الوقائع المأساوية لموت الشمس

د. ميشيا حنا

 

 

  يبلغ عمر شمسنا نحو 4.57 مليار سنة ، وهذا يعني انها في منتصف عمرها تقريبا ! فنجم مثل شمسنا يبلغ متوسط عمره نحو عشرة مليارات سنة . وتقوم الشمس في كل ثانية بتحويل 4 ملايين طن من مادتها الى طاقة في عملية تحويل الهيدروجين الى هيليوم . وبهذا المعدل تكون الشمس حتى الأن قد حرقت مادة تساوي كتلتها مائة ضعف كتلة كوكب الارض . بالتأكيد سيأتي اليوم الذي سيحدث عندئذ . وكيف يكون أثر ذلك في مجموعتنا الشمسة ؟ يعتقد الفلكيون ان المجموعة الشمسية كما نعرفها سوف تستمر بشكلها الحالي لمليار عام اخرى ، حين تبدأ الشمس في الانهيار في طريقها للأنطفاء ، إلا أنه قبل ان يحدث هذا فإن هناك بعض التغيرات الأخرى التي ستحدث . بالنسبة لكوكب المريخ . فإن ميل مداره الحالي يتأرجح بين 15 و 35 درجة.

  ولكن الحسابات الفلكية تشير الى أنه منذ خمسة ملايين سنة كان ميل المدار يتأرجح بين 25 و 45 درجة . وهذا يشير الى أنه بعد خمسة ملايين عام أخرى سيكون ميل المدار قد تغير مرة اخرى . وميل مدار كوكب ما يشير إلى كمية الضوء والحرارة التي تصل إلى الاجزاء تغييرات عنيفة في المناخ على الكوكب. ويؤدي تغيير ميل مدار المريخ أيضا إلى خفض مدار دوران قمره فوبوس بمقدار 1.8 متر في القرن، وبإستمرار هذا يسكون مصير فوبوس خلال من 30 الى 80 مليون سنة الإصطدام بسطح الكوكب، أو التفتت الى صخور صغيرة تشكل حلقة حول المريخ.

  بالنسبة لزحل فليس من المتوقع أن تعيش حلقاته اكثر من 300 مليون عام اخرى، حيث ستؤدي جاذبية أقمار الكوكب إلى سحب الأجسام التي تدور في الجزء الخارجي من الحلقات، بينما ستتكفل جاذبية الكوكب نفسه بجذب الباقي،ليصبح زحل من دون حلقات! أما نبتون، فهناك مشكلة اخرى خاصة بقمره ترايتون، حيث يتقهقر مدار القمر بالنسبة لكوكبه بإستمرار، الى أن يصل الى بُعد معين يتجاوز فيه في المسافة ما يسمى بحد روش Roche limit ، وعندها سيتفتت القمر بواسطة القوى المد - جزرية الخاصة بنبتون، وبالتالي ستتكون حلقة حول الكوكب، ويقدر الفلكيون أن هذا سيحدث ما بين 1.4 و 3.5 مليار سنة! من الأمور غير المستقرة في المجموعة الشمسية أيضا موقع الكوكب بلوتو، فلأن هناك رنيناً مدارياً بين مداري كل من بلوتو ونبتون، يصبح من المستحيل على الفلكيين تحديد موضع بلوتو بدقة لما هو أبعد من 20 مليون سنة في المستقبل!


  حسنا دعونا ننظر الأن نظرة أكثر شمولية لمستقبل المجموعة الشمسية. في ما يلي الجدول الزمني للأحداث المتوقعة: من 1.2 إلى 3.5 مليار سنة من الأن: ستشيخ الشمس وتزداد بريقا بنسبة 10 بالمائة كل مليار سنة، وسيزيد مستوى الاشعاع الذي تطلقه، وسيؤثر هذا الأمر في الحياة على الارض بالتدريج إلى أن تفنى الحياة عليها وتصبح كوكباً مهجوراً، وقد تصبح الحياة ممكنة فقط في اعماق المحيطات . وفي خلال 3.5 مليار سنة ستصبح الظروف البيئية على الأرض مشابهة لما هي عليه الحال على كوكب الزهرة الأن. عندها ستبدأ المحيطات في الغليان ولن تصبح الحياة ممكنة حتى في اعماق المحيطات، وستصبح كل أشكال الحياة مستحيلة، حيث سترتفع درجة الحرارة لدرجة أن الارض ستفقد غلافها الجوي.في ذلك الوقت سترتفع درجة الحرارة على سطح المريخ لتذيب الجليد عند قطبيه، وعندها ستصبح الظروف المناخية على المريخ مناسبة للحياة، وسيحدث ذلك بين 1.4 و 2.5 مليار سنة.


  5 مليارات سنة: سينفد الهيدروجين في قلب الشمس، فتبدأ الشمس في الاعتماد على الهيدروجين الموجود في طبقاتها السطحية الأقل كثافة وسيؤدي هذا الى تمدد الشمس وتضخمها لأكثر من 80 ضعف قطرها الاصلي! لتصل إلى ما يسمى بالعملاق الأحمر، وسيؤدي هذا الى منحهامظهرا باهتا بسبب الازدياد الهائل في مساحة سطحها، وستبرد درجة حرارتها إلى حد كبير أيضا . وبينما تتمدد الشمس، ستلتهم في طريقها كوكب عطارد، لكنها لن تصل إلى الزهرة والأرض . وحيث إن الشمس ستكون قد فقدت نحو 28% من كتلتها، فستقل جاذبيتها، وهذا سيدع بالزهرة والأرض الى مدرات ابعد، وسيكون سطح الأرض عبارة عن مجرد طين ساخن بلا حياة ومن دون غلاف جوي . في ذلك الوقت ستكون أقمار المشتري وزحل - خاصة تيتان ويوروبا - قد سخنت بما فيه الكفاية لإذابة ثلوجها المتجمدة، ولتصبح صالحة لاستقبال الحياة بعد مرحلة التضخم التي مرت بها الشمس، سيسقط الهيليوم الذي تحول اليه الهيدروجين في التفاعل الاندماجي الذي يحدث في الشمس إلى قلب الشمس ستنكمش الشمس إلى حجم أكبر قليلا من حجمها الاصلي، وستزداد الكثافة إلى الحد الذي يسمح لجزيئات الهيليوم بالاندماج معا لتكون ذرات الكربون. ستزداد درجة الحرارة والضغط داخل المركز، وسيستغرق الهيليوم 10 ملايين سنة فقط ليندمج معا، وستعود الشمس إلى حرق مخزونها المتبقي في الطبقات السطحية، وستعود مرة اخرى الى مرحلة العملاق الأحمر، ستدوم هذه المرحلة مائة مليون عام اخرى، وبعدها ستنفصل الطبقة الخارجية للشمس، اذ ستطلق الشمس كمية هائلة من المادةالى الفضاء على شكل سديم، إذا كان حجم الشمس أكبر من هذا لكانت قد مرت هنا بمرحلة النجم المتفجر ( السوبرنوفا )، إلا أنها ستكتفي بهذا الحادث، مع اطلاق رياح شمسية عاتية، إلا ان هذه الرياح لن تكون كافية لتدمير الارض تماما.

  ستتحول الشمس الأن الى قزم أبيض منكمش وساخن وذي كثافة عالية جداً. صحيح أن الشمس ستكون قد فقدت نحو نصف كتلتها الأصلية، إلا أنها ستكون بحجم مقارب لحجم الأرض، مما يجعل الكثافة عالية بشكل غير عادي، وستظهر الشمس في ذلك الحين من الارض كنقطة من الضوء مماثلة في الحجم لحجم كوكب الزهرة كما يُرى من الأرض. إلا ان هذه البقعة الضوئية سيكون لها ضوء يساوي نحو مائة ضعف الضوء الحالي للشمس. في ذلك الوقت ستكون جاذبية الشمس قد قلت، والكواكب قد صارت في مدارات أبعد. سيكون عطارد قد توقف عن الوجود منذ وقت طويل.

  الزهرة ستكون في مدار مقارب لمدار المريخ الحالي، وباقي الكواكب أيضا تكون قد غيرت أماكنها جذريا. ستكون الكواكب مجرد أجسام متجمدة وهشة وميتة تدور حول نجمها المحتضر، وستقل سرعة الدورانايضا بسبب الانتقال إلى مدارات أبعد. بعد ملياري سنة اخرى سيكون الكربون الذ تكون في قلب الشمس قد تحول الى الصورة الكريستالية، أي أن الشمس ستتحول إلى ماسة كونية لامعه هائلة الحجم، نصب تذكار هائل ينعى عالما كان ينبض بالحركة والحياة.