قصـد اللـه نحـو كنيستـه 

 

  ان الكنيسة هي وسيلة الله التي يستخدمها لأجل خلاص الناس . لقد نظمت لأجل الخدمة ، ورسالتها هي حمل الأنجيل للعالم . ولقد كان تدبير الله منذ البدء انه عن طريق كنيسته ينعكس على العالم ملؤه وكفايته .وأعضاء الكنيسة الذين دعاهم من الظلمة الى نوره العجيب عليهم أن يعلنوا مجده . أن الكنيسة هي مستودع غنى نعمة المسيح وبواسطة الكنيسة سيظهر أخيراً عند "الرؤساء والسلاطين في السماويات" الأعلان الأخير الكامل لمحبة الله .
ما أكثر المواعيد العجيبة والمدونة في الكتاب عن الكنيسة : "بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب" ( افسس 3:10 ، أشعياء 65 : 7 ) . " واجعلهم وما حول اكمتي بركة وأنزل عليهم المطر في وقته فتكون أمطار بركة " . وأقيم لهم غرساً لصيتٍ فلا يكونون بعد مفنيي الجوع في الأرض ولا يحملون بعد تعيير الأمم . فيعلمون أني أنا الرب الههم معهم وهم شعبي بيت أسرائيل يقول السيد الرب . وأنتم يا غنمي غنم مرعاي أناس أنتم . انا الهكم يقول السيد الرب " ( حزقيال 34 : 26 ، 29 ـ 31 ) .


  أنتم شهودي يقول الرب وعبدي الذي اخترته لكي تعرفوا وتؤمنوا بي وتفهموا اني أنا هو . قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون . أنا الرب وليس غيري مخلص . أنا أخبرت و خلصت وأعلمت وليس بينكم غريب وأنتم شهودي " . " أنا الرب قد دعوتك بالبر فامسك بيدك واحفظك واجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة " ( اشعيا 43 : 10 - 12 ، 6 و7 ) .
في وقت القبول استجبتك وفي يوم الخلاص اعنتك . فاحفظك و أجعلك عهداً للشعب لاقامة الأرض لتمليك املاك البراري قائلاً للأسرى أخرجوا للذين في الظلام أظهروا . على الطرق يرعون وفي كل الهضاب مرعاهم . لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضربهم حر ولا شمس لأن الذي يرحمهم يهديهم والى ينابيع المياه يوردهم . واجعل كل جبالي طريقاً ومناهجي ترتفع ...
 

  " ترنمي أيتها السموات وأبتهجي أيتها الأرض . لتنشد الجبال بالترنم لأن الرب قد عزى شعبه وعلى بائسيه يترحم . وقالت صهيون قد تركني الرب وسيدي نسيني . هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم أبن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك . هوذا على كفي نقشتك . أساورك امامي دائماً ( أشعيا 49 : 8 - 16 ) .
 

  أن كنيسة الله هي حصنه ومدينة ملجأه التي يقيمها ويثبتها في عالم متمرد. ان كل خيانة من الكنيسة هي خيانة لذاك الذي قد اشترى البشرية بدم ابنه الوحيد . فمنذ البدء تكونت الكنيسة على الأرض من النفوس الأمينة . وفي كل عصر كان للرب شهوده الذين قدموا شهادة أمينة للجيل الذي عاشوا فيه . فهؤلاء الحراس قدموا رسالة الأنذار ، وعندما دعوا ليلقوا عنهم سلاحهم اضطلع غيرهم بالعمل . لقد جعل الله هؤلاء الشهود يدخلون في عهد معه اذ وحد الكنيسة على الأرض وبين الكنيسة في السماء . لقد أرسل ملائكته ليخدموا كنيسته . وأبواب الجحيم لم تقو على شعبه.


  فخلال عصور الأضطهاد والظلام دعم الله كنيسته ورعاها . فلم تعكر صفوها سحابة واحدة لم يكن هو قد أعد المخرج والحل لها ، ولم تسع أي قوة مضادة لتعرقل عمله الا وراَها هو مسبقاً. لقد حدث كل شيء كما حدث هو وأنبأ به . أنه لم يترك كنيسته مهجورة ، بل تتبع الأحداث باعلانات نبوية ، وما الهم به الروح القدوس أنبياءه أن يعلنوه للناس قد تم فعلاً. ان كل مقاصده ستتحقق لأن شريعته مرتبطة بعرشه ولا يمكن لأية قوة من قوات الشر ان تلاشيها. ان الله هو الذي يوحي بالحق وهو الذي يحرسه ويهيمن عليه وسينتصر على كل مقاومة أو تحدٍ.


  وفي غضون عصور الظلمة الروحية كانت كنيسة الله بمثابة مدينة موضوعة على جبل . ومن جيل الى جيل على مدى العصور المتعاقبة كانت تعاليم السماء النقية تنكشف للناس من داخل حدود الكنيسة. ومع ان الكنيسة قد تبدو واهنة او ناقصة فأنها محط رعاية الله والشيء الوحيد الذي يمنحه اعتباراً وتقديراً عظيماً بمعنى خاص. انها المجال الذي يظهر فيه نعمته والذي فيه يسر بأظهار قدرته على تغيير القلوب . لقد تساءل المسيح قائلاً " بماذا نشبه ملكوت السماء؟ أو بأي مثل نمثله؟" ( مرقس 4 : 30 ). انه لم يستطع أن يشـبهه بممالك العالم. وفي المجتمع لم يجد شيئاً يمثله به . أن الممالك الأرضية تحكم بسلطة القوة المادية، أما ملكوت المسيح فيستبعد منه كل سلاح مادي وكل معدات القهر و الارغام. هذا الملكوت يرفع من شأن البشرية الى مراقي النبل والكرامة. ان كنيسة الله هي دار الحياة المقدسة المليئة بمواهب كثيرة ومختلفة، وهي مزودة بالروح القدس. وأعضاؤها يجدون سعادتهم في أسعاد من يعينونهم ويباركونهم.


  ان العمل الذي يقصد الرب ان يتممه بواسطة كنيسته لمجد اسمه هو عمل عجيب حقاً . والنبي حزقيال يقدم لنا في الرؤيا التي راَها على النهر الشافي صورة لهذا العمل فيقول: " هذه المياه خارجة الى الدائرة الشرقية وتنزل الى العربة وتذهب الى البحر. الى البحر هي خارجة فتفشي المياه. ويكون ان كل نفس حية تدب حيثما يأتي النهران تحيا ... وعلى النهر ينبت على شاطئه من هنا ومن هناك كل شجر للأكل لا يذبل ورقه ولا ينقطع ثمره. كل شهر يبكر لأن مياهه خارجة من المقدس ويكون ثمره للأكل وورقه للدواء " (حزقيال 47 : 8 ـ 12 ).


  ان الله قد عمل من البدء بواسطة شعبه لجلب البركة الى العالم. لقد جعل يوسف نبع حياة الدولة المصرية القديمة .فبواسطة استقامة يوسف حفظت الحياة ذلك الشعب كله .وبواسطة دانيال انقذ الله حياة كل حكماء بابل. وأختبارات الانقاذ هذه هي نماذج مرئية ودروس نتعلمها. انها توضح البركات الروحية المقدمة للعالم نتيجة الأرتباط بالله الذي كان يعبده يوسف ودانيال . وكل من يريد أن يعلن محبته للعالم هو عامل مع الله لمباركة الأنسانية. فأذ يقبل من المخلص نعمة ليشرك فيها الاَخرين سيفيض سيل من الحياة الروحية من كيانه العميم.


  لقد اختار الله اسرائيل قديماً لأعلان صفاته للناس وكان يريدهم أن يكونوا ينابيع خلاص العالم . وقد أستؤمنوا على أقوال السماء ، واعلان ارادته . وفي الأيام الأولى لشعب الله اضاعت أمم العالم معرفة الله بسبب أعمالهم و ممارستهم الفاسدة . كانوا قبلاً يعرفونه ، ولكنهم " لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي" ( رومية 1 : 21 ) . ومع ذلك فأن الله في رحمته لم يمحهم من الوجود. وقد قصد أن يعطيهم فرصة ليتعرفوا به من جديد عن طريق شعبه المختار . وبواسطة تعاليم الذبائح الكفارية كان المسيح سيرفع عالياً أمام الأمم حتى يحيا ويخلص كل من يلتفت اليه . لقد كان المسيح هو أساس النظام اليهودي القديم . فكل الطقوس والصور والرموز ما كانت الا نبوة دقيقة تعلن رسالة الأنجيل الذي تجلت فيه مواعيد الفداء بكل وضوح.


  ولكن غابت عن شعب الله أمتيازاتهم السامية كنواب عنه. فنسوا الله وأخفقوا في أتمام مأموريتهم المقدسة. والبركات التي نالوها لم تأت بأية بركة للعالم. فقد خصصوا كل أمتيازاتهم لتمجيد ذواتهم. ونفوا أنفسهم بعيداً عن العالم هروباً من التجربة . كما استخدموا النواهي التي بموجبها حرم الله عليهم معاشرة الوثنيين ليحول بينهم وبين التشبه بالأشرار الوثنيين في ممارساتهم، أستخدموها في أقامة سور يفصل  بينهم وبين الأمم الأخرى. فسلبوا الله من الخدمة التي طلبها منهم ، كما سلبوا بني جنسهم من الأرشاد الديني والمثال المقدس.


  كان الكهنة والرؤساء قد أعتادوا على روتين الطقوس وأكتفوا بحرية الدين . لذلك أستحال عليهم أن يقدموا للاَخرين حقائق السماء الحية وقد تصوروا أن برهم الذاتي فيه الكفاية ولم يرغبوا في ادخال عنصر جديد في دينهم. لم يقبلوا أرادة الله الصالحة نحو الناس كأنها شيء خارج ومنفصل عنهم ولكنهم قرنوها باستحقاقهم بسبب أعمالهم الصالحة. ان الايمان العامل بالمحبة والذي يطهر النفس لم يجد مجالاً أو مكاناً في ديانة الفريسيين المكونة من طقوس ووصايا الناس.


  لقد أعلن الله عن شعبه قائلاً: " وأنا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها . فكيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة؟ "( ارميا 2 :21 )." أسرائيل جفنة ممتدة يخرج ثمراً لنفسه" ( هوشع 10 : 1 ). " والأن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا احكموا بيني وبين كرمي. ماذا يصنع أيضا لكرمي وأنا لم أصنعه له ؟ لماذا أذ أنتظرت أن يصنع عنباً صنع عنباً رديئاً ؟ والأن أعرفكم ماذا أصنع بكرمي. أنزع سياجه فيصير للرعي. أهدم جدرانه فيصير للدوس . وأجعله خراباً لا يقضب ولا ينقب فيطلع شوك وحسك وأوصي الغيم أن لا يمطر عليه مطراً. أن كرم رب الجنود هو بيت أسرائيل وغرس لذته رجال يهوذا فانتظر حقاً فاذا سفك دم وعدلاً فاذا صراخ " ( اشعيا 5 : 3 ـ 7 ). " المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم" (حزقيال 34 : 4 ). لقد ظن رؤساء اليهود أنهم أحكم من أن يحتاجوا الى تعليم، وأكثر براً من أن يحتاجوا الى خلاص، وأنهم حاصلون على كرامة عظيمة بحيث لا يحتاجون الى الكرامة التي تأتي من المسيح. وقد تركهم المخلص ليستودع الأمتيازات التي قد أساؤوا استخدامها والعمل الذي احتقروه بين يدي قوم اَخرين. لابد من أن يعلن مجد الله، و لابد من أن يثبت كلامه. و لابد من اقامة ملكوت المسيح في العالم. وينبغي أن يعرف سكان مدن العالم بخلاص الله، وقد دعي التلاميذ ليقوموا بالعمل الذي أخفق رؤساء اليهود في أنجازه.
 

 


المصادر : -
1-أعمال الرسل في أعلان أنجيل يسوع المسيح تأليف : الن هوايت