هل سأنتخب أم سأقاطع؟ تحليل وجهتي النظر
الكاتب رائد نيسان حنا
9 تشرين الثاني , 2025
إنّ مسألة المشاركة في الانتخابات أو المقاطعة هي قرار شخصي يحمل أبعادًا معقدة، ويتأثر بتجارب الماضي والمخاوف من المستقبل. الجدل بين التصويت والمقاطعة ينبع غالباً من حالة الإحباط العميق تجاه العملية السياسية ونتائجها المتكررة.
1. صوت المقاطعة (الإحباط واليأس)
الرأي الذي يميل إلى المقاطعة يستند إلى تجربة مريرة تمتد لسنوات، وتتسم بالإحساس بأنّ الصوت لا يُحدث فرقاً حقيقياً.
• وهم الوعود غير الصادقة: تتلخص وجهة النظر هذه في أنّ التجارب السابقة أثبتت أن الوعود الانتخابية مجرد أوهام وغير صادقة. فبعد كل دورة انتخابية، تتلاشى الوعود الكبيرة المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
• تجربة سنوات التغيير: "جربنا منذ سنوات ولم نحصل على وعد صادق". هذا الشعور بأنّ المحاولات المتكررة لانتخاب "الصحيح" لم تُثمر سوى عن استمرار الأزمات، يُقوّي قناعة المقاطعين بأنّ النظام السياسي نفسه يحتاج إلى تغيير جذري لا يمكن تحقيقه عبر صناديق الاقتراع.
• أين التعيينات وأين العمل؟ هذا التساؤل يُمثل جوهر الإحباط الاقتصادي. إن الفشل المستمر في توفير فرص العمل الكافية والتعيينات الحكومية للشباب الخريجين يُعتبر دليلاً مادياً على عدم مصداقية الحكومات المتعاقبة.
2. صوت المشاركة (الأمل في التغيير)
على الجانب الآخر، يرى المؤيدون لـ المشاركة أن الانتخابات هي الأداة المتاحة الوحيدة للتغيير، حتى لو كانت قاصرة.
• المشاركة من أجل التغيير: يتردد هذا القول: "سوف أنتخب من أجل التغيير". هذا الرأي ينطلق من إيمان بأنّ المقاطعة تُساعد في تثبيت الوضع القائم، حيث يستغلها الأطراف المستفيدة لضمان فوزهم بأصوات ثابتة وقليلة.
• تجنب الأسوأ: قد لا يُصوّت البعض للأفضل، بل يختارون الأقل سوءاً، معتقدين أنّ أي تغيير، مهما كان محدوداً، هو أفضل من استمرار نفس الوجوه والسياسات.
• المحاسبة المستقبلية: المشاركة تُبقي الناخب في وضع يُمكّنه من مطالبة المسؤولين بالوفاء بوعودهم، حيث يُعتبر الصوت بمثابة تفويض مشروط يمكن سحبه في الانتخابات القادمة.
خلاصة القول والتحليل النهائي
في تحليل هذه المقارنة، يتضح أن قرار المقاطعة أو المشاركة هو صراع بين الألم الواقعي الناتج عن عدم تحقيق الوعود و الأمل النظري في إمكانية الإصلاح عبر الأدوات الديمقراطية.
إذا كانت التجربة السياسية قد علّمتنا شيئاً، فهو أنّ التغيير لا يتحقق بمجرد التصويت، بل بالمتابعة والمحاسبة المستمرة بعد الانتخاب. عندما يختار صوتك شخصًا ما، وتتفاجأ بأنه "خالف الوعود"، فإن المشكلة لا تقتصر على التصويت بحد ذاته، بل في غياب آليات المحاسبة والشفافية التي تضمن أن يلتزم المنتخبون ببرامجهم.
في نهاية المطاف، كل ناخب يجب أن يقرر ما هو الخيار الأكثر فعالية لـ صوته:
• هل الهدف هو إرسال رسالة احتجاج واضحة برفض العملية برمتها (مقاطعة تُحسب كرفض شعبي)؟
• أم هل الهدف هو محاولة دفع عجلة التغيير للأمام، ولو بخطوات صغيرة، والاستفادة من المساحة الديمقراطية المتاحة (مشاركة تُحسب كقوة تغيير محتملة)؟
القرار يعكس ميزان القوى بين اليأس من الماضي و الإيمان بقدرة المستقبل على التغيير.
أن كل قرار نتخذه هو نتيجة للصراع بين شعورنا باليأس بسبب تجارب الماضي، ورغبتنا في الإيمان بإمكانية أن يكون المستقبل أفضل ويحمل تغييرًا إيجابيًا. فالقرار يعكس هذا التوازن؛ فهو يأتي نتيجة لوجود قوتين متنازعتين داخلك، إما أن يسمح لك اليأس بأن يستمر الماضي في السيطرة عليك أو أن تمنح الإيمان بالمستقبل الفرصة لقيادتك نحو تغيير.
• اليأس من الماضي: يشير إلى الشعور بالإحباط، والإحساس بأن الماضي سيء لدرجة أنه سيستمر في التأثير على المستقبل، وأن المحاولة للتغيير غير مجدية.
• الإيمان بقدرة المستقبل على التغيير: هو الإيمان بأن المستقبل يمكن أن يكون مختلفًا عن الماضي، وأن هناك فرصة لتحسين الأمور وجعلها أفضل، وهو ما يمنحنا الدافع لاتخاذ قرارات جديدة.
• ميزان القوى: القرار هو نتيجة لذلك التوازن الدقيق. إذا غلب اليأس، قد تتخذ قرارًا محافظًا أو سلبيًا. أما إذا غلب الإيمان، فقد تتخذ قرارًا جريئًا وشجاعًا نحو التغيير.
باختصار، القرار ليس شيئًا يحدث فقط، بل هو نتيجة لتفاعل داخلي بين شعورين متضادين حول ماضينا ومستقبلنا.