.قام
المسيح .... حقا قام ... هاليلويا ... كل عام وأنتم بألف خير....
موعظة القيامة
مَن يُدحرج لنا الحجر (مر 16: 3)
هذا السؤال المُقلق كان يشغل تفكير النسوة وهنَّ في
الطريق إلى القبر. ولو فكرنا ملياً بالأحداث لفهمنا
الصورة أكثر. السبت مضى والأشغال البيتية تراكمت على
النسوة بعد يوم بطالة مُطلق. وكان عليهم أيضاً أن
يُكملنَّ هذا الإلتزام الإنساني: تطييب جسد يسوع.
ناهيك عن وجود حجر كبير على وُضِعَ باب القبر يمنع
وصولهن إلى جسد يسوع. مَن وضعه؟ ولماذا وُضِعَ؟ لا
يهم، فالحقيقة الحجر موجود.
ولكن هذا يعني وعلى وفقَ مقايسنا الإنسانية: المهمة
فاشلة ومُستحيلة، وأكثر من ذلك مضيعة لوقت ثمين لهنَّ
أن يستفدن منه في أعمال بيتية. فكيف لنسوة أن يُدحرجن
حجراً كبيراً؟ وما معنى وقوفهنَّ لربما لساعات بإنتظار
تجمّع رجال ليسألوهم دحرجة الحجر، هذا إن وافقوا على
ذلك؟ لماذا هذا الإصرار لمواصلة هذه الرحلة العقيمة؟
ما الدافع لذلك؟ أم أن هناك حجر آخر يمنعهنَّ من لقاء
يسوع؟ هل هو حجرٌ مادي: صخرة كبيرة، أم حاجزٌ يقف أمام
لقائهنَّ بيسوع؟
وصول النسوة إلى حيث جسد يسوع يكشف لنا أن الحجر قد
دُحرجَ، وأزيح ما كان يمنع من لقاء النسوة بجسد يسوع.
وإن ما كان قبراً لحياةٍ صار خدراً لحياة مُتجددة
بنعمة الله. تريد النسوة العودة إلى ماضٍ إنتهى، والرب
يقودهنَّ إلى مُستقبل واعد: إنه قام ويسبقكم للجليل.
لا تلتفتوا إلى الوراء، بل أنتظركم، أسبقكم ليبقَ ربنا
يسوع المعلم الذي يُتبَع ولا يُملّك بيدٍ أحدٍ.
القيامة هي دحرجة الحجر، إزاحة كل ما يمنع لقائنا
بيسوع ومثل هذه الأحجار كثيرة في حياتنا:
إهانة وَجهناها لقريب.
كلمة إفتراء زيّفنا فيها حقائق وشوهّنا فيها سُمعة
إنسان.
كلامٌ بطّال زرعناه كشوكٍ في طريق أتقياء الله.
إستغلال لعلاقة من أجل مصالح أنانية.
تقصيرٌ في مسؤوليات.
تشامخٌ وتكبّر فارغٌ لا حقيقةَ فيه.
هذه وغيرها كلّها أحجار في علاقات أساءنا إليها، ولم
نُحسن التصرّف معها فماتت وماتت فينا الرغبة في
الحياة. ولربما جعلنا من بعض علاقاتنا قبوراً هي بأمس
الحاجة إلى ملاك الله ليبعث الله فيها الحياة من جديد.
لذا يدعونا الروح القُدس فينا للسير إلى جسد يسوع فذلك
كفيلٌ بأن يُزيح كل هذه الأحجار لتشعَ الحياةُ علينا
متجددة رحمة لكل مَن نلتقيهم وذلك بدعوته لنا للقاءه
في الجليل حيث يسبقنا ليبدأ معنا البشارة من جديد. نحن
بخطايانا، بتقصيراتنا، بهفواتنا، بعجزنا، بكسلنا نضع
حجارة كبيرة في طريق علاقة صادقة مع إلهنا وأبينا.
هنا أود أن أسأل: هل هناك دَحرجة للحجرِ في الكتاب
المُقدس؟ وما الدافع خلف ذلك؟
في قصة يعقوب في سفر التكوين (29) وفيما هو راحلٌ
للقاءِ لابان خاله، إتّفقَ أنه توقفَ عند بئر كانت
الرعاة يتجمعون حوله ليسقوا قطعانهم. بالطبع كان
الرعاة يضعون حجراً كبيراً على فم البئر لئلا يُخرّب
العابثون البئر، ولكن الحجرَ كان كبيراً لدرجة أنه
تطلبَ حضور رجال كثيرين ليرفعوا هذا الحجر من وعلى
البئر. سأل يعقوب الرعاة عن خاله لابان، وقالوا له أنه
بخير وابنته راحيل آتية مع القطعان. رأها وأحبها، وحبه
لها دفعهُ ليرفعَ الحجر وحده من دون مساعدة رجل وهكذا
سقى الرعاة والقطعان ماءً. اليوم حبُ الله لنا دحرجَ
لنا كل حجارة تمنعنا من الوصول إليه: ماء الحياة.
فماذا ننتظر؟ لنتقدم ونستقي منه.
القيامة عمل الله فينا. هو نفسه يُدحرج الحجر
(الخطيئة) التي وقفت حاجزاً بيننا وبينه بغفرانه
ورحمته لتكون القيامة حياة تُبشّر بفعل الله فينا
للحياة كلها. فالقيامة ليست نهاية سعيدة لصلب يسوع،
وليست حدثاً مفرحاً ليوم واحد، بل تجدد مسيرة الإيمان
خلف يسوع، مسيرة أصابها الشك واليأس والقلق والخوف
والتجاهل والتنكر والتهرب من إلتزامي بمسيحيتي. أحجار
حياتنا كثيرة، ومخاوفنا تتعاظم يومياً، وكثيراً ما
نتساءل: أين الله من كل ما يحدث من ظلم وجور وفساد
واٌضطهاد واٌنتهاك لكرامة الإنسان؟ أين حضوره بيننا؟
كيف يسمح بكل هذا الشر ليحدث؟ كيف يسكت على صلب
الملايين من الناس على مذابح السياسة القذرة؟
للإنسان أفكار وتطلعات وللرب تدبير، وإذا ما عظمت
خطيئة الإنسان فإلهنا ينتظر منّا أن نسعى إليه، ونحمل
الطيوب لمَن إنتهكت وسُلبت منه الحياة، وسنجد أنه
سبقنا إليه وأقام فينا حياة متجددة، وكثيرون آمنوا
بطُرق الله، وهكذا جدد الله عهده مع الإنسانية بيسوع
المسيح.
لتكن القيامة إنتصار إيماننا على اليأس والفشل
بإيماننا ورجاءنا؛
لتكن القيامة إنتصار روح المسامحة والصفح على البغض
والأحقاد؛
لتكن القيامة غلبة الإجتهاد على الكسل والتراخي؛
القيامة إنتصار النظرة الطاهرة على النظرة الحسودة
والمتكبرة والمتعالية؛
القيامة إنبعاث السلام ليشفي حزننا وألمنا؛
القيامة على صورة الله التي تشوّهت بالخطيئة؛
القيامة فك قيود الظلم والمهانة عن الفقراء والمعوزين؛
القيامة رجاء لا يُزعزعه شك لأنه إيمان بالمسيح الحي
أبداً.
القيامة سلام ومصالحة مع الآب الذي بادرَ فصالحنا
بيسوع المسيح. صار لنا سلاماً مع مَن هم من حولنا فلن
نمد أيدٍ متراخية هزّها الخوف، بل أيدٍ مسالمة مُشجعة
ومثبتة لمَن ضَعُفَ وتراخى في إيمانه. فإذا ما رفع
الله عنّا الحجر وغفر لنا خطايانا، فلنُصغِ إلى ملاك
القيامة، ولنتعاون مع تدبير الله فنفتح الحياة كلّها
لتٌشرق عليها شمس القيامة، ويجعل الله من حياتنا خبراً
مفرحاً، فنُسالم الجميع:
المسيح قام ... حقا قام ... قيامة وحياة وتجدد.
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة
|