اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

أقليات العراق: عزمٌ على قدر المشكلة

لويس اقليمس

الجزء الثاني

 

   29 تشرين الثاني 2015

 

   روسيا والعزم المسؤول

 لقد جاءت الاستجابة الروسية المتأخرة بزجّ قدراتها العسكرية والتسليحية لصدّ التنظيمات المتطرفة وإنهاء شرّها التدميريّ، في محلّها. وهذه في جزءٍ منها، جاءت دعمًا لحقوق الأقليات الدينية المهمّشة والمظلومة والمقهورة، بعد فقدان الثقة بالراعي الأمريكي الزائف وتابعه الغرب الساذج. فقد شعرت الدول المنضوية تحت قبة التحالف الدولي بقيادة أميركا، بحراجة الموقف بُعيد كشف ادّعاءاتهم وما يضمرونه في قرارات ملفاتهم المشبوهة التي أرادوا بها تغيير تشكيلة خارطة منطقة الشرق الأوسط بحسب أهوائهم وأطماعهم ومصالحهم القومية التي تتلاقى في أولوياتها مع أهداف ربيبتهم الصهيونية العالمية وتتماشى مع التيارات الإلحادية واللاّأدرية السائدة في أوساطهم منذ حين.

 لقد أشعرت روسيا بعودتها القوية إلى الواجهة الدولية كقوّة عظمى، أنّ العالم لا يمكن أن تنفرد بحكمه قوّة واحدة وقطب واحد. ولابدّ من توازن للقوى يعيدُ لوجه الأرض نصاعتَه ويخلق تساميًا فوق المصالح الفئوية والقومية الضيقة، أملاً بعالم أكثر استقرارًا وأمنًا ورفاهةً وسلمًا وتعايشًا. أمّا ما يحصل اليوم من استغلالٍ للبشر ونهب ثروات شعوبٍ بالطريقة التي تُدار بها دفّة العالم، وبالذات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو يتناقض مع جميع الأعراف والمواثيق والأحكام التي تبنتها القوى الكبرى ولا تطبقها هي أولاً، على أرض الواقع. فما يهمّ زعماء العالم وحكوماتهم، كيفية إيجاد حلول لمشاكل بلدانهم الاقتصادية ولمصالحهم الفئوية والشخصية سعيًا وراء تكوين امبراطوريات اقتصادية هائلة، حتى لو حصل ذلك على حساب البشر وفوق جماجم الأبرياء. وإلاّ ما تفسيرُ الترسانات الحربية والتفنّن باختراع أسلحة فتاكة بين يومٍ وآخر وزجّها في حقول تجارب المنطقة التي تشبعت من آثارها التدميرية الهائلة ومن رائحة البارود الممزوج بالنوويات والكيمياويات وشتى أنواع الجراثيم التي تطلع علينا حين تشخيص الأمراض.

 الكنيسة العراقية والطائفة الإيزيدية في قلب الحدث

 أمام هذه المحن وتكالب الأعداء والأحقاد، جاءت تحرّكات المرجعيات الروحية للديانات غير المسلمة من الأقليات. فجالت شمالاً وجنوبًا، شرقًا وغربًا، داخلاً وخارجًا، إيمانًا منها بخطورة الموقف الذي لا يتحملُ المزيد من الصبر والجَلَد والانتظارغيرالمجدي، من أجل إنقاذ ما تبقى من بقاياهم المتناقصة يومًا بعد آخر.لقد كانت وقفة الرئاسة الكنسية الاحتجاجية الأخيرة بالعراق، يوم الثلاثاء 10 تشرين ثاني الجاري 2015، في كنيسة مار كوركيس ببغداد، خيرَ ردّ على صفحة ظالمة ومظلمة أخرى جاءت من داخل قبة البرلمان، خذخ المرة، وهي الجهة التشريعية التي كان ينبغي لها أن تتبع معايير وطنية موحدة متوازنة في وضع القوانين التي تخدم عموم الشعب، وليس الانحياز لفئة أو فئات طائفية تلبس رداء الدّين وتريد فرض شرعِه على الغير المختلف، حتى لو تذرّعت بالأكثرية. لقد أسمعتْ كنيسةُ العراق، وبما تبقى من أتباعها الأصلاء، كلمتَها وهدّدت على الملأ بلجوئها إلى كلّ السبل والوسائل وبطرقها الأبواب الرسمية للدولة والحكومة والساسة والأحزاب من أجل احترام حرية الفرد والمجتمع وجعل الدّين مسألة شخصية بين الإنسان وخالقه، من دون إكراه. وهذا عينُه، ما ورد مرارًا في قرآن المسلمين "لا إكراه في الدّين". ومن المفرح مشاركة نواب من كتل وأديان أخرى وممثلين من منظمات مجتمع مدني وحقوق الإنسان في تلك التظاهرة الصارخة التي قالت" لا، كفى للظلم والتهميش، وكفى انتهاكًا لحرية الفرد والمجتمع في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والأعراق".

 كما هدّدت الرئاسة الكنسية في العراق، بمقاضاة البرلمان في المحكمة الاتحادية والمحكمة الجنائية الدولية، باعتبار ما حصل ويحصل، انتهاكٌ صارخٌ لحقوق مكوّنات أصيلة. وهو يدخل أيضًا ضمن لائحة التمييز العنصري، ولا يقلّ خطورة عن جرائم الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق أتباع هذه المكوّنات التي اقتلعت من مناطق سكناها وتواجدها الأصلية، وهي تُحارَبُ اليوم بقوانين جائرة تزيد من معاناتها وتحدّ من مواطنيتها. وبعد كل هذه التحركات المكثفة، حصدت الأقليات مبتغاها عندما استجابت الرئاسات الثلاث ومجلس القضاء الأعلى بالعودة عن قرارها ووضع الأمور في نصابها بتحقيق الحق وإعادة التصويت على المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية الموحدة. فارتاحت النفوس وشعر أتباعُهم بكونهم جزءًا من نسيج الوطن وبمواطنيتهم، أملاً باستمرار مشوار التأكيد على مبدأ الولاء للوطن ورفع الغبن والظلم الذس طال هذه المكونات قليلة العدد في مسائل وحقوق أخرى بسبب نظام المحاصصة الطائفية الذي قضى على مبدأ المساواة في جقوق المواطنة، ومازال العراقيون يعانون من نتائجها السلبية.

 وفي ذات السياق، كانت الطائفة الإيزيدية هي الأخرى قد سبقت بأيام، أن استنجدت بروسيا، كنيسةً وحكومةً، من أجل مدّ يد العون لها ولأتباعها والتخفيف من وطأة المأساة التي وقعوا فيها بفعل تقاعس الجانب الأمريكي والغرب الماكر واصطفافهم إلى جانب الشرّ تنفيذًا لمخططات جهنمية تريد النيل من أقليات دينية وعرقية أصيلة، وسعيًا وراء تغييرات ديمغرافية وجغرافية تخدم مصالحهم ولا تعبأ بالمآسي التي يتعرّض لها أبناء الأقليات الدينية الآيلة إلى الانقراض بفضل السياسات الجائرة للأسياد. وجاء الردّ الروسيّ بالإيجاب، تأكيدًا لزجّ حكومتهم لطاقاتها العسكرية والاستخبارية واللوجستية في حربٍ لا هوادة فيها مع الإرهاب وصانعيه وأدواته، وفضح كلّ مَن يقف وراء تمويله وإطالة وجودِه. فحصد العالم مؤخرًا، الشيء الكثير من هذا التدخل الصادق من الجانب الروسي، بفضل معرفة الأخير بطبيعة الأحداث والحيثيات والجهات المتورطة بالصراع والمصالح الدولية. لقد شكّل التدخل الروسيّ القويّ صفعةً موجعة للقطب الأمريكي وتحالفه فغيّر المشهد السياسي الدولي وقلب الطاولة، عندما كشفَ زيفَ ادّعاء الأخير وتواطأه، بل ودعمَه للعصابات الإرهابية، بالتسليح والحماية والتغطية وتسريب المعلومات الاستخبارية. وتأكّد هذا الموقف الشجاع والصريح، في لقاء قمّة العشرين التي استضافها منتجع أنطاليا في تركيا مؤخرًا. ونتيجة لحراجة الموقف الذي وضع التحالف الدولي في مأزق لا يُحسدُ عليه، وبجهود الطيبين وأصحاب النوايا الحسنة من رؤساء دول وحكومات ومنظمات ومنهم بابا الفاتيكيان، شرع التحاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بتغيير استراتيجيته الحربية وزجّ آلته الجوية والاستطلاعية في تقديم المعلومات وقصف الأهداف، خوفًا من تشعبه واتساع رقعته وانتشار سرطانه وبلوغه أراضيَهم ومواطنيهم. وكان من نتائج هذ التغيير مؤخرًا، تحرير منطقة سنجار المنكوبة. فالقوّة التي قهرت دولة العراق، بخامس جيشٍ، يوم تحرير الكويت في أيامٍ قلائل عامَ 1991، ليس من المعقول أن تعصى عليها عصابات إرهابية متفككة جلُّ همّها ترويع الناس واستغلال الأعراض بحجة الدين والكسب غير المشروع والترويج لدين الإرهاب الذي ينكرُه معشر المسلمين من عباد الله الحقيقيين. ونحن ننتظر اليوم الذي فيه تتحرّر مناطق سهل نينوى وغيرُها بالكامل، ليعود الأصلاء والأبرياء إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتعويضهم عمّا تعرّضوا له من آلام وصعوبات ومشاكل، فينعموا بالسلام والأمان والطمأنينة، مواطنين متساوين أمام الدستور والقوانين، ومن دون تعالي دينٍ أو طائفة على سواها.

 وسيكون يومًا حافلاً ومفرحًا، بل عيدًا وطنيًا، يوم تتحقق شعارات المتظاهرين الصادقة بخلاص البلاد من الفساد والمحاصصة الطائفية، وبمحاكمة الفاسدين والمفسدين كي يأخذوا جزاءَهم العادل، فيعود العراق والمنطقة لبرّ الأمان وتنتعش الحياة والحضارة من جديد في أجواء من الحرية والعدالة والتآخي.

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة