اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

متى وكيف يصلح حالُ العراق؟

لويس اقليمس

 

   5 حزيران 2016

 

  جميعنُا في الوطن الجريح، وغيرُنا كثيرون من مغتربيه ومحبيه يسألون هذا السؤال المرّ الصعب:

 متى يصلح حالُ العراق، وكيف؟؟؟

 فيالق مؤلّفة من الوطنيين الغيارى، وأسرابٌ أثيلةٌ من الطافحة قلوبُهم بثقافة المحبة والخير والسلام، وقوافل أمينة ومخلصة لحضارات الآباء والأجداد من الحاملين غصنَ الزيتون بيد ومشعل العلم والثقافة باليد الأخرى، وحشود من العراقيين الطيبين البسطاء من ذوي النوايا الحسنة، ونحن منهم، تحدثوا جميعًا وقالوا كلمات وقدموا نصائح ورفعوا هتافات للوطن ولرفعة الشعب ورفاهته ورفع الحيف عنه وتضميد جراحاته التي نزفت ونتنت وتقيّحت.

ولكنْ،ما مِن طبيب حكيم أمينٍ يداويها ويشخّص حقيقة مرض هذا الوطن وشعبه، بل الأمراض التي تغافل ويصرّ على تغافلها سلاطينُ الحكم المنتفعون من الفوضى الخلاّقة التي أرسوا دعائمَها بمشورة من الغازي الأمريكي وغيره.والسبب، هو إصرار مَن يحكمون الوطن بلا كفاءة وفي غياب الوازع الوطني الصادق، على تغييبِ أساطين مبرّزين في العلم والثقافة والفنّ والحكمة والأدب والسياسة والنصح من المستقلّين النجباء من أجل المشاركة في إدارة الدولة المتهالكة وإنهاضها من كبوتها.

مَن يريد قول الكلمة الحق،حتى على ذاته وبني جلدته وأهلِه ومقرّبيه حبًّا بالوطن ورحمةً بالشعب المقهور وعطفًا بالأطفال والثكالى والشيب ومفترشي الأرصفة من جيوش العاطلين ومن المتسكعين استجداءً في التقاطعات والساحات،فلا جُناحَ عليه ولا خوفٌ ولا هم يحزنون،لأنّه متحسسٌ بعمق المعضلة، ومنطلِقٌ من نبض الشارع الذي يزداد غليانًا، ومن المرجعية الرشيدة التي بحّ صوتُها،ومن صوت الشعب الذي طال انتظارُه لفعل رحمة وخدمة آدمية ولسماع كلمة عطف وراحة أمينة. فالقلم الحر المستقلّ،منطلقًا من وجدان الشعب ومقتضياته ومآسيه وويلاته، لم يعدْ يخشى جبروت الطغاة ولا سطوة المافيات ولا تهديد الميليشيات ولا زعيق الزعامات وما يصدر عن هذه ومنها من خطابات طنانة في البلاغة والفصاحة والوقاحة بالكذب على عقول البسطاء وفي استمالة جوانب المقهورين وفي استدرار عواطف الشارع وإثارة مشاعر أتباع هذا التيار وهذه الطائفة، سواءً من أجل الإبقاء على مكاسب قائمة أو لتسويف الإنصات لصوت الشعب والمماطلة بتنفيذ مطالبه المشروعة بالعيش ضمن دولة مدنية خالية من الفساد والمفسدين ومن الظلم والظالمين ومن المتسترين بجلباب الدّين ومظاهرِه والمتزلفين بالشعارات الشعائرية في المناسبات المناسكية.

فمثل هذه الخطابات الرنانة أصبحت أسطوانة مشروخة، ولم تعد تنفع سوى للاستهلاك الديني والمذهبي والطائفيّ لفئة فقدت الأهلية والمصداقية،وبها يحاول أصحابُها إنقاذ مراكبهم الغارقة وكراسيهم الآيلة للسقوط في أية هبّة أو موجة عارمة، وهي قادمة من دون شك! نحن مع الإصلاح الجذري، ومع ثورة الشعب،ومع انتفاضة الشارع الوطنية، وقلوبُنا وأفكارُنا ومشاعرُنا مع تظاهراته واعتصاماته ومطالباته الوطنية المشروعة، ومع صحوة النواب الصادقين وليس الراكبين للموجة تزييفًا وتسترًا وإكساءً لعورة الذنب.

 ونعود للقول: إلى متى يبقى الوطنُ رهنًا بأيدي أعدائه والطامعين به وغير المكترثين لمصيره ومستقبله، في الداخل والخارج؟ وحتّى مَ يظلُّ أهلوهُ بين فكّي سلطانٍ فاسدٍ وطامع أثيمٍ ودخيلٍ ربيب يستقطع لقمة الفاقة من أفواه اليتامى وحلوق المقهورين وأكتاف المتعَبين وظهورِ ثقيلي الأحمال؟ ومتى يصحو الغافلُ من سبات تبعيتِه،والشعب من طول غفوته،ليمسك الفأس والمعول بيد والمحراث والمنجل بيدٍ أخرى كي يبني ويعمّر ويعدّ الأرض ويقوّم السبل المعوجّة التي دمّرتها أيادي الشرّ والفساد والخذلان منذ نشأة الدولة العراقية،والتي زادت حدّةً بعد الغزو الأمريكي وأعوانه وتشدّقهم بحجة نقل الديمقراطية الممسوخة وتصديرها لشعوب بحاجة إلى مرحلة إعداد أخلاقية وعلمية واجتماعية زادًا،قبل الرفاهة المزعومة لهذه النظرية التي لا تتقبلُها أرضية المنطقة الدينية والإتنية بالصورة التي جُلبت إليها؟ وعودٌ متتالية ومزيفة من رعاة العملية السياسية وأدواتها المنفذة في الداخل، بتحسّن الأوضاع وبانتقالة هادئة نحو السلم والاستقرار والأمان والديمقراطية.

 طال انتظارها وساءت التقديرات بشأنها عندما كُشفت النوايا وبان المستور وتواصلَ هضم الحقوق وبقيت المماطلة والتسويف والضحك على ذقون الشعب البائس.

رحم الله شاعر العراق والعرب محمد مهدي الجواهري في رثائه للوحدة العربية الممزقة، وهذا ما ينطبق على واقع ومآسي الحكم في العراق أيضًا:

 حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ وإلام كتم الابراقُ والارعادُ أنا إن غصصتُ بما أحسُّ ففي فمي ماء وبين جوانجي إيقاد يا نائمينَ على الأذى لا شامُكم شامٌ ولا بغدادُكُمْ بغداد تلك المروج الزاهراتُ تحولت فخلا العرينُ وصوّح المرتاد هُضِمت حقوقُ ذوي الحقوق، وُضيِّعت تلك العهودُ وخاست الآساد تلكم بعض ما نتصارحُ به، وجزءٌ ممّا نقولُه تبيانًا للحقيقة من دون مجاملات ولا مهاترات ولا سفاهات لما صار وحصل في الفترة ما بعد السقوط الدراماتيكي في 2003.

 ولأركان السلطة ومَن في الحكم،ومَن يرنو ويلهث إليه اليوم وغدًا جهادًا مستميتًا وصراعًا لجني مكاسب غير مشروعة، أن يدير لسانَه سبع مرّات ويحكّم عقلَه أربعة عشر مرّة، ويقرأ التاريخ ويتعلّم بعضًا من دروسه سبعين مرّة سبعَ مرّات، لكي يتبوّأ الحكمَ ويكون أهلاً له في خدمة الوطن ورعاية الشعب. فمَن شاءَ الردُّ إيجابًا أفلَحَ وفازَ، ومَن لجمَ الرّسن وراجعَ المواقف خدمَ وفاقَ، ومَن نصحَ وانتصحَ ارتاحَ وأراحَ،ومَن لا يقوى على هذا أو ذاك، فليغادر دارَ الأخيار ومواقع الأئمّة ومزارات القديسين وبيوتات الطيبين من الآباء والأجداد في بلد العزّ والحضارات!فالحال لم يعد يتحمّل نظام المحاصصة المقيت وامتيازات تجار الحروب ومكاسب مافيات الفساد وحيتان سرقة السحت الحرام والمال العام في عزّ النهار وفي عتمات الليالي السوداء.

في العراقيين جميعًا:

- إذا أرادوا بناء الوطن والعيش في دولة المواطنة وفق نظام حضاري ومدني، وشاءوا عودة السلام والأمن والاستقرار لهذه الأرض الطيبة ولنفوسهم وبلداتهم ومناطقهم، عليهم بالولاء له دون غيرِه، والإصرار على نبذ الفاسدين والمفسدين وإخراجهم من صفوفه وليس التستّر عليهم. فهو جريح مطعون بحرابٍ مثخنة أثقلت كاهلَه، وهو بحاجة لحكيم ناصح يداويه، وليسَ مَنْ يُنجد! كما عليهم ألاّ يقبلوا بغير الكفاءة والجدارة معيارًا للمواطنة الصالحة، والديمقراطية الصحيحة وليس الفوضوية طريقًا سالكًا للحرية الفردية والمجتمعية، وحرية الفكر والعقيدة والدّين، وحرية الملبس والسفر والارتباط وما في خوافي وبواطن وفروع هذه جميعًا من دون أدوات "الإكراه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". فالمنكر معروفٌ وهو أشدُّ قساوة وضراوة وجرمًا ممّا يطالبُ به بعض أصحاب هذا الفكر الجانح.

- إذا أرادوا تقويم الذات وإعادة بناء الشخصية العراقية الوطنية على أسس اجتماعية متمدنة ومتحضّرة ومعاصرة، عليهم بترك الازدواجية في السلوكيات اليومية، بدءً من مدرسة البيت الأولى، فالروضة، فالابتدائية، ثمّ الثانوية حتى التحصيل العالي، والارتقاء نحو ما يتاح للجميع للنهل من أشكال العلوم والآداب والفنون، عبر مناهج معاصرة جديدة تخدم العملية التربوية حصرًا وتحشّد لمواقف وأهداف وطنية مدنية شفافة، بعيدًا عن اختلاجات الأفكار الدينية الزائغة والمتزلفة التي تمزّق وتدمّر وتفرّق وتحرّض.

- إذا أرادوا لملمة الجراح وغلق شرايين النزيف ووأد الفتنة، عليهم بإخراج كلّ فاسد ومفسدٍ وطائفيّ في أرض العراق الطيبة من أي دين أو ملّة أو طائفة أو عرقٍ، في حالة رفض هذا العنصر التناغمَ مع الصحوة الوطنية الجارفة التي قويت هذه الأيام وباتت أقربَ إلى التحقيق من أي وقت مضى في حالة تواصلها واشتدادها والالتزام بها لحدّ الاِستِماتة.

 - إذا أرادوا الصلح وتنفيذ مشروع المصالحة الوطنية، على أسس رصينة وبنيّة صافية وإرادة صالحة، عليهم الكفّ عن إلقاء التصريحات المتشنجة وإطلاق تهم التخوين غير المسؤولة التي لا تبني ولا تقدّم جهدا، بل تزيد النار احتراقًا وتواصل صبَّ الزيت على ما هو قائم من حرائق وما نعاني من مصائب وويلات ونكبات وتخلّف.

- إذا أرادوا طيّ صفحة الماضي وعزل الفاسدين والوصول إلى برّ الأمان بإعادة اللحمة المجتمعية للنسيج المتفكّك بفعل الأغراب عنه وبفعل ما حصل في 2003 ولغاية اليوم، عليهم بتوحيد الصفوف، ونكران الذات حبًا بالوطن ومستقبله، والتنازل لبعضهم البعض حين الضرورة، وتعزيز حوارات مجتمعية وعشائرية وثقافية وتنظيمية لتضييق الاختلافات ومواقع الفتنة التي خلقتها أطراف طائفية وانقادت لها تيارات هزيلة تفتقر للكفاءة في الحكم والإدارة والاقتصاد والتربية والتعليم والثقافة وما سواها. وهذا يتطلب أيضًا،الحثّ على قبول واحترام التعددية التي تُعدّ غنى وطنيًا للدولة والشعب والمنطقة والعالم. ومنها يتوجب العمل أيضًا، على تغيير العقلية والثقافة المجتمعية غير المستقيمة التي تستخفّ وتنظر بازدراء إلى مكوّنات دينية وإتنية قليلة العدد، بل وتعدّ كلّ ما تمتلكه هذه حلالاً يمكن الاستيلاء عليه، وكلَّ مختلف دينيًا عن دين الأغلبية هدفًا وكفرًا قابلَ الاستهداف.

 - إذا أرادوا بناء اقتصاد البلد واستنهاض قدراته الإنتاجية من جديد، عليهم بقبول العمل بنزاهة وإخلاص في دوائر الدولة التي يعملون فيها، أو في مؤسسات القطاع الخاص، الجهة الساندة للدولة والمؤازرة لتنويع الموارد وتعزيز الإنتاج والإنتاجية، وليس التكاسل واللامبالاة والاستنكاف والاستعلاء في تنفيذ المهام الموكلة لكلّ فرد في القطاعين المذكورين، كلّ حسب قدراته ومؤهلاته.

- في سنّة العراق:

- إذا أرادوا العودة بقدراتهم الوطنية المعهودة، إداريًا وسياسيًا ومهنيًا، عليهم الاستقلال في الرأي وفي الفكر وفي المنهج بعيدًا عن أجندات دول الجوار والإقليمية الطامعة التي لا ترضيها وحدة الصف والكلمة والرأي، ولا تريد التصفيق لوحدة الوطن وترابه وأهله، ولا ترضيها عودة نسيجه الاجتماعي إلى عهده المعروف واقتصاد البلاد نحو الازدهار.كما ينبغي عليهم الكفّ عن أدوات التخوين ضدّ المختلفين عنهم، مع ضرورة فتح صفحات جديدة من الثقة بالنفس وبالغير، ومن المصداقية في العمل الوطنيّ الصادق مع الأغلبية الحاكمة، وليس الإبقاء على كبرياء الحكم والسلطة التي خرجت عنهم.

- إذا شاءوا تنقية الشوائب في سلوكهم الدينيّ والمذهبيّ، عليهم التخلّي عن خطاب الكراهية في خطب رجال دينهم أيام الجمع والمناسبات، والكفّ عن التهجّم على المختلفين عنهم دينًا ومذهبًا، واتّباع سلوك السلم والتسامح التي سار عليها رسولهم أيام الدعوة الأولى، ومنع أدوات التحريض بكلّ أشكالها، ومنها فتاوى القتل التي تصدر عن شيوخ الظلام والتطرّف من المعتمدين على أحداث وأشخاص مضى عليها أكثر من 14 قرنًا خلت على أيام الجاهلية والتخلّف ووأد البنات وحياة البداوة وركوب الجمال وما رافق المرحلة الثانية المثيرة من الرسالة المحمدية في زمن ما بعد الهجرة.

- إذا شاءوا استدراك ما تعرّضوا له أو بالأحرى ما عرّضوا له ذواتهم ومشاريعهم وقدراتهم في الابتعاد عن الحكم الرشيد منذ السقوط في 2003، عليهم بوحدة الصف والفكر والرأي ونبذ أسلوب التخوين وسوء النيّة في الآخرين والالتزام بمنهج وطني واضح غير انتهازيّ. فهُمْ أكثر دراية بشعاب الإدارة والحكم والأفضلُ في استنهاض المجتمع الدولي ودول المنطقة لصالح الوطن وأهله. وهذه حقيقة لا غبارَ عليها. ومن حقهم استعادة ذلك وفق الدستور والقانون والجدارة.

 - إذا أرادوا إعادة كسب ودّ أبناء الشعب من زاخو إلى الفاو، عليهم بنبذ خلافاتهم ومماحكاتهم البينية والعشائرية والمذهبية، والتصريح الواضح والعلنيّ برفضهم للهجمة الإرهابية الشرسة التي استباح بها تنظيم "داعش" الإرهابي المحسوب على ملّتهم لأرض العراق، ومَن على شاكلته، وهتكه لأعراض مواطنين أبرياء وتهجير الملايين الآمنين من مناطق سكناهم والاستيلاء على أموالهم وعقاراتهم ومساكنهم، وليسَ بالسكوت عمّا يقترفه من جرائم أو التستّر على خلايا نائمة ودعم مجموعات مسلحة من أجل تقويض العملية السياسية المتهالكة أصلاً.

 في شيعة العراق:

 - إذا أرادوا تكوين شخصيتهم الوطنية المستقلّة، عليهم الابتعاد عن فعل الخنوع القائم تجاه الجارة إيران، مع احتفاظهم باحترامهم لرموزها الدينية ولدورها الإيجابي والإبقاء على مبادئ حسن الجيرة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين من الطرفين، احترامًا للوطن وللتعددية القائمة في الأديان والشعوب والأعراق في العراق، التي يقلّ نظيرُها في بلد آخر. كما عليهم التخلّص من عقدة الشعور باستمرار مظلوميتهم، بعد أنْ أتتهم فرصة الحكم على طبق من ذهب.

 - إذا أرادوا تجاوز أخطاء الماضي ووضع حدود لسلوك الاستفزاز الشعائري القائم في المناسبات الشيعية، وما أكثرها منذ السقوط،والتي كرستها وأحيتها وخصّت لها الحكومات الشيعية الطائفية المتلاحقة مواسم وأيامًا لا حصر لها، وبأساليب جامحة وغير حضارية في أغلب الأحيان بحيث تُسَخَّرُ لها الدولة بكاملها وتُعطّلُ مؤسساتٌ منتجة وتقف الحركة وتشلّ الحياة، ويُجبر الناس على ملازمة المنازل والتخفّي والابتعاد عن المظاهر التي يرونها غير حضارية...،فما عليهم والحالة هذه إلاّ التفكير بتطوير فكرة الزيارات الدينية والمناسبات الشعائرية والحج بطريقة أكثر تحضّرًا وتمدّنًا وعصرنةً، بحيث تواصل مؤسسات الدولة أعمالَها وتبقى الطرق والشوارع سالكة. فعبادُ الله، كلٌّ على نياته يحصل مرادَه ويرضي إلهَه وإمامَه، أيًّا كان. ويبقى التديّن من عدمه والحجّ لمَن سعى إليه والزيارة لمَن استحبّها،ممارسة فردية وعلاقة شخصية بين الخاق والمخلوق، وتفاهمًا بين العابد والمعبود. فلا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، أن تكون الدولة جزءًا من هذه جميعًا إلاّ في تأمين الحماية الكافية لهم حصرًا. كما من غير المعقول أن تواصل الحكومات المتسلطة صرف أموال جنونية من خزينة الدولة، هي من حق جميع المواطنين وليس لطائفة معينة.

- إذا أرادوا تصحيح ذات البين وإنهاء التجافي مع مجتمعات مختلفة عنهم دينًا ومذهبًا ومنهجًا، عليهم بالمصالحة الوطنية الحقيقية والمصافحة العراقية الصادقة التي تنهي كلّ الضغائن وتفتح الأبواب على مصاريعها بين أبناء الوطن الواحد، ليعودوا كما كانوا بالأمس يتسامرون ويتصاهرون ويقيمون الولائم والمآتم معًا من دون تفرقة ولا حدود ولا سؤال عن أصل هذا وفصل ذاك وعن دين هذا وطائفة ذاك. ومَن لا يقوى أو يقبل بها منهجًا لوحدة البلاد والتراب، وأداةً لرتق الممزّق في اللحمة المجتمعية، يمكنه المغادرة بسلام طالما بقي مصرًّا على فتق الثوب الوطني وإبقاء التميّز والاستعلاء لشريحة دون غيرها بعيدًا عن حقوق المواطنة في المساواة والعدالة والمصير.

 - إذا أرادوا الحفاظ على وحدة الصف والدار والتمسك بنظافة اليد منهاجًا للأئمّة والصالحين، عليهم بترك نوافذ الفساد جميعًا، ومنها سرقة المال العام ووضع اليد على عقارات الدولة والمواطنين الأبرياء بوسائل وطرق جهنّمية وتهديدية وترويعية أحيانًا، ونهب أموال البلاد بحجج تعويض المتضررين ومكافأة المضطهدين من أنظمة سابقة، وذلك عبر مؤسسات تمييزية موازية للدولة ومنافسة لها مثل مؤسسات الشهداء والسجناء السياسيين وغيرها من المؤسسات الطائفية والميليشياوية والجمعيات الخيرية متنوعة الأسماء والمراجع والأهداف. فهذه جميعًا وغيرُها تخريجات ونوافذ للفساد. وبإمكان الدولة ضمن مؤسساتها الرسمية القائمة من القيام برعاية المشمولين بها وتنفيذ المهام المفترضة وفقًا لقواعد وقوانين وأنظمة تثبت حقوق المتضرّر حقًا، وليس بطريقة عشوائية تمنح مكاسب وامتيازات ومناصب لمجرّد الانتماء لطائفة متنفذة دون غيرها. فكَمْ من مواطنين متضررين من النظام السابق، ضُربت طلباتُهم عرضَ الحائط لعدم انتمائهم الكتلوي والفئوي والحزبي والديني والطائفي، ولم يحصلوا حتى على مستحقاتهم بحسب أنظمة سارية، ومنهم صاحب القلم؟؟؟

 - إذا أراد قادة الشيعة في العراق، أن يساهموا في بناء دولة مدنية حضارية تحفظ حقوق جميع المكوّنات على أساس وطنيّ ووفق مبدأ الاستحقاق الوطني الفرديّ

– الشخصيّ والكفاءة في المقدرات العلمية والمؤهلات المهنية، عليهم بترك عباءة الدّين الذي يتسترون به سياسةً وتسييسًا، والذي يستغلونه غطاءً لتحقيق مكاسب طائفية وفئوية وشخصية، ويضحكون به على ذقون البسطاء من الشعب الذي يريدونه صاغرًا تابعًا باكيًا لاطمًا، ليس لسنين بل لقرون، ضمانًا لطاعتهم وولائهم والخنوع الدائم لأمثالهم. ذلك لأنّ تطورَ فكرِ هذا الشعب الذي اعتاد الإنصات لخطب رنانة تثير المشاعر وتؤجج العواطف وتفتح اللواعج الدفينة، إلى جانب استرداده لرجاحة عقله حول ما يُجبرُ على سماعه في المواسم والشعائر، وكذا حكمُه بعينِ الفكر الناضج على ما يجري، كلّ هذه التطور في فكر العامّة لن يكون من صالح أيديولوجية أرباب الإسلام السياسي، بشقيه الشيعيّ والسنّي، اللذين يريدان إبقاءَه أسيرَ مواسم التطبير والمواكب بالنسبة للشيعة وفتاوى شيوخ الموت وأقوال ابن تيمية ومَن في شاكلته بالنسبة للسنّة.

 - إذا أراد شيعة العراق المساهمة في بناء دولة مؤسساتية قائمة على قيم وطنية تمتلك جيشًا عقائديًا وقوات أمنية وطنية جاهزة للدفاع عن حياض الوطن وعرضه وأهله وسمائه ومياهه، فما عليهم إلاّ التخلّي عن سياسة تشكيل الميليشيات الطائفية التي تكاثرت وتوسعت وأصبحت موازية لقوّة الدولة وقدراتها، لها ميزانياتُها التي تستنفذ اليوم جهد الدولة واقتصادَها من خلال الفساد المستشري فيها أيضًا، ونتيجة للسلوكيات القائمة على سياسة الضعيف تجاه القويّ خارجًا عن سلطة الدولة والدستور والقوانين. وفي هذا، يقدّر الشعب العراقي تضحيات الأوفياء والوطنيين الصادقين من الملبّين والمتنادين لصوت المرجعية في الدفاع عن حياض الوطن وتطهير الأرض والعرض من دنس الغرباء الأشرار، والتي لولا جهادهم الكفائي، لكانت العديد من مناطق العراق في خبر كان. وانطلاقًا من الحسّ الوطنيّ، يُؤمّل دمج هذه المجاميع في جسم التشكيلات الأمنية والعسكرية والاستخبارية الوطنية المتعددة، حفاظًا على وحدة الصفّ وتعزيزًا للروح الجهادية المطلوبة في شكل الأجهزة الأمنية جميعًا.

 - باختصار، إذا أرادوا التفاعل مع باقي المجتمعات الدينية والإتنية المختلفة عنهم، عليهم بقبول مبدأ الدولة المدنية بالحق والحقيقة، وأن يسدلوا الستار عمّا أسماه البعض من قادتهم بالمشروع الإسلامي الذي يربط مصير العراق بمصير أتباعهم في الجارة إيران، سواءً بتشيّع البلاد أو بأسلمتها على طريقتهم، غير مكترثين للتنوع الإتنيّ والدينيّ الذي يشكّل جمالَ بستان الوطن وديكورَه في الواجهة الدولية.

 في الكورد

- إذا شاءوا البقاء مع وحدة العراق وربط مصيرهم بمستقبل البلاد وأطيافه، أرضًا وشعبًا وسماءً وثروات باطنية وخارجية، عليهم إسدالُ الستار عن اسطوانتهم المشروخة بالتهديد بتقرير المصير وإعلان الاستقلال وحسم أمرهم. فإن شاءوا ذلك، فهذا حقُهم، والشعبُ والدولة سيحترمون خيارَهم المصيري تمامًا كما نالوا التأييد للحكم الذاتي في أوانه، ولكن، وفق أصول وإجراءات هادئة، وأن يحصل ذلك من دون ابتزاز أو مساومات تعجيزية على الأرض والثروات والمغانم.

- في حالة خيارهم البقاء ضمن عراق فيدراليّ موحّد، عليهم الكفّ عن المطالبات التعجيزية والاستهلاكية التي لا تنتهي، واحترام صوت الشعب، والتماهي مع نبض الشارع المنتفض، ودعم مطالب الفقراء والمهمّشين، من خلال الإنصات لمطلب إلغاء المحاصصة الذي يصرّ عليه الشعب وأكدته الأحداث الأخيرة، بما فيها أصوات النواب المنتفضين والمعتصمين والمصرّين على تشكيل جبهة معارضة أو كتلة عابرة للمحاصصة الطائفية، وليس بالتصريح " بغداد، إلى جهنّم"، أو التلويح ب"الخطّ الأحمر" لأيّ مسعى حكومي بالتغيير!

 - بعكس ذلك، إذا شاءوا الانفصال، عليهم إثبات حسن نيتهم في التعامل مع مصير العراق بروح الوطنية وليس بالعنترية والعنجهية والتكابر، باستغلالهم لدعم الراعي الأمريكي والأوربي اللاّمحدود إلى جانبهم، من خلال استخدام سياسة ليّ ذراع الحكومة المركزية الضعيفة الغارقة في أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، عالمين أنهم كانوا ولازالوا جزءًا في شراكة العملية السياسية في الفساد والإقطاعيات الحزبية والفئوية والعرقية منذ 2003.

 - إذا حصلوا على استقلالهم الموعود، هنّأناهم وطالبناهم بحفظ حقوق الجماعات المتآخية المختلفة في الدّين والعرق، ومنها حق الحكم الذاتيّ للمناطق التي يتواجدون فيها. فهذه الجماعات قد ناضلت إلى جانبهم طيلة عقود النضال المنصرمة. ومن حقها أن تحتفظ بقوامها الإتنيّ والدينيّ وهوياتها القومية المستقلّة من دون ضغوط وإكراه وتهديد وشراء ذمم، وكذلك التمتع بحقوق مواطنية متساوية، بعد تحوّل الحكم الذاتي في شمال الوطن إلى حكومة كردية عرقية تُحكم عشائريًا وعائليًا وتتحكم بجميع مخارج الإقليم ومداخله السياسية والاقتصادية والمجتمعية.

 - إذا شاءوا المساهمة في بناء الوطن وفي تعزيز مؤسساته الحكومية وبناء قدراته العلمية والإدارية والاجتماعية، عليهم احترام العاملين في إداراتهم الذين يتعرّضون لاستغلال قلَّ نظيرُه في التعامل، لكونهم مختلفين في الإتنية عن مواطني الإقليم من الأكراد الذين يحقّ لهم حصرًا وليس لسواهم تبوّأ مراكز وظيفية متقدمة ومواقع تعليمية. فما يقع من تمييز على مواطنين من غير الكورد، من الذين لجأوا للإقليم قبل أحداث 2003 وما بعدها بصورة خاصة، يقزّز النفس ويندى لها الجبين. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يحصل في مؤسسات إدارية وتربوية وتعليمية من استقطاعات مرتبات وفرض ساعات إضافية لتدريسيين من دون مخصصات وتسريح البعض من دون أسباب وحرمان أمهات من إجازات أمومة وطفولة من دون مرتب واستهتار طلبة بأساتذة محترمين، والقائمة طويلة.

في المكوّنات المهمّشة

 - لغرض نيل حقوقهم، كمواطنين أصلاء في الوطن، مختلفين في الدين و/أو العرق، ومشاركين في بنائه وترميم مؤسساته المتهالكة، عليهم بلمّ شمل الكلمة ووحدة الخطاب السياسيّ والتوجّه بقوّة طاقاتهم الدينية والقومية وبقدراتهم العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الوقوف بوجه موجات الصدّ وأدوات الرفض وإرادات التهميش والاستخفاف والتغافل المتواصلة التي طبعت عليها الحكومات المتعاقبة منذ السقوط في 2003. فالفرقة والتمزّق من مخرجات الخوف واليأس والعجز، فيما أتباع هذه المكوّنات لهم عمقٌ في التاريخ ولديهم تجذّرٌ في الأرض ولهم لغاتهم وتراثُهم وعاداتُهم الجميلة الباقية، ما يعزّز من هويتها الخاصة بها.

- بهدف تشكيل لوبيّ وطني مستقلّ في الداخل والخارج، عليهم الكفّ عن التبعية لأحزاب وزعامات سياسية تفرض أجنداتها القومية والحزبية من خلال شراء الذمم والرشاوى التي يجري تمريرُها من خلف الكواليس طمعًا بكسب مواقف لصالح هذه الكتل والأحزاب ومن أجل تعزيز مكاسبها على حساب مصير ومستقبل هذه المجتمعات المسالمة أصلاً.

 - بهدف إعلاء صوتهم وإسماعه لأصحاب القرار وللمجتمع الدولي، عليهم بحراك سياسيّ ومجتمعي وإعلاميّ وثقافيّ مكثّف، بدلاً من الاسترخاء واليأس وقطع الرجاء. فنضال الشعوب المنكوبة لا يُستحصلُ بالركون على الأرائك ولعب الدومينو والطاولة في "القهاوي" ومراكز التسلية. فللإعلام الوطني الصادق وللمثقّف والوطني الناشط، دورُه البارز في صحوة النائمين وفي نقل الحقيقة وتنوير الجهلة بما يجري من خلف الكواليس وما يُحاك في الأروقة في فنادق خمس نجوم وفي دواخل فلل الرشاوى والاستراحات الخاصة.

 - لغرض فرض وجودهم، وهوياتهم الوطنية المتميزة بتراثهم ولغاتهم وتقاليدهم، عليهم المثابرة على تواصل حضاراتهم وإبراز انفتاحهم الدائم على الغير وبسط قدراتهم حيثما يتواجدون، من دون خنوع ولا خوف ولا مجاملة ولا تنازل عن الحقّ. فإنّ أيَّ خضوعٍ غير مبرّر،قد يعدُّه المقابل المقتدر ضعفًا قابلَ الابتزاز وليسَ تحضّرًا ومدنية وعصرنة في بلدان منغلقة على ذاتها، دينيًا وقوميًا ومذهبيًا وطائفيًا! ... وبعد، هل يمكن أن يصلح حالُ العراق بعد هذا الاستعراض بالمآسي والمشاكل والمتناقضات والتعقيدات والتخوينات وانعدام الثقة والمصداقية وحسن النية بين الإخوة المتصارعين والغرماء العنيدين، حلفاء الأمس وأعداء اليوم، ليفتحوا صفحة جديدة من الانفتاح والاحترام والبناء والإعمار والمصالحة الوطنية تحت رباط وطن واحد وخيمة وارفة الظلال تحتضن جميع المكّونات والجماعات والفعّاليات من دون تمييز ولا تهميش ولا إقصاء؟

 مازال الأملُ معقودًا على عودة الوطن إلى سابق عهدِه، واحدًا موحّدًا بأهله وأرضه، عصيّا قويًا على الأعداء، رافضًا محاسِبًا كلَّ فاسدٍ ومتجبّر بغير حق، ومحتضنًا أبناءَه وكفاءاتِهم من دون تمييز ولا ظلم ولا تعسّف. فالغيمة السوداء التي ما تزال تضرب أرض الوطن، لا بدّ أن تزول ومعها سيختفي كلُّ الفاسدين والسارقين وحيتانُهم،ومعهم لصوصُ الليل والنهار، ومتهتّكو الأعراض، ومثيرو الشغب والطائفيون وأصحاب الأجندات الشخصية والفئوية المشبوهة.

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة