ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

كتابات عامة

 

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

  من العائلة الفقيرة الى السدة البطرسية في الفاتيكان 

  البابا بيوس العاشر – جوزيف سرتو (1835-1914م) 

أفرام حنا نورالدين

                                                                                                                                             العودة للصفحة السابقة  

 21 نيسان 2009

 بيوس العاشر

 

 

    من هو هذا الفقير...؟، انه جوزيف سرتو، ولد من عائلة فقيرة في قرية صغيرة تدعى (رياز) في (2 تموز 1835)، كان ابوه خادما في مشيخة (رياز) يقوم بأعمال تنظيف دار المشيخة وتوزيع الرسائل وتنفيذ الأوامر التي يبعثها شيخ المشيخة. أما والدته التي أنجبت عشرة أولاد وبنات، مات منهم اثنان وبقي لها ذكران وست بنات، كانت تعمل جاهدة في الخياطة حسب طلب اهل القرية لتوفير لقمة العيش... وكانت العائلة تملك قطعة ارض صغيرة في حقل مجاور للقرية وحديقة صغيرة حول المنزل وبقرة.

    كان جوزيف هو الولد الثاني بعد البكر، امتاز بوعيه المرهف ورغبته في تحصيل العلم والمعرفة وكانت والدته تعلم بعد مناولته الاولى بميله وشوقه ان يصبح كاهنا!!! فقرت عيناها وشكرت الرب على هذه النعمة... وهي ترى فلذة من فلذات كبدها يتخرج من المدرسة الاكليركية... ليعلو درجات المذبح المقدس في يوم من الايام.

    كان جوزيف مرهف الشعور محبا لعائلته جدا وبتألم عندما يرى ما يتحمل والديه من مشقات وصعوبات لدفع مصاريف المدرسة... فكان في ذهابه يحمل حذائه في كيس صغير ويمشي حافي القديمين الى باب المدرسة... ثم العودة الى البيت حفاي القديمين بغية توفير مبلغ الحذاء عن والدته... وعندما علمت والدته بذلك دمعت عيناها وقالت له: (ان الله سيدبر لنا ما تحتاجه يا بني).. وبحكمة الله الواسعة والغير مدروكة لبني البشر... كتب خوري رعية القرية الى بطريرك (البندقية)، يطلعه على رغبة (جوزيف سرتو) في الدراسة، وعن عجز والديه عن تسديد ما يترتب عليهما من نفقات... فورد جواب غبطته، انه سوف يدفع نفقات (جوزيف) في مدرسة (باووي الأكليريكية)... فما لبث جوزيف ان إتشح بالثوب الاكليريكي في حفلة خاشعة، ثم سافر الى مدينة (باووي) وكان عمره (15 سنة).... ولم يمض سنة ونصف على دراستهن حتى توفي والده.. فأصبح جوزيف معيلاً لوالدته ولاخواته... وأراد العودة الى البيت ولكن امه الحنونة عليه ورغبتها في إتمام مشيئة الله في مصير ولدها، فدبرت أمرها في البيت وأخبرته بأنها راحت تضاعف ساعات عملها لتوفير المال لسد حاجيات الأسرة.

    إرتسم جوزيف سترو (شماساً) في مدينة (ترافيز) في 19 آيلول 1857 ثم شماساً انجيلياً في 27 شباط 1858م.. وإرتقى الى درجة الكهنوت في (8 أيلول 1858) في كاتدرائية كستلفرنكو) وبعد أيام قليلة عُين معاوناً لخوري (توميولو)، فذهب الى والدته يخبرها بالأمر ويودعها قائلاً (لا يحلو لي أن اكون في تومبولو... ولكن واجبي أن اطيع آوامر الكنيسة... فذهب على جناح السرعة.

    كان شعب (توميولو) شعبٌ قروي مغامر يحب المال، والأكثرية منهم يتاجرون بالخيول.. بخلاء وغير متدينيين... ولكنهم يحبون (تماثيل) العذراء مريم ويقدسونها. وعندما حَلَّ الخوري جوزيف سترو بينهم، أخذ شعاراً لهُ أن يكون (رَجُل الله) وخادماً مخلصاً لجميع الناس وأبناء الرعية... فوضع نظاماً لحياته، وراح يستيقظ باكراً ويدرس وينهي عظاتهُ ويعرضها على رئيسه للتنقيح والإصلاح... فكان ودوداً وخادماً للجميع.. فراحوا يتقاطرون الى سماع عظاته، وكلامه الذي يقنع عقولهم الغليظة، ويدخل قلوبهم بسرعة مذهلة... فكانت تراه في كل مكان وجب ان يكون فيه، في (منبر الاعتراف)، في المستشفى يرعى المرضى، في اكواخ الفقراء، في دار الكنيسة لتلبية طلبات وحاجيات الزوار وفي المدارس الابتدائية ليشرح للصغار حقائق التعليم المسيحي.

    ومن كثرة الوافدين الزوار، فتح مكتباً خاصاً للزائرين والوفود يقابلهم ويحل لهم مشاكلهم الصعبة بقلب حنون ويفرج عن المكروبين ويساعد الفقراء والمعوزين...

      جرى ذلك يومياً حتى أصبح رئيساً لكهنة (سلزانو) الفدائي العظيم... وبعد هذا التعب المتواصل والتضحيات العظيمة والسهر المستمر، حتى غدا هزيلاً لا يملك عافية البدن، لكنه امتاز بشهرة واسعة واستحقاق عظيم حين دُعي لترأس (المجمع الاقليمي) الذي عقد في مطرانية (ترافيز) وتعيَّن فيها (رئيساً لديوان الاشغال Chancelier) ومديراً روحياً للمعهد الاكليريكي.

      في تلك الاثناء زار (سلزانو) سيادة الاسقف (زينيللي) راعي الأبرشية والذي كان قد سمع الكثير عن اعمال الأب جوزيف سترو... فاستدعاه مباشرة ولفظ عليه هذا الحكم المبرم قائلاً ((لقد عينتك في كرسي رئيساً على كهنة كاثدرائيتي، لأحول دون جنونكَ الزائد في عمل الخير وبذل الصدقات)). ثم رقاه الى رتبة (مونسنيور) الترقية التي اذهلته... وتقبل الوظيفة حسب مشيئة الله له... ولم ينصرم وقت طويل على عمله، حتى أصبح حاذقاً ومرناً... ونظراً لشيخوخة نائب الأبرشية العام ومرضه، ترتب على المنسنيور جوزيف أن يقوم مقام المطران ومقام نائبه الشيخ فيتصرف بأسميهما... أشغال الأبرشية جمعاء ويستقبل الزوار ويحكم ويعمل ويضع الحلول المناسبة في كل شيء، فلمع إسمه وتحدثَ الناس عنهُ في السر والعلن.

    وفيما كان يوماً في غرفته للراحة... واذا الخادم يستدعيه لمقابلة الأسقف، فنهض مسرعاً، فأخذه الأسقف الى معبده الخاص وقال له ((لنسجد كلانا ايها العزيز ولنصلِ على نية خطيرة الشأن لها علاقة هامة بيني وبينكَ))... ولما فعلا ذلك نهض المطران وقدمَ اليه (رقيماً) من البابا يعينه فيه (اسقفاً) على أبرشية (مانتو) فما كان من المنسنيور جوزيف الا ان حَجَبَ وجهه براحتيه وأخذ يبكي طويلاً...

    عندما رُقيَّ الى درجة الأسقفية تشرف بمقابلة البابا لأوون الثالث عشر... قال قداسته وهو يودعه ((اذا لم يحب شعب (مانتو) راعيه الجديد... فيثبت بذلكَ انه يستحيل عليه ان يحب أي اسقف غيره... فالمطران جوزيف هو الأسقف المحبوب بين جميع المطارنة)).

    وبعد فترة قصيرة استدعى البابا الأسقف جوزيف سترو وقال له ((أريد ان أرقي أسقف (مانتو) الى رتبة الكاردينالية... واذا لم يبدِ لأرباب القانون عندي اي اعتراض.. فاني أروم ان تبقى محافظاً على اللقب (أسقفاً) ريثما يتاح لكَ ان تتبواْ عرش البندقية البطريركي... وذلك ليعرف الملأ جيداً ان الكاردينالية ليست رتبة تابعة لوظيفتكَ الجديدة او ملازمة لها... بل هي مكافأة محضة رأينا ان نخصُكَ بها شخصياً))... ولما التأم مجمع الكرادلة في وقته المعين، أعلن بإجماع الاصوات تعيين جوزيف سترو أسقف (مانتو) كردينالاً ... ثم بعد ثلاثة أيام فقط نوديَ به (بطريركاً) على كرسي البندقية.

    توفي المثلث الرحمات البابا لأوون الثالث عشر بتأريخ (19 تموز 1903) وأجتمعَ الكرادلة في الكنيسة المقدسة لآنتخاب خلفاً له... وبدأت جلسات الاقتراع في أول آب والثاني والثالث، وهذه الجلسات جعلت (ابن القرية رياز) قاب قوسين من (العرش البابوي) فغمر قلب جوزيف سترو التهيب والهلع وصرح برفض القبول... ولكن ما كاد يدنو اليوم الرابع والأخير من الاقتراع حتى تمكن الكرادلة المحبين له من إقناعه بقبول الاقتراع الاخير حباً له وخدمةً لكنيسة الله المقدسة. وفي الرابع من آب 1903 اعلن الاقتراع بفوز الكاردينال جوزيف سترو بطريرك البندقية بإجماع (50) صوتاً مقابل (12) صوت متفرقة... فدنا رئيس المجمع وسأله حسب القوانين المرعية (هل ترضى بنتيجة هذا الاقتراع على شخصك للبابوية؟.. فتريث قليلاً وقال (لتعبر عني هذه الكأس، ولكن لتكن إرادة الله)... ثم أعاد الكاردينال السؤال مرة ثانية... فأجاب (لقد رضيتُ بحمل هذا الصليب)... جينذاك قال له رئيس المجمع (أي اسم تريد اعتناقه) فقال البابا حيث اني ساتألم فأختار ان اكون ((البابا بيوس العاشر)).

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة