المندائية/ رموز نشيد المعاني في الماء والطهارة والايحاء 

نعيم مهلهل

                                                                                                                                                 

 الكتب المقدسة في تعريفها الروحي هي الوسيط لتعلم الطرق الواضحة وهي صلة الوصل بين العبد وخالقه وهي المرآة التي تعكس حقيقة هذا المهيمن على روح العالم ، وهي ثبات البرهان لكل من بعث لهداية قوم ما ، ولأن سفر التكوين يقول : أن العالم خلق بكلمة هذا يعني في دالته الكونية أن ايصال الفكرة ورغبة الرضوخ لها لا تتم الا من خلال الكشوف المدونة ويبدو أختراع الكتابة بعد عهود من الشفهية والاشارة ، خلق ظروفا مناسبة للأتيان بحكمة اللوح وجعلها مرشدا للتفكير الانساني كي يهتدي الى ما يراه قناعة بما يحدث في مشاهدات الطبيعة ولما يتعرض له من لحظة الولادة حتى اللحد الأخير .


   والمندائية كدين توحيدي أمتلك أزلية البقاء ومر بعهود لا تحصى أفترض فيها لذاكرته ديمومة لا تنحني لطوارىء الحروب والكوارث والشيوخ موجودون بذات الكيانات التي طبعت على شفافية التعاليم السماوية وأدركت معها طبيعة أن يكون الفرض واجبا مقدس مليء بالعبر والايحاءات التي تدفع النفس الى مستقر الحالة ، وكانت هذه الطقوس تؤدي بوسائط كثيرة هي صلة الوصل بين المندائي وصاحب الروح النقية ويقصد فيه الآله الواحد ، ومن هذه الوساطة الماء ، الطيور ، عناصر التعميد ، الايحاء ، أثبات طهارة الروح والجسد ، الصلاة التسبيح ، غير أن الماء يمثل بالنسبة للمندائية شكلا روحانيا تسير بفضل حب الآله لهذه الطائفة ، وهو أداة التعميد الاولى ، ويرى المندائي الماء بأنه الصورة المتخيلة للتغير والحركة ، وهو كان بعدة أشكال وأماكن ويمكنه الغاء النجاسات وأخطاء المرء ، كما أنه يغسل كل عالق لا يمت للروح بصلة ، وهو مسيرة تحول الى الجديد كما أنه سيد الطقوس ، وأنه أكثر أزلية في دورة الحياة من خلال متغيراته ثم العودة لما كان لهذا نظر المندائيون اليه بشيء من التقديس والوقار وجعلوه واحدا من أدوات أكمال مراسيم التقرب الى السماء أو الوصول أليها ، لهذا فهو موجود للاحتماء من كل خطيئة ، فالماء هو الأنموذج الأصلح للتعبير عن رغبة الذات المندائية في التواصل مع التكوين العلي لهذا نراه في أغلب الممارسات يمثل حاجة لأكتمال فعل روحي قبل جسدي ، ولهذا فأن أي رؤية جدلية لتاريخ المنطقة التي عاش فيها المندائيون وهي السهل الرسوبي لبلاد الرافدين والأطراف المجاورة لها في أيلام سيجد أن الرواية الأسطورية لتراث هذا السهل يشكل مقاربات لاتحصى مع التدوين الذي نجده في الكتب الروحانية للمندائيين ومنه ما يطلق عليه المندائيون : الماء النقي أو الماء الطاهر أو الماء المقدس وهو في عرفهم تعريفا : الماء المقدس وهو في عرفهم تعريفا: الماء المقدس هو ماء جاري والشيوخ أثناء تأدية طقوس الطراسة لا يشربون سوى الماء الجاري المقدس أن الاله التوحيدي للأنسان في وادي الرافدين كان مرتبطا بالهاجس المدفوع لأثبات أحقبة الأنتماء الى المكان من خلال الشعور التنبؤي وهو ما يحرص المندائيون على تأكيده دائما في أثبات أحقبة أنتمائهم التوحيدي منذ آدم (ع) وحتى هذه اللحظة وان كشوف التراث الأنساني للشعوب وخاصة التي ولد وأنطلق منها الأنبياء صنعت قناعة لدى الباحثين أن شكل التوحيد أرتبط مع أرهاصات آدم (ع) ولذلك هم يعرفون دائما بعودة أزليتهم الى آدم (ع) وأن الطقوس المقامة في أيامهم الروحانية وأعيادهم أنما هي تمثل الأرث المأخوذ من تلك الأيام وأن الماء بصيرورته المتحركة يمثل البدء الحقيقي لرغبة الأنسان ليكون ملتصقا بالذات العليا من خلال طهارة روحه وجسده وهذا لايتم ألا من خلال الماء، فالمنادائيون ربطوا مثل تلك الشعائر بلحظة الولادة البشرية والتي تنم عن أستمرار الخصوبة والحياة ولأن المرأة هي رمز الخصوبة لهذا صار تعميدها في النهر بعد الأسبوع الرابع لولادتها لمندائي جديد قادم الى العالم وهو محروس بتبريكات الملائكة كما يقولون بطرائق غاية في الجمالية والأحساس بالأنتماء الى روح هذا المجرى الأزلي الذي هو النهر ترتبط الطهارة بالماء في كل الديانات.

   لهذا فالطهارة منذ عهود الأنبياء الأولى تمثل النقاء الجسدي بشكله الظاهري وهي تمثل واحدة من الأفكار التي دعا من خلالها الأنبياء الى الأقتراب من الذات العليا لأن النجاسة كما يقال : روح صدنه في جسد ولهذا مثلت الطهارة لدى المندائيين حالة من صفاء الذهن والجسد ، لكن السباحة في النهر والصلاة في المندي يطهر الروح والجسد بكاملها، وهي تعني في التعابير الروحـانية التخلص من كل موبقة وأثر لضغينة أو طمث ، وكما يقول المندئيون الأوائل : خلق الله الروح الطيبة من طهارة النفس و الطهارة ترتبط بالأغتسال جدلا وفعلا وتاريخا، ولا عجب أن سمي الصابئة المندئيون بالمغتسلة وهو تعبير حضاري عن النظافة بشتى أشكالها لأن تأكيد الوجود الروحي لأي مندائي لا يتم ألا في الماء الجاري، فمفردة الطهارة لم تدخل في المندائية كفقه خاضع لجدلية التقسير وأنما هي فعل تترتب عليه حقيقة أنتماء المندائي الى دينه وطائفته، ولأن الطهر في معناه الحقيقي النقاء حرص المندائيون أن يجعلوه هاجسا دائما في كل واجب ديني وحياتي من خلال الأهتمام بالتحضيرات الطقسية لكل نشاط ويكون في المرتبة الأولى الأهتمام بالأشياء المحضرة، الأواني أم الثياب والمأكولات لأن الطهارة تعني الأحتماء بالذهن الصافي وعدت الطهارة فرضا يدخل في مفاصل كل الجمل الطقسية ومنها ما يهم الوضوء عند أقتراب المندائي من مجرى النهر لأداء الرشامة وتستكن روح المتوضىء لتلك القناعة المكتسبة من رضا النفس بأتمام واجب عليها عمله وهذه الطهارة تغذي في الذات المندائية شعورها بعظمة وقدسية ما تملك قناعتها بأن الطهارة تمنحنا الصلة والمواصلة مع القدير الذي فوقنا وهذا هو شعور عام عند جميع الديانات، والأيحاء عند المندائي هو أكتمال الصورة مفترضة تجعلنا ننال بهجة التواجد في الساحة الفسيحة للعماد الأول ، عندما توضىء آدم (ع) ببركة الماء وغسل عن وجه الأرض صمتها وفراغها وفي الأيحاء يمسك المندائي ما يستطيع أمساكه لأنه وانت تقرأ المدونات من أجل لذة أو سلطة أو جاه بين العلم أو الأديان بل أنهم يخلقون لمجدهم الصامت قناعة النقاء والديمومة وهذا ما حصلوا عليه رغم قلة عددهم وتواجدهم في بيئات قليلة تتجاوز مع الأنهار حصرا، ولأن المياه أجمل أوطان المندائيين فأن الدعاء التعميدي والباحث عن نقاء طهارة الروح والجسد خير مزاوجة بين الأنسان وخالقه وضرورة أكمال أجواء التعميد في ظروف قاهرة ، أن أيحاءات الدعاء تمنح القدرة على تحمل كل الظروف مهما كانت قسوتها ، البرد ،الحر، سعير النار ، أو أعصار العاصفة وليدة لأيحاء التماثل الروحي والجسدي بين المندائي وخالقه وهذا لا يتوفر الا حين يتوفر طقس التعميد بطهارته الواجبة .

 


____________________
* منقول من مجلة افاق مندائية العدد 40 تموز 2008