اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

  اكتشاف الكتابة الأبجدية 

  بين اللغات السامية ((العبرية والآرامية والعربية)) 

أفرام حنا نورالدين

                                                                                                                                             العودة للصفحة السابقة  

 3 آيــار 2009

 

     ان الوشائج القومية والصلات المتينة التي تربط بين هذه اللغات الثلاثة (العبرية، الآرامية والعربية) في حروفها وحركاتها واشتقاقاتها لمفرداتها وتركيب جملها، تظهر جلية لكل من ألَمَّ بأكثر من لغة من هذه اللغات، ومن هنا دُعيت بحق اللغات السامية الشقيقة.

    يُجمِع العلماء الباحثون والمستشرقون على ان اللغالت السامية الباقية حالياً والمنقرضة تنحدر جميعها من أصل لغة واحدة سامية نسبة الى (سام) إلا انهم يفتقرون الى الدليل القاطع على تحديد منشئها، وعهد تفرعها... وهناك آراء ونظريات عديدة ومتضاربة، فالبعض يقول (جنوب وادي الرافدين) وقسم آخر (المستشرقون) يقولون القسم الشمالي من الجزيرة العربية... وآخرين يقولون ان موطن السامية (منطقة الشرق الاوسط) حيث ترعرت هذه اللغة منذ أجيال وقرون ما قبل التأريخ... مثل السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكنعانيين والآراميين والعبريين والآموريين والعرب وغيرهم.... وكل هذه الشعوب كانت منتشرة في المنطقة التي إستوطنها (نوح وأولاده الثلاثة/ سام وحام ويافت)، وكانت لغتهم واحدة، وسكنوا في منطقة (شنعار) وبنوا لهم مدينة كبيرة وبرجاً عالياً رأسه الى السماء (برج بابل)... فنظر الرب وقال: هذا شعب عظيم ولغة واحدة، سوف ابلبل لغتهم حتى لا يفهموا بعضهم لغة البعض... فشتتهم الرب من هناك على وجه الارض كلها، كما جاء ذكر ذلك في الكتاب المقدس (تكوين الاصحاح 10-11)... وقد استوطن أولاد وأحفاد (سام) منطقة الشرق الأوسط... ونطق كل من هذه الشعوب لغة تختلف عن لغة جيرانهم، رغم وجود الشبه الكبير بين لغاتهم. وهذا ما يجعلنا ندرك كم هو موغلٌ في أعملق عصور ما قبل التأريخ، ذلك العهد الذي كانت تجمع فيه كل هذه الأقوام والشعوب لغة واحدة.

 

  إبتكار الكتابة وأطوارها:

    بدأت محاولات الانسان منذ أقدم العصور في التعبير عن قسم من اعماله، وما يجول في ذهنه وعقله، بأسلوب يبقى للمستقبل القريب والبعيد ليستفيد من هذه الافكار والمعلومات عند الحاجة. ولقد عثر الباحثون الأثريون في اماكن عديدة من المعمورة عامة، وفي موطن (الساميين) خاصة، فحصلوا على رسوم ونقوش ولوحات وأواني وجرار خزفية وفخارية وتماثيل حجرية، وحلي ذهبية واخرى فضية ونحاسية... ا ن هذه الرسومات والاشارات المنحوتة على جدارن الكهوف المختلفة تدل على ان الانسان بدأ يعبر من قديم الومان عما يجول في خلده.

    منذ حوالي (2500) سنة وفي حوالي الالف الخامس (ق.م) تطور هذا الاسلوب، خاصة في جنوب وادي الرافدين... وفي مصر القديمة، حتى أخذ اشكال صور ورموز تدل كل منها على كلمة... ويشير مجموعها ليس فقط الى عمل متصل، بل الى سلسلة من الحوادث المتتابعة. وسميت هذه الكتابة بـ (اليكتوغرافية) أو (الصورية)، وخاصة في منطقة (أوروك) جنوب العراق.

    وفي الألف الثالث والرابع قبل الميلاد، أخذ شعب جنوب ما بين النهرين في تطوير الكتابة التي أخذت الاشارات والرسوم فيها الى الشكل (المثلث الاسفيني) الذي سُميَّ بالخط ((المسماري)) والتي تدل كل اشارة فيه، على مقطع... ثم ظهر بعد ذلك اسلوب الكتابة المقطعية في نواحٍ عديدة من العالم... فظهر بمصر في مستهل الألف الثالث قبل الميلاد... وفي جزيرة (كريت) نجو سنة (2800 ق.م)، ووفي الهند في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وفي الصين في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد...

    واستمرت الكتابة (المقطعية) في الشرق الاوسط بالخط المسماري حتى قرب عهد السيد المسيح على ألواح طينية، يتم حرقها حتى تصبح الواح فخارية، تحفظ في أماكن خاصة لها، لمراجعتها عند الحاجة...

    وطيلة تلك الفترة، دونت البشرية بالكتابة المقطعية (الخط المسماري) تأريخها وآدابها وعلومها وعباداتها وشرائعها وقوانينها وغيرها من أغراض الحياة اليومية... وقد اكتشفت حتى الآن الآلاف بل عشرات الآلاف من النقوش والرسوم والألواح الطينية، كلوحة (إله الشمس بالخط المسماري)، كتبت في عهد الملك البابلي (نايو) عام (870 ق.م)... وكمسلة الملك العظيم (حمورابي) من سلالة بابل الاولى (1793-1750 ق.م) والذي دون فيها أهم التشريعات والقوانين المعروفة في ذلك التأريخ (المسلة موجودة حالياً في متحف اللوفر – باريس).

    ولما كان الخط المقطعي صعباً ومعقداً لحتوائه على نيف وخمسمائة رمزاً ومقطع، إضافة الى الحركات التي تعطي الرمز 0معانٍ) عدة... توصل الانسان الى اسلوب كتابي أكثر بساطة وأقل تعقيداً... فظهرت في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد كتابة تدل فيها الصور والرموز ليس على مقطع، بل على مخارج صوتية تتألف منها المقاطع، وكانت هذه بداية عهد جديد مشرق في علم الكتابة وهو ((القلم الأبجدي)) اسلوب الكتابة الكامل نتيجة تطور كبير وطويل على مر الأجيال... ويوجز الاستاذ الكبير (طه باقر) أدوار الكتابة بما يلي:

1-      دور الاشارات والرموز: الإشارة تدل على عمل.

2-      الدور الصوري والدور الرمزي: الإشارة تدل على كلمة.

3-      الدور الانتقالي (الخط المسماري): الإشارة تدل على مقطع.

4-      دور الحروف الهجائية الصوتي المجرد: الإشارة تدل على الحرف.

 

  الكتابة الأبجدية:

    ان من أعظم المآثر الانسانية في العصور القديمة هو إبتكار الحروف الأبجدية، ذلك الاناء العجيب والفريد الذي إستوعب طائعاً تأريخ البشرية في جميع مجاهله، ومناحيه... هناك تساؤلات كثيرة قد تتبادر الى ذهن الانسان..؟؟ ترى تم هذا الانجاز الفذ..؟؟ ومن قام به..!!؟؟ وأين..؟؟  إنها اسئلة بذل العلماء والباحثون جهوداً جبارة طوال قرون عديدة للإجابة عنها... الا ان الحقيقة بقيت غامضة حتى اليوم... وما زال العلماء تبعاً للاكتشافات الجديدة ينقضون نظرية ويبنون اخرى... وهذا كما يلي:

1-      النظرية المصرية:

        وهي القائلة بأقتباس الابجدية من أحد الخطوط المصرية خط الدولة/ الخط العام/ الخط المقدس (الهيروغليفية) وهذه النظرية قديمة منذ عهد الاغريق والرومان مثل (افلاطون) و (ديودوروس) و (بلوتارك).

2-      نطرية بلاد ما بين النهرين:

         يرى بعض العلماء أمثال (ديلتنر) و (المطران اقليميس داود) ان الكتابة الهجائية تطورت من الخط المسماري في وادي الرافدين بصورة عامة، ويعتبرها البعض مثل (أيدل وهومل) وليدة متطورة من الكتابة المسمارية من مبتكرات البابليين، والبعض الآخر مثل (بول ويايزر) يعتبروها من مستنبطات الآشوريين.

3-      النظرية التوفيقية:

        هناك تيار آخر من المستشرقين امثال (تنريمرن)، حاولوا ان يوفقوا بين الكتابتين (الكتابة المصرية وكتابة بلاد ما بين النهرين).

4-      نظرية طورسينا: 

        وتتلخص كالآني... منذ عام (1905م) المستشرق (فيلندروس بيتري) في منطقة (سرابيت الخادم) جنوب شبه جزيرة سيناء عثروا على بعض نقوش كتابية أحدثت ضجة في أوساط العلماء، واعتبرها العديد منهم أصل الحروف الهجائية... ولدى دراستها ظهر ان قسماً من علاماتها تشبه شكل الكتابة المصرية والقسم الآخر الحروف السامية الشمالية، وفي غيرها ملامح من كلا الطرفين. واخيراً نجحوا بأعتماد العلامات السامية الشمالية في قراءة جزء صغير منها، وفي أول الأمر قدر البعض منهم امثال (كردنر) ان تلك الكتابات ترقى في مستهل الألف الثاني قبل الميلاد، والبعض الآخر أمثال (بوير) أرجعها الى القرن السادس عشر قبل الميلاد. ثم ذهب بعض البحاثة العرب انها تعود الى القرن الثاني قبل الميلاد بكونها كتابة سامية والاصل الاول للأبجدية التي منها خرجت الابجدية السامية الشمالية، وأبجدية (اوغاريت) (رأس شمرا) والابجدية السامية الجنوبية... ومنذ اكتشافها قبل حوالي قرن من الزمن، إنكب العلماء على دراستها، ال انهم لم يتوصلوا الى قراءة اكيدة لها، سوى كلمة واحدة (بعلت)... وأخيرا قرر المستشرقين بـ (شكهم) ان تكون هذه الكتابة أبجدية... لانها كتابة غامضة.

5-      نظرية الاشكال الهندسية:

        يرى بعض العلماء ومنهم (كاستر) ان الكتابة الابجدية نشأت في أماكن عديدة وهي عبارة عن (صور هندسية) رسمت في عصور سحيقة قبل التأريخ، كفينيقيا واليونان وأسيا الصغرى وبلاد وادي الرافدين وجنوب البلاد العربية وقبرص وسيناء ومصر وغيرها... بصورة مستقلة دون ان يكون الواحد تأثير على الآخر.

6-      نظرية جزيرة كريت:

         نظر اليونانييون الاولون الى جزيرة (كريت) هي مصدر الثقافة القديمة التي اشتقت منها الى سائر جزر اليونان... وانتعشت هذه النظرية بعد ان تم عثور البعثات الانكليزية والايطالية والامريكية في الجزيرة على رسوم ونقوش وكتابات يرتقي عهدها الى نحو (2800 سنة ق.م)، كما وجدت مصنوعات فخارية كريتية في آثار مصر، مما يدل علو شأن الحضارة في هذه الجزيرة في تلك الحقبة الموغلة في القدم... كما عثروا على نقوش ذات كتابة (مقطعية) يرجع عهدها الى القرون الاولى من الالف الثالث قبل الميلاد. وقد اختلف الباحثون فيما اذا كانت كريتية الاصل او انها جاءت من مصر.

7-      نظرية أوغاريت (رأس شمرا):

          في عام 1929م وبينما كان علماء التنقيب الثلاثة (شيفر وشينين وفيروثو) يقومون بالتنقيب في قرية (رأس شمرا) شمال مدينة (اللاذقية) على سواحل سوريا، عثروا على عدة نقوش ذات أهمية باللغة، كتب اكثرها بالقلم المسماري... وتبين عند قراءتها ان كتابتها أبجدية وإن كانت مدونة بالعلم المسماري... وظهر ان التنقيب كشف عن مدينة (أوغاريت) التأريخية... وعثر أيضا على لوحة نقشت عليها قائمة كاملة بالحروف الابجدية مجموعها (32) حرفا، اكثرها يشبه الحروف الابجدية السامية الشمالية (22) حرفاً، شكلاً ولفظاً... وقد وزعت ثمانية من هذه الحروف الزائدة بين الحروف (22) حرفاً، ووضع الحرفان الآخران وهما (الهمزة) بالكسر والضم بعد (التاء)، والجدير بالذكر والملاحظة ماهو موجود في العربية من هذه الحروف الزائدة مثل (الخاء – الظاء – الغين)، وتكرر حرف (السين) وضم الى حرف يشبه لفظة (ou) الفرنسي... ويرى (ديرتكر) ان العلماء لم يتوصلوا الى قراءة سبعة من الحروف الزائدة بشكل اكيد، وقد كتبت نقوش (أوغاريت) من اليسار الى اليمين، وبهذا حدت حذو القلم المسماري النهريني، وليس القلم السامي الشمالي.

8-      نظرية الأبجدية السامية الجنوبية:

        عثر السيد (ليوناروولي) في أحد معابد (أور) في العراق على نقوش كتبت بالقلم السامي الجنوبي بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد، وأجمع المستشرقون على ان هذا القلم مقتبس في عهد مبكر جداً من القلم السامي الشمالي عن طريق شبه جزيرة سيناء... وأنتشر في جنوب الجزيرة العربية سيما اليمن، ثم عبر البحر الاحمر الى الحبشة... كما أنتشر في شمال الجزيرة العربية، وتولدت منه الخطوط (الصفوية) و (اللحياثية) و (الثمودية) وانقرض ها الخط... عدا القلم (الحبشي).

9-      نظرية جاز ولكيش وشخيم:

         تقع جازر (تل جازر) في هضبة فلسطين الساحلية، جنوب اللد...  وتقع لكيش (تل الدوير) اليوم بين غزة والخليل... وتقع شخيم (تل بلاطة) الحالية شرق مدينة نابلس... عثر المنقبون في هذه المواقع الثلاثة بين سنة (1932-1936م) على آثار كتابية يرقى تأريخها الى حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، والقسم الآخر منها الى الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد. واعتبرها المستشرق (اولبرايت) صل الأبجدية الاولى، وتبعه في ذلك تلميذاه (كروس وفريدمان)... الا ان (ديرنكر) وهو الحجة في هذا المضمار يقول ان معرفتنا الراهنة بالكتابة الكنعانية في (جازر ولكيش وشخيم) غير كافية لنبني عليها نظرية ثابتة... ويلاحظ انها أقرب الى الأبجدية السامية الشمالية بعد كتابات (بيبلوس)، ويضيف وقد تكون الكتابات (كنعانية) أصل الأبجدية او فرعاً ثانياً منها. وآخرين اعتبروا هذه الكتابات من الغموض حيث لا يمكن البت برأي ثابت أكيد.

10-  نظرية كتابات (بيبلوس) القديمة:

          اكتشف المنقبون في بيبلوس الواقعة على الساحل الشمالي من سوريا نقوشاً ذات أهمية كبيرة، يرقى عهدها الى الربع الاول من القرن الثاني قبل الميلاد. وظهر انها تضم نحو (115) علامة، مما يدل على انها (مقطعية)، ولكن مع المحاولة لتبسيطها والنزوع بها الى الكتابة الصوتية... اذ انها قد اختصرت من (500) علامة مسمارية الى (100) علامة، وبعد الفحص الدقيق والامعان في القراءة لاحدى اللوحات (لوحة د)، رآى المستشرق (دورم) انها تخلصت بقدر كبير من (المقطعية)، ثم عثر امام باب هيكل (بيبلوس) على كتابة نقشت على حجر صغير يرقى عهدها الى القرن السادس عشر قبل الميلاد، وفي عام (1929-1933م) اكتشف المستشرق الفرنسي (موريس دونو) في بيبلوس نقوشاً ذات شأن عظيم، كتابتها أبجدية اهمها نقوش (عبدو) و (شفطبعل) و (أسدرويال) و (جيرام) و (ابيمالك) و (ابيعل)، فأعتقد (دونو) ان قسماً منها يرجع الى القرون الاولى من الالف الثاني قبل الميلاد واعتبرها سليلة كتابات بيبلوس المقطعية والسبه المقطعية واصل الأبجدية السامية الشمالية... وأدلته على ذلك ان كلتا الكتابيتين استعملتا في منطقة واحدة، وكلتاهما تكتبان من اليمين الى الشمال، كما وان الحروف الأبجدية السامية الاولى عدا (الحيث والقوف) تشبه علامات كتابات (بيبلوس) القديمة، وان اقدمها وهي في نقشيّ (عبدو) و (شفطبعل)... ان (دونو) نسفه في كتاب له نشر بعد وفاته يعيد النظر في تواريخ الكتابات لا يرقيان الى ما قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد... وان النقوش الاخرى احدث عهداً.

 

 

  المصدر:

-          مجلة مجمع اللغة السريانية – المجلد الاول /1975 بغداد.

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة