الصوم الكبير - سالي عبدالسلام يوسف أكزير
الصوم هو انتقال
من حياة حسب الجسد تعتمد على المادة والطعام، الى حياة حسب الروح يكون فيها
الله هو مصدر شبع الانسان وكل حياته، فاذا صام الانسان وجاع واكتشف انه راض
ومستقر رغم الجوع، وحول هذا الجوع الى طاقة روحية وانتصار وذلك من خلال سر
الافخارستيا اي التناول من جسد الرب ودمه، فهو بذلك يؤكد حقيقة انه (ليس بالخبز
وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله).
والصوم يكون مصحوباً بالتوبة والاعتراف بالخطيئة والتناول من الاسرار
المقدسة حتى نثبت في الله وهو يثبت فينا، ويكون الصوم مصحوباً بالصلاة والقراءة
في الكتاب المقدس والكتب الروحية وسيرة القديسين كما قال الكتاب المقدس (اهتموا
بالوسائط الروحية لبنيانكم وعيشوا كما يحق لانجيل المسيح).
والصوم ليس هدفاً في حد ذاته بل هو مجال لممارسة الفضائل الروحية مثل الصلاة
والتأمل ومحبة العطاء والرحمة واحتقار اباطيل العالم، وفضلاً عن البركات
الروحية للصوم.
في الجنة كان الصوم هو أول وصية سلمها الله للبشرية حينما امر آدم وحواء
بالامتناع عن الاكل من شجرة معرفة الخير والشر، اذ كسر آدم الوصية طرد من
الفردوس حتى جاء آدم الثاني (يسوع المسيح)، وكان الصوم هو أول عمل قام به بعد
العماد وقبل ان يبدأ عملها الكرازي، وذلك حتى يكسرشوكة الموت ويعيد الانسان الى
الفردوس الاول الذي فقده.
تهدف الكنيسة من الصوم الكبير ان يستعد المؤمنين بالحياة الروحية العميقة وسمو
النفس لاستقبال اسبوع الالام وعيد القيامة اللذان يأتيان في ختام الصوم المقدس.
ان الصوم هو فترة نمو روحي ومن لايشعر بذلك فان مرجعه الى ان صومه تم بطريقة
خاطئة فهو ام جسداني لاروح فيه واما اتخاذه غاية في ذاته بينما هو وسيلة توصل
الى الغاية، والغاية هي اعطاء الفرصة للروح.
وللشعور بلذة وحلاوة الصوم يجب ان يقترن بالصلاة والصدق والعمل بكل الوصايا
وبهذا يعظم انتصارنا بالذي احبنا..
ان الانسان الذي يحدد لنفسه تدريب روحي في بداية الصوم ولكنه لايستطسع
تنفيذه عليه ان يجاهد ولاييأس ويعلم ان الصوم فترة حروب روحية كما حدث للسيد
المسيح وهي ايضاً فترة انتصار لمن يشترك مع المسيح في حربه، ولان الشيطان عندما
يرى صوم الانسان وتوبته يحسد عمله الروحي فيحاربه ليفقده ثمرة عمله، لذلك على
الانسان ان يبدأ تدريبه الروحي من جديد.
لذلك يعد الصوم الكبير من الازمنة الاكثر اهمية في السنة الكنسية لانه فترة
للتوبة، واتخاذ وقفة والتفكير في حياتنا وعلاقتنا لنستكشف ونغير مايلزم تغييره
ولنتحضر لعيد الفصح ونشهد التجدد الروحي، لذا فنحن نتخذ المسيح مثالاً لنا في
الصوم الكبير عن طريق التضحية وتقديم انفسنا لخدمة الرب الهنا...