفاظ بالأرض والتراث والممتلكات والاستقلالية في تقرير المصير. فنحن ندرك مدى الضغوط التي تلقاها رأس الكنيسة الكلدانية من لوبيات مؤثرة ومن شخصيات مهجرية ومغتربة تدّعي التهميش في الوضع السياسيّ وفي الحصص وكذا في موضوع التسمية القومية التي يسعى نفرٌ لفرضها على غيرهم، نكاية بالطرف الآخر من الكنيسة النسطورية (الآثورية).

   وهذا مربط الفرس. فغبطتُه من دون شكّ، يمثل اليوم واحدًا من أهمّ مفاتيح اللعبة وألغازها، كنسيًا ووطنيًا وكلدانيًا، ولا ينبغي له الانجراف وراء أفكار تعصّبية لا تليق بكارزميته المتميزة وبثقافته العالية ورزاته دوليًا ووطنيًا وكنسيًا. أنتظر، ومعي كلّ الطيبين وذوو الإرادة الصالحة، ونحن بعد في أجواء الفصح الكبيرة، مبادرة تنازلية ، أولاً من رئيس الكنيسة الكلدانية البطريرك لويس ساكو بسبب ما حباه الله من مواهب وجدارة وعلم وكاريزما جذابة ومؤثرة، ومن بعده سائر الرؤساء كي يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع بسبب ما يعتري أتباعَهم من تحوّل في مصيرهم ويهدّد مستقبلهم ومستقبلَ كنائسهم على السواء.

   وهي دعوة ايضًا، لإعادة النظر بالشكل الحالي للنظام الداخلي لمجلس رؤساء الكنائس، كي يكون أكثر تأثيرًا وقوّة وفاعلية ضمن تراتبية معاصرة تمنحه، ليسَ التسلّط وفرض الرأي، بقدر ما تعطيه زخمًا في الإفادة والاستفادة من موقع البطريرك الكلداني وعلاقاته الواسعة من أجل مصلحة كنيسة العراق قاطبة، وليسَ كنيسته حصرًا في ضوء تركيزه الأخير على إعادة تنظيم صفوف هذه الأخيرة لأغراض انتخابية تكسبّية ضيقة، شأنُهُ فيها شأن باقي الأحزاب والمذاهب والكتل السياسية التي تسعى من دون توقف لترسيخ نظام الطائفية والعرقية والفئوية من أجل إدامة المكاسب والمنافع على حساب الغير الخانع. فإذا كنّا نحن ومعنا الشعب العراقي نرفض مثل هذا التوجه من جانب زعماء الكتل من السياسيين الطائفيين، فكيف بنا نقبل ونوافق ونرضخ لشيء من ذات السمة من قبل جماعة كنسية لها تاريخُها وتأثيرُها وإمكانيتُها؟ وبغير هذا وذاك، فنحن ماضون إلى الاندثار والأفول، لا محالَ، إذا بقينا على نزاعاتنا وخلافاتنا وخصوماتنا الطائفية. أختم حديثي، بالدعوة كي يتحمّل كلّ رئيس كنيسةٍ مسؤولياته الخدمية والراعوية بما يتوجب عليه، بحسب وصية معلمه الأول عندما دعا الرؤساء كي يكونوا رعاة صالحين لغنمه، وأن يعرفوا خرافَهم بحق، ويحثوا الرعية للتوجه إلى المرعى الصحيح المفيد والمثمر، والاستفادة من دروس الحياة والتعلّم مِن عبر الأحداث والوقائع. ف "الحياة مدرسةٌ تُساهم في تنشئتنا وبناء شخصيتنا، وأحداثُها دروسٌ نتعلم منها العِبرَ لنتقدم ونرتقي فنكتسب عقلاً يقضًا وقلباً سخياً وإرادةً مطواعةً وهدايةً متواصلةً. وجودنا يمكن جعله عبورا دائما إلى فضاءات أكثر رحابة ونضجا وعمقا وروحية… وهذا مطلوب من رجل الدين، ومن الوالدين: الأب والأم ومن المربي المعلم، والمسؤول.

   كلٌ في مجاله هو راعٍ!"، كلامٌ جميلٌ أخرجه غبطة البطريرك لويس ساكو، ونشره في موقع البطريركية الكلدانية بتاريخ 29 آذار 2017، حيث تعوّدنا مثل هذا الكلام الموزون والحريص والمسؤول منه دومًا. وهي دعوة صادقة لغبطته أولاً ولأخوته ثانيًا، كي يثبتوا هذا القول بأفعالهم الطيبة في الحياة اليومية ووسط الشعب وفي الوطن، بذات الإيمان والرجاء والمحبة وبشيء من التواضع والتنازل، الواحد للآخر إذا اقتضت المصلحة العامة للكنيسة والشعب والوطن. ونحن أيضًا نقول: لابدّ من الانفتاح للآخر والتفكير بالخروج من الضبابية القائمة، عبر "حضور تراتبي كنسي رسمي"، وتدارس كل الواقع القائم لما فيه مصلحة الحفاظ على ما تبقى من تعداد المسيحية عبر آليات الحوار والتفاهم بعيدًا عن منغّصات التعصّب وترّهات الأكثرية والأقلية. حينها الرب، سيبارك الجهود الخيّرة، سواء أتت من جانب أتباع الأقلية أو الأكثرية أو من بشرٍ منسيين لا أحدَ يتنبه لهم.

  وبهذه الروحيّة المستنيرة والمنفتحة، سيبقى الباب مفتوحًا لعودة أعدادٍ مهمّة من المهجَّرين والنازحين إلى بيوتهم ومناطقهم، في حالة رؤية رعاة صالحين يعرفون خرافَهم وينادون الواحدَ منها بأسمائها ولا يتركونَها بأيدي الذئاب والحرّاس غير الأمينين من تجار الأحزاب ودكاكينهم، المسيحية منها أو التابعة لاتجاهات سياسية غير رصينة لا تعترف بقدرة الله وصيانة الوطن وحبّ الشعب ومصلحة الأمّة.

كان اللهُ في عون البؤساء والبسطاء والفقراء ومّنْ لا حيلةَ لهم ولا حولَ ولا شفيعًا!

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة