انطلاقة عبقري من براثن الفقر المدقع
الكاتب كولن ولسن
المترجم هرانت اغاجان سهاكيان
25 ايلول, 2025
هذه السيرة الذاتية عبارة عن حياة عبقري ولد من الفقر المدقع! انها لأنسان صاحب ذاكرة مبدعة ساعدته ان يكتب بدون كلفة عن اراءه واحداث حياته السيكولوجية والعملية المحفوفة بالأخطار وكولن ولسن يحفظ بذاكرة نشطة واسلوب صريح وصادق في الكتابة! ان تاريخ حياته يشهد عندما كان لا يتجاوز 16 عاماً كيف فكر بالانتحار بتناوله مادة شديدة السم الا انه تراجع في اخر لحظة وتخلى عن هذه الفكرة القاتلة وتراءى له ان دراسة العلوم أقل ألما من قتل نفسه... وفضلاً عن ذلك، خدمته لفترة قصيرة في القوة الجوية الملكية ساعدته على نسيان ذلك الهراء في رأسه.. ثم لكونه صاحب ارادة قوية صمم ان يكون كاتبا! خيار بوهيميا في اوائل الخمسينات من القرن الماضي! وبعد الفترة الطويلة التي أمضى كولن ولسن في اشغال شاقة مجهدة احتقرها كثيراً والعيش في عسر المؤن استطاع ان يقطف ثمرة اتعابه بالنجاح غير المتوقع! وبين عشية وضحاها أصبح كولن ولسن ذائع الصيت وسارعت دور النشر في اوروبا وامريكا والدول العربية بترجمة كتابه الاول (اللامنتمي) عام 1956 الى أكثر من عشرين لغة بيعت بملايين النسخ في كافة انحاء العالم! ان الفكرة الرئيسية لكتابة (اللامنتمي) تطرح قائلة: ان الرجال الذين يمتلكون الرؤية امثال دوستويفسكي، كافكا، نيتشة، ويلز، برنادشو، همنغواي، فان كوخ، وليم بلاك، نجينسكي وغيرهم من الاشخاص الذين امتازوا بالبصيرة عاشوا في عالم مختلف ومعزول عن مجتمعاتهم! وبعد نيله الثناء العالمي لنشره كتابه الاول وجد هذا الشاب القادم من خلفية الطبقة العاملة نفسه يتحرك بين دوائر ادبية راقية في تلك الايام هذا فضلا عن ذلك ملاقاته مع شخصيات لامعه في عالم الفكر العالمي امثال جون اوزبورن، كراهام كرين، الدوس هيكسلي، نورمان ميلر وغيرهم! فالسبب في النجاح الساحق الذي حققه كولن ولسن يعود اولا الى اسلوبه المشوق بشكل ملفت ثم لأنه واسع الاطلاع في مختلف المواضيع الثقافية: الفنون والجريمة علم النفس والقوى الخفية الخارقة لا يمكن تعليها علمياً غير ان من اهم اهتماماته الكثيرة اهتمامه وبحثه بشكل واسع في شأن الوعي الانساني؛ كيفية كشف وتطوير اساليب السيطرة على وعي الانسان! إذا كان القارئ قد شعر برهبة من قراءة كتاب كولن ولسن (اللامنتمي) الذي كتبه وعمره (24) عاماً فانه سيتمتع بالتأكيد عند قراءة حصيلة سيرته الذاتية المعنونة (الحلم بغاية ما) انه منجز بارز حققته وهو في حالة الانتقال اليومي بين المتحف البريطاني والخيمة التي عاش فيها. في سيرته الذاتية نلمس منتهى الصراحة في اوصافه عن تجاربه الحسية المبكرة والمرتبطة الى حد ما باهتماماته الفكرية. اما آرائه في الغزل والاخلاق والعائلة تجعل القارئ ان يتحسس بان كولن ولسن اكثر التصاقا بالإنسان الاعتيادي من الادباء الاخرين الذين ادعوا بمعالجة المشاكل الاجتماعية. ان العدسة التي استعملها كولن ولسن لفحص صعوده نحو قمة الشهرة ثم حالاته المحبطة التي اعقبتها بسرعة تجعل القارئ يستنتج بحقيقة ان حياة الانسان دائمة الخضوع للتغيير وكما ان بلوغه طوراً من اطوار الاستقرار غير مستقر ابداً مع ذلك نرى كولن ولسن في معظم كتبه يحفز الانسان في كل مجالات حياته على عدم الاستسلام للخيبة وعدم الاقرار بالعجز وعدم الاكتفاء بالموجود وعدم اليأس من رؤية الاتي حتى بعد تحقيق ماحلم به! خلاصة الكلام: فلسفة كولن ولسن وجودية متفائلة! ويمكن القول في نهاية هذه الرحلة مع كولن ولسن ان المشاهد والتجارب التي يطرحها في سيرة حياته صممت بصورة اساسية لإرضاء القراء الذين يميلون الى مطالعة نصوص في الفلسفة وعلم النفس والاحداث الجرمية والقوى الخفية الممتنعة على الفهم والمكتنفة بالأسرار وكذلك لانهم يعيشون في عالم يمزقه الخوف والضغط والاجهاد والسأم والحالات الاخرى التي تهدد الوضع الانساني.
