الكتابة ومراحل تطورها

رعد جبار صالح

 

   ان اعظم ما ابتكره الانسان في منتصف الالف الرابع قبل الميلاد هو نظام الكتابة حيث كان عاملاً مهما في التقريب بين الناس المتباعدين فسهل وسيلة الجمع والتعاون بين الاقوام بمبادلة الرسائل والكتب .ولاشك في ان الحضارة التي ازدهرت في بلاد سومر واكد لم تتكون وتزدهر لولا أكتشاف الكتابة، كما ان المعلومات التي توصل اليها الباحثون في مدى تقدم تلك الحضارة ماكانت لتتوفر لولا وجود الكتابة التي سجلت مأثر تلك الاقوام من علوم وطقوس وشرائع وعقود ورسائل وما الى ذلك من نشاطات حضارية وثقافية اخرى.


  وللكتابة ظروف ساعدت وحفزت على ظهورها نبعت من عوامل عديدة اهمها حاجة الانسان الى تسجيل الاحداث والمناسبات الهامة بالنسبة اليه نتيجة توسع افقه وتطور حياته وازدياد تعامله ومشاغله التي تنسيه القول الغير مكتوب .


  وازدياد السفر وتوسع التجارة التي كانت من اهم الوسائل في نقل طباع وعادات وثقافات الشعوب اضافة الى كون التجارة عملية بيع وشراء ومقايضة تحتاج الى تسجيل مستمر ورغم ان التجارة كانت السبب الاول في ظهور الكتابة بقصد تسهيل مهمات البيع والشراء الا ان العامل الديني كان الموطد لهذا الاساس ...فقد تبنى الكهنة الكتابة واعتبرها الناس سرا غامضا من اسرار الحياة حيث استخدمت لتسجيل الاحداث الدينية كقضايا الزواج والطلاق ومسائل الصلاة ومختلف العبادات كما انها صارت الطريق الموصل الى المناصب الحكومية والكهنوتية اضافة الى عوامل اخرى كالاستقرار والهدوء الذي عاشه الانسان انذاك والذي جعله يتمكن من التفكير جليا في عمله وتامله واخراجه بالشكل الاحسن .


  الكتابة الصورية لم يجد الانسان اسهل واوضح من الصورة ليعبر بها عن الشيء المراد كتابته او الكامة المطلوب التعبير عنها فلكتابة سمكة ترسم صورة لها ولكتابة ثور ترسم صورة لرأسه او لقرنيه او صورة سنبلة لكتابة قمح وكانت بعض الاشكال تدل على الافعال فصورة قدم تدل على الحركة وصورة رجل بيده سنارة صيد يعني الذهاب الى الصيد.
 

  واقدم كتابة صورية عثر عليها كانت لوح حجري يعود الى مدينة لكش ووجد شبيهه في العقير والوركاء وكانت الواح طينية رسمت بقلم مثلث النهاية معمول على الاغلب من القصب او الخشب ونتيجة لعدد الصور الكبير وصعوبة رسم كل صورة مشابهه لاصلها هذبت واختزلت الكتابة الصورية فظهرت الكتابة الرمزية.
 

  الكتابة الرمزية تعتمد الكتابة الرمزية على استخدام رسم الادوات والاشكال للدلالة على شيء مرتبط بها والمقصود هنا بالرمز هو الرمز المعنوي للصورة لا الرمز الناتج عن الحذف والتغير فرسم صورة رجل يده في فمه ترمز الى الجوع وصورة الشمس ترمز الى النهار وصورة النجمة ترمز الى الليل وصورة الاسد ترمز الى القوة والسيادة .
ومن هنا نلاحظ الفرق الواضح بين الكتابة الصورية والرمزية من حيث الربط بين الصورة والمعنى . ولما كانت هذه الاشكال رموزا او علامات وليست صورا تامة للمعاني المقصودة فقد مهدت لتبسيط الكتابات الصورية الى الاحرف الهجائية (ويتفق اغلب العلماء على انها كانت الاصل للحروف الهجائية الفينيقية حيث وجد مايقرب من الثلاثمائة اثر لهذه الكتابة وعلى الحجر في كل من مصر واسبانيا وحوض البحر الابيض المتوسط.)
 

  الكتابة المقطعية او الصوتية لما كانت الكتابة الصورية غير قادرة في التعبير عن الافكار المجردة او عن الصيغ المختلفة للفعل .استعملت علامات للتعبير عن الوحدة الصوتية اي تهيئة كلمات لاعلاقة لها بالصور وقد تحقق ذلك عن طريق هذه الكتابة للتعبير عن الافكارالمجردة وصيغ الافعال.


  ففي هذه المرحلة بدات الكلمة الواحدة تتكون من عدة مقاطع يجمعها لفظ معين ،فلكتابة كلمة (يدخل)مثلا والتي تتكون من مقطعين هما (يد)و(خل)ترسم صورة يد اولا لاتدل على معنى اليد وانما على صوتها ثم يرسم الجزء الثاني وبذلك تتكون كلمة واحدة متكونة من صورتين لاعلاقة بينهما غير رابطة اعطاء صوت واحد عند اجتماعهما في الكلمة المطلوبة بعد ذلك قد تطورت المرحلة هذه من الكتابة واصبحت الصورة ترمز الى حرف واحدلا مقطع فلكتابة كلمة (عدو) مثلا التي تتكون من ثلاثة حروف ترسم صورلعصفور ودب وصورة وردة ومن لفظ اصوات هذه الصور يتكون صوت عدو.


  الكتابة الهجائية اقدم مااكتشف من كتابة هجائية كان في سيناء يعود تاريخها الى 2500سنة ق.م.وترجع الى الفينيقين الذين تمكنوا من اختزال الكتابة الهيروغلوفية (المصرية القديمة) التي تشير الى المعاني ومقاطع الصوت بصور واشارات واكتفوا بالحروف الاولى من اسماء الصور فتكونت عندهم مجموعة من الحروف كونت الابجدية الاولى والتي علموها الى من عاصرهم كاليونان والكلدان وانتقلت منهم الى مناطق كثيرة من العالم بواسطة اسطولهم التجاري وابحارهم مما ادى الى تطويرها وتنوع حروفها الهجائية.