ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

كتابات عامة

                                                                                                                                                    

 

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

 

الأب بطرس حداد

الحاضــر.. الغائـــب

 

د. وسن حسين محيميد

                                                                                                                                                           

 10 كانون الأول 2010

        

         بالأمس القريب وتحديداَ في 21/12/2009 صدرت لي مقالة في جريدة المشرق بعنوان"مفكرون مسيحيون القس بطرس حدّاد أنموذجاً" .وقد وضعتُ سطور تلك المقالة وأنا أجلس في حضرة الأب بطرس حدّاد، وكانت رداَ على تساؤلاتِ عدة طرحتها عليه، واليوم وأنا أنعي رحيل أستاذي الحبيب أُعيد كتابة المقالة مضيفة إليها اليسير من المعلومات ضمن الكثير الذي تختزنه ذاكرتي عنه عبر رحلتي معه التي امتدت لعشر سنوات .

    بدأت حِواري معه عن نشأته فاجأب: انه ناظم (أسمه قبل الدخول في السلك الديني) ميخائيل يوسف مقدسي رفو حدّاد من مواليد الموصل بتاريخ 25/11/1937، من أسرةٍ كلدانية تضم ثلاثة أبناء وابنة واحدة غانم الأخ الأكبر وأخته غانمة وأخيه يوسف وناظم الابن الأصغر وأباه ميخائيل يوسف الذي توفي وهو لايزال صغير السن وأمه نجيبة حنا قطلو واللذان منهما تعلم مخافة الرب ومحبة كل الناس والتمسك بالجذور، وقد عُرفت أسرتهُ بالتزامها الديني ، كان جده يوسف شماساً،وهو من أشد الذين تأثر بهم الأب بطرس الذي أعتاد منذ صغره التردد على الكنيسة أكان مع أخوته أو مع زملائه طلاب المدرسة التي كانت تجمع أبناء المسيحيين من الكلدان ،تلك المدرسة التي تأسست في النصف الأول من القرن التاسع عشر ،بجوار كنيسة شمعون الصفا ولهذا عُرفت المدرسة بأسم مدرسة شمعون الصفا، إذ كان معظم أبناء الطائفة الكلدانية يترددون عليها.  

    بعد أن أنهى الأب بطرس حدّاد دراسته الابتدائية عزم على الدخول في السلك الكهنوتي،إلا أن عائلته منعتهُ من ذلك وحُجتهم أنه لايزال صغير السن،فأنتقل إلى مدرسة متوسطة حكومية أكمل فيها الصف الأول المتوسط إلا أن حماسه واندفاعه الشديدين نحو الإقبال على الحياة الدينية دفعاه إلى دخول المعهد الكهنوتي في خريف سنة 1951،وهناك أكمل دراسته المتوسطة. وفي صيف 1954 أُختير من قبل الإدارة الكنسية لإكمال دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الجامعة الاوربانية (بروبغندة) في ايطاليا. وفيها نال شهادة البكالوريوس سنة 1957 وبعدها أكمل دراسته العليا فنال شهادة الماجستير في الفلسفة سنة 1961 وفي نهاية هذه السنة تخرج قسيساً،ثم نال شهادة الدكتوراه في اللاهوت سنة 1964 وهي السنة التي عاد فيها الأب بطرس حدّاد إلى وطنه العراق ليبدأ خدمته في وسط أبناء دينه وكان أول تعيين له في كنيسة أم المعونة في منطقة الدواسة بالموصل مكث فيها إلى سنة 1966 إذ طلبه من بغداد البطريرك الراحل بولس الثاني شيخو ليقوم بتدريس التاريخ الكنسي في المعهد الكهنوتي الكلداني بالدورة،وبعد مرور سنتين نقلت خدماته إلى كنيسة مار يوسف في الكرادة داخل،وبعد عشر سنوات نُقلت خدماته إلى كنيسة مار فثيون في البلديات، وفي سنة 1989 اختاره البطريرك الراحل روفائيل الأول بيداويد الذي انتخب في السنة ذاتها بطريركاً للكنيسة الكلدانية،ليكون رئيساً للديوان ألبطريركي وجعله مشرفاً على أرشيف ألبطريركي والمخطوطات في الدار البطريركية، وكان ثمرة عمله فيه مخطوطهُ الضخم فهرس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة بطريركية الكلدان في بغداد.وفي عهد خلفه البطريرك عمانوئيل الثالث دلي أستمر الأب بطرس في منصبه إلا أن سوء حالته الصحية دفعته في سنة 2006 إلى طلب إعفائه من المنصب الذي ظل شاغراً من بعدهِ،وقد نُقل الأب بطرس في سنة 2001الى كنيسة مريم العذراء في كرادة خارج ومكث فيها إلى إن وافاه الأجل في 26/11/2010،كان الأب العزيز بطرس حدّاد أحد أعضاء هيئة تحرير مجلتي بين النهرين ونجم المشرق.

    وقد أتقن الأب بطرس  لغاتٍ عدة فمن عائلته تعلم العربية وفي المعهد الكهنوتي تعلم الانكليزية والفرنسية والايطالية واللاتينية وغيرها من اللغات. ومنها ترجم مؤلفاتٍ عدة تحكي صفحاتٍ من تاريخ العراق الذي أعطاهُ جُلَ اهتمامه يدفعه في ذلك حبهُ وحرصه على حفظ تراث بلده ومساعدة الباحثين وطلبة الدراسات بما يصبون إليه من حقائق ومعلومات، نشر الأب بطرس الكثير من المقالات الرصينة والقيمة على صفحات أكثر من (15) مجلة ونشرة محلية وعالمية وبعدة لغات.وله مايقارب(50)مؤلفاً بين تأليف وإعداد وترجمة وتحقيق.

 

ونشير هنا إلى ابرز نتاجاته المؤلفة والمترجمة والمحققة ومنها:

1-     التاريخ الصغير (القرن 7م)، ترجمــه الأب بطرس من اللغة السريانية إلى اللغة العربية، مطبعة الشعب، بغداد-1976.

2-     المخطوطات العربية النصرانية في مكتبة المتحف العراقي ببغداد،بغداد-1987.

3-     كنائس بغداد ودياراتها،شركة الديوان للطباعة،بغداد-1994.

4-     مختصر الأخبار البيعية، حققه الأب بطرس حدّاد،شركة الديوان للطباعة،بغداد-2000.

5-     عبر من كتب التراث في الحوار المسيحي- الإسلامي ، بغداد-2003.

6-     وثائق تاريخية كلدانية ،حققها ونشرها الأب بطرس حدّاد، بغداد-2010.

    أما أبرز ماترجمه الأب بطرس حدّاد إلى القارئ العراقي عن تاريخه وتراثه ومجمل حياة أجداده في مختلف الفترات الزمنية التي مرت بهذا البلد من خلال كتب الرحالة الذين جابوا شتى أصقاع العراق ،منها ترجمته من الفرنسية مقتطفات من رحلة تيفنو إلى العراق المنشورة في مجلة بين النهرين(1974)،وعن الايطالية ترجم رحلة الأب فنشنسو إلى العراق ونشرها بقسمين الأول نشر بمجلة مجمع اللغة السريانية (1975) والقسم الثاني نشر في مجلة المورد(1976) وقد طبعت الرحلة بكتاب مستقل في الموصل سنة 2009،وله عن الانكليزية رحلة تيلر إلى العراق المنشورة بمجلة المورد(1982) العدد11،ورحلة لجان إلى العراق،الفرنسية التي نشرها في مجلة المورد(1983)العدد3،وطبعت بكتاب مستقل في بغداد سنة 2009،كما ترجم تقرير المطران باييه عن العراق وهو باللغة اللاتينية ونشره في مجلة بين النهرين(1983)وعن اللاتينية أيضاً ترجم الرحلة الشرقية للأب فيليب الكرملي ونشرها في مجلة المورد(1989)العدد4،وعن الايطالية ترجم أيضاً رحلة ديللافاليه إلى العراق طبعت ببغداد سنة2001،وكذلك رحلات سبستياني إلى العراق القرن السابع عشر طبعت ببغداد سنة 2004وفي هذه السنة صدرت له رحلة أخرى عن الفرنسية هي رحلة من بغداد إلى حلب للوي جاك روسو،وفي سنة 2005صدرت له ببغداد رحلتان الأولى عن الايطالية وهي رحلة بالبي إلى العراق والثانية عن الفرنسية وهي رحلة أوجين فلاندان رحلة في ما بين النهرين ،وفي الأيام الأخيرة من حياة هذا السفر العظيم وهو يرقد في مستشفى الراهبات صدرت له عن الفرنسية رحلة من اسطنبول إلى البصرة1781 للرحالة الايطالي سيستيني المطبوعة في بيروت سنة 2010،وله رحلتان قيد الطبع أحداهما تُطبع في طهران والأخرى في لندن.

    رحل الأب بطرس حدّاد عن هذه الحياة في يوم الجمعة 26/11/2010 في قرابة الساعة الخامسة والنصف عصراً وله من العمر 73سنة وشهر وستة أيام،وبرحيل هذا العالم الجليل آفل نجمُ كان يضيءُ سماء العراق، لم يكن الأب بطرس حدّاد حدثاً عابراً في حياتي بل كان سنداً وملاذاً وجدت معه الحنان والمحبة والدعم فأزداد شغفي بالعلم والكتب من خلال تشجيعه ومؤازرته لي ففي كل مرةٍ كنت أجلس معه أزدادُ معرفةَ وحكمةَ بما يغمرني به من فيض علمه وعطاءه الذي لاينفذ.

    بالأمس كان المتصوف إبراهيم بن أدهم(ت172هـ/788م) يقول:"تعلمت المعرفة من راهبٍ يُقال له سمعان".وأنا اليوم أقول :تعلمت أن أساس الدين هو المحبة محبةُ كل الناس لأننا جميعاً نتوجه إلى خالقنا وإلهنا الواحد-الله ربَّ الكُل- الذي استخلفنا على هذه الأرض لنكون سفراء محبة وسلام ودعاة إلى الخير والفضيلة، تعلمتُ كل هذا وأكثر من قسٍ يُقال له الأب الدكتور بطرس حدّاد (طيب الله ثراه) وجزاهُ عني وعن كل من مد لهم يد العون خير الجزاء.   

 

 

 

 

 

 

أعلى الصفحة

  العودة للصفحة السابقة