المركز القانوني للمرأة بين مطرقة قانون الأحوال الشخصية وسندان الفتاوى الاخرى

عالية بايزيد اسماعيل

 

   إن الحديث عن المرأة يعني الحديث عن نصف العدد العام لمجموع المجتمع من الجنسين، و نصف الموارد البشرية المكونة للقطاعات الوظيفية و التنموية لعموم المجتمع المدني،

   المجتمع الذي يضم مؤسسات اجتماعية و ثقافية وسياسية ومهنية، والذي تطمح فيه المرأة الى تحقيق الحرية والمساواة والاستقلال كبديل عن المؤسسات والتجمعات الدينية والعشائرية التي فرضت وجودها والتي تحمل سمات الطابع الرجولي والمجتمع الطبقي وذهنية تسلط الرجل وتفوقه على ا لمرأة حتى تتمكن من خلال تلك المنظمات أن تأخذ مكانها في مجتمع يفترض به انه حضاري ديمقراطي يفتح المجال أمام المرأة لتتمكن من إثبات الذات والابداع وسط عالم يضج بالأحداث والقضايا والمشاكل عن طريق منظمات وتجمعات نسائية مستقلة ترفض تلك الذهنيات المتحجرة وتسعى الى تغيير اتجاهات الرأي العام وتخليصه من الترسبات الدينية والعشائرية، ولاننسى ما للقانون من دور وأهمية في تنظيم أمور المرأة من خلال قواعده الالزامية في مجتمع بات يعاني من اليأس في كل شيء حتى باتت الغلبة فيه للتيارات الدينية على جميع مناحي الحياة وعلى حساب مركزها القانوني، فالأديان وإن كانت تضع المقاييس والقيم الروحية لهداية الناس إلا أن تلك القيم لا تخرج عن كونها قوالب جامدة، وان ممارسة الطقوس فيها أصبحت مجرد واجبات روتينية تبشر بسياسة الخضوع ومحاربة التجديد لكل ما هو عصري لأنها تحرم الجدل والبحث والتفكير وحب الاستطلاع مع أن المستقبل لا يمكن أن يبنى لا على تقديس الماضي تقديسا أعمى ولا على ترك الماضي وازدرائه كليا.


  إن وضع المرأة بعد عام 2003 تراجع كثيرا وأصبحت الانتهاكات الموجهة ضدها مضاعفة فبالاضافة الى ما كانت تعانيه ازدادت انتهاكات القتل غسلا للعار والاختطاف والاغتصاب ومنعها من الدراسة ومن العمل بسبب الظروف الامنية الصعبة، إضافة الى القمع الديني السياسي والتحكم بمظهرها وبملابسها التي عادت بها الى مئات السنين الى الوراء مما شكل خطورة حقيقية على وضع المرأة وعلى حقوقها وحريتها الطبيعية.


  أن المادة (41) من الدستور التي تنص على (إن جميع العراقيين أحرارا في الالتزام بأحولهم الشخصية بحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو خياراتهم وينظم ذلك بقانون)، هذه المادة الدستورية يترتب عليها تشريع عدة قوانين لتنظيم الأحوال الشخصية بتعدد الديانات والمذاهب وتعدد للمحاكم تبعا لذلك مما يعني تكريس لحالة التمايز الاجتماعي للنساء بسبب اختلاف الأديان وتعددها، فهذه المادة الدستورية ذات الطابع الديني جاءت استجابة لضغوط التيارات الدينية التي قويت بعد فشل أنظمة الحكم السابقة لاسيما تلك التي جاءت بعد حرب عام 2003 وانتشار الأزمات الاجتماعية والامنية والسياسية والاقتصادية الخانقة، وغياب الديمقراطية فكان الالتجاء الى التيارات الدينية للتخلص من المسؤولية المدنية للدولة تجاه مواطنيها مع ما تنطوي عليه هذه المسألة من خطورة من حيث النتائج والآثار التي تستوجب منا أن نتوقف عندها لمناقشتها بدقة، فالدين عندما يقتصر الايمان وعلى علاقة الفرد وخالقه، فأنه يكون حقا للفرد، أما عندما يتحول الى قاعدة للتنظيم الاجتماعي والممارسة السياسية فأنه يصبح عندئذ الى وسيلة قمع استبدادية ووسيلة لانقسام المجتمع، وان وضع قانون مدني للأحوال الشخصية لا يمس المعتقد طالما لا يحتوي عنصر ضغط أو إكراه لكنها قد تعطي تسهيلات قانونية لمن لا يريد تطبيق الدين. والمرأة في العصر الراهن أصبحت تتمتع بقدر من الحرية بعد ان نالت قدرا من التعليم ودخلت مجالات العمل وازداد وعيها واستقلالها، أما حقوقها المدنية فإنها تستمدها من القوانين التي لم تنصفها. فقانون الأحوال الشخصية الحالي جاء بعد أن كان قانون العائلة المستدة أحكامه من مجلة الأحكام العدلية والذي كان ينظم شؤون الاسرة وفق المذاهب الفقهية السنية الاربعة والفقه الجعفري وكان الناس حين يتخاصمون فأن كل فقيه كان يفتي بحسب مرجعه الديني أو المذهبي والذي لا يتفق مع المرجعيات الدينية الأخرى، مما حدا الى تجميع الأحكام في حينها وتوحيد شؤون الأسرة في تشريع واحد والذي أعتمد المذهب الحنفي في اغلب أحكامه في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وبعد التعديلات التي أجريت عليه في 1978 عد هذا القانون من أكثر القوانين العربية تحضرا لما حققه من انجارزات ومكتسبات للمرأة.


  - ففي مسألة الزواج فأن هذا القانون لم يترك الأمر مطلقا للزوج يعدد كيفما يشاء كما انه لم يمنع التعدد بالمطلق كما فعل القانون التونسي، إنما أجاز القانون التعدد لكن بإذن المحكمة وضمن ضوابط منها تحقق المصلحة المشروعة والحاجة وتوفر المقدرة المالية للزوج وهي أمور تقدرها المحكمة. وقد عدلت هذه المسألة مرتين عندما اعتبر الزواج بأرملة مرة وإعادة المطلقة الى عصمة زوجها مرة أخرى مصلحة مشروعة لا تتطلب إذنا من المحكمة.

   - وفي زواج النهوة فقد منع هذا القانون كل شخص أن يجبر غيره ذكرا كان أو انثى بالزواج من آخر بالاكراه، وهذا التعديل أنقذ الكثير من الفتيات من الزواج دون إرادتهن، مع إن تطبيق هذه المادة كانت مخالفة للواقع الاجتماعي، لأن زواج من هم دون سن الرشد كان يشترط فيه وجود الولي وبالتالي كانت حدود تطبيق هذه المادة محدودة.


  - أعتبر هذا القانون الزواج خارج المحكمة مخالفا للقانون وفي هذا حماية للمرأة لاثبات حقوقها وحقوق الاولاد.
  - أجاز هذا القانون للمرأة المطالبة بالنفقة الماضية مهما طالت المدة في حين كانت النفقة لا تستحق الا من وقت المطالبة القضائية.
  - لم يلزم التعديل الزوجة بمطاوعة زوجها إن كان متعسفا في طلبه وأوجب على المحكمة التريث قبل الحكم بنشوز الزوجة الرافضة للمطاوعة بمعرفة أسباب رفضها المطاوعة، ورتب عليه أن يحق للزوجة طلب حق التفريق بعد مرور سنتين على الحكم بالنشوز.
  - اوجب التعديل أن يكون للزوجة سكنا لائقا يهيئه الزوج لها مستقلا عن ضرتها إن وجدت أو أيا من أهله أو اقرباؤه إلا برضاها.
  - بالنسبة للتفريق، أجاز هذا التعديل للمرأة طلب التفريق عن زوجها للضرر أو للشقاق الذي فرق بينهما، كل منهما بمادة.

  - أورد في المادة 43 بند ثانيا نصا لم تعرفه القواعد الفقهية والذي أجاز للزوجة قبل الدخول حق طلب التفريق عن زوجها بدون سبب على أن ترد له ما قدم لها من مهر وهدايا ومصاريف. كما أجاز للزوجة الكارهة لزوجها طلب الخلع أو التفريق الاختياري أما المحكمة.
  - في مسألة الحضانة، راعى التعديل التغيرات التي حصلت عليها المرأة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وزاد من مدة حضانتها لولدها الى ما يزيد عن الخمسة عشر عاما، لانها هي الاصلح والانسب في نشأة وتربية الأولاد.
  - بالنسبة للإرث، أخذ التعديل أفضل ما في المذاهب والأكثر تطورا في تحديد الأنصبة الشرعية الذي بموجبه تستحق البنت الوحيدة أو البنات في حالة عدم وجود الولد باقي التركة، وبذلك أصبحت البنت تحجب غيرها كالولد تماما، ثم صدر تعديلا آخر في عام 1983 أعتبر فيه الأخت الشقيقة بحكم الأخ الشقيق في الحجب.

  هذه التعديلات وان حققت ميزات للمرأة وتوافقا دينيا ومذهبيا لكل الأديان والمذاهب في إطار قانون مدني موحد لكل العراقيين والتي حسنت نوعا ما من وضع المرأة بعد ان كانت القوانين تخضع المرأة وتضفي الشرعية لاستخدام المزيد من العنف والتمييز ضدها الإ انها لم تحقق مطامح المرأة، حيث لازالت هناك الكثير من النصوص القانونية التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان ومع القواعد، فضلا عن تعارضها مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع التمييز بين الجنسين، لذلك فأن مسؤولية الدولة والمنظمات النسائية هو المطالبة بإعادة العمل وفق أحكام قانون الأحوال الشخصية الموحد وإلغاء العمل بنص المادة 41 من الدستور وعدم الرجوع الى القوانين والتشريعات التي لا تنصف المرأة، ولعل القرار المرقم 137 الذي تم الغاؤه أفضل دليل على خطر استبدال قانون الأحوال الشخصية بالشريعة بما لا يتناسب ووضع المرأة في الكثير من الدول المتقدمة والمتحضرة.