لنتعلم من الأطفال

خالد بشير جودي

   مشاهد كثيرة تمر علينا يوميا في حياتنا، لكننا نمر عليها مرور الكرام ولا نعير لها اي اهمية.


  اثار انتباهي مشهد بسيط في ظاهره، عظيم في معناه ومغزاه. بطلتا هذا لمشهد هما طفلتان تعيشان في دارين متجاورتين ومن ديانتين مختلفتين، جمع قلبيهما الصغيرين حب كبير منقطع النظير، أقوى من حبهما لوالديهما واخوانهما ولا تستطيعان الاستغناء عن بعضهما، وكانتا تقضيان ساعات طويلة تلعبان وتلهوان وتمرحان معا.


  شاءت الاقدار ان تفترق الطفلتان الحبيبتان عن بعضهما حيث اضطرت احدى العائلتين ان تنتقل من مسكنها الى منطقة بعيدة، وكان هذا الفراق مؤلما للكبار ولكنه اشد الما للطفلتين. ساءت حالتهما النفسية والصحية واصبحتا منطويتين على نفسيهما، تبكيان بلا سبب ولا يعرف الاهل سببا لبكائهما، وانقطعت شهيتيهما للطعام.


  ومرت الايام ومرضت الطفلتان، حار الاطباء في مرضهما، وشاءت الصدف ان تلتقي الطفلتان بصحبة والديهما في عيادة احد الاطباء.. يا لروعة مشهد اللقاء، مشهد يعجز عن وصفه أعظم الشعراء، مشهد الحب البريء الصادق الخالي من كل مصلحة او منفعة، حيث تعانقت الحبيبتان بلهفة شوق وعفوية الطفولة البريئة، وعادت البسمة والضحكة الى وجهيهما الصغيرين، واخذتا تلعبان سوية بمرح وسرور، وأثار مشهد اللقاء انتباه الجالسين في غرفة الانتظار، فروى الاهل قصة الطفلتين على الجالسين وانهمرت الدموع من عيون سامعي هذه القصة الحزينة لانها تمثل واقعنا الاليم، وعلق شيخ كبير على هذا المشهد وقال:((ما احوجنا نحن الكبار ان نتعلم هذا الدرس البليغ من هاتيين الطفلتيين البريئتيين، هذا الدرس الذي تعجز ارقى الجامعات في العالم عن تلقينه لطلابها، انه درس الحب الكبير البريء الذي يعلمنا ان ننتزع من قلوبنا الحقد والكراهية ونزرع الحب والوفاء والاخلاص، ان نرحم بعضنا البعض حتى يرحمنا الله)).


  خرج الاهل مع طفلتيهما دون الدخول الى غرفة الطبيب، فنادى عليهم سكرتير الطبيب "لماذا تخرجون.. لديكم حجز وقد اقترب موعد دخولكم الى الطبيب.." فقال الاهل: لا حاجة لنا الى الطبيب، لاننا شخصنا المرض واكتشفنا بأن العلاج بأيدينا وليس لدى الطبيب.


  يا ايها الكبار يا من بأيديكم مصائر وارواح الناس، تعلموا من الاطفال الحب الصادق.. تعلموا وعلموا الاخرين بأن نهدي وردة بدلا من ان نطلق رصاصة، نحمل بيدنا غصن الزيتون بدلا من نشر أسلحة الخراب و الهلاك، نزرع الامل والحياة بدلا من اليأس والموت، الخير بدلا من الشر، الورد بدل الشوك، الطمأنينة بدل الخوف، نعمر ولا نهدم.


  لنتعلم نحن الكبار من هاتين الطفلتين البريئتين دروسا وعبر كثيرة، فعندما جمع الحب الطفلتين وتعلقتا ببعضهما، لم يخطر في بالهما ما هو انتماؤهما الديني او الطائفي، لم تفكرا بأفكار الكبار، هذه الافكار التي زرعت في قلوبنا الحقد والكراهية والموت.
الحب العفوي الذي جمع القلبين الصغيرين هو ما يريده الله من الانسان، يريدنا ان نحب، نتسامح، نتراحم، نعطف على بعضنا البعض، ونسعى الى الخير. لأن الله خالقنا جميعا، لقد خلق الله الانسان و فضله على جميع الكائنات ومنحه العقل لكي يعمر الارض لا ليدمرها، وميزه عن الوحوش الكاسرة التي تأكل بعضها البعض. ولنتذكر بأن الله سيحاسبنا على كل قطرة دم اريقت ظلما وعدوانا، لأن الله بقدر ما هو غفور رحيم فهو شديد العقاب. والله هو المحبة والخير والسلام.