الصهاريج في دير مار متى/ جبل مقلوب - الهيدروجيولوجي عبدالاله جميل حاوا
إنتشر إنشاء الصهاريج في العراق وخاصة في
المناطق الجبلية والتي تقع في المنطقة الشمالية منذ القرن الخامس للميلاد. وهي
عبارة عن كهوف إصطناعية تحفر في قلب الطبقات لصخرية الغير نفاذة وخاصة في
الصخور الكلسية والدولوميتية الصماء ذات التشققات القليلة أو المعدومة، وتملأ
هذه الكهوف عن طريق نجميع مياه الأمطار والسيول بواسطة قنوات سطحية أو مغطات.
ومن أشهر هذه الصهاريج في وادي الرافدين صهاريج جبل مقلوب. وإن هذا الموقع له
أهمية بالغة من الناحية التاريخية وتوفير المورد المائي للإستهلاك البشري
والزراعة والإستخدامات الأخرى لعدم توفر أي مصدر مائي آخر في المنطقة.
إن دير مار متى من الأماكن الأثرية التاريخية
و من المزارات الدينية، ويعتبر من أشهر أديرة بلاد المشرق وأقدمها، يقصده الناس
من جميع أطراف العراق ويؤمه السياح من مختلف جهات الدنيا. وقد تأسس هذا الدير
في القرن الرابع الميلادي، وعصره الذهبي كان في القرن الخامس الميلادي. يقع في
محافظة نينوى شمال شرق الموصل بحوالي 30كم ويرتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي
700م وعن سفح الجبل 400م، مشيد على جبل يطلق عليه جبل (الفاف) وهي كلمة سريانية
تعني الألوف، وكذلك أُطلق عليه جبل مقلوب نسبة إلى الطيات الصخرية الملتوية
بدرجات عالية.
إن طية جبل مقلوب غير متناظرة ، يميل الطرف الجنوبي الغربي والطرف الشمالي
الشرقي بمعدل (52) درجة، (20) درجة وتعتبر طية مقلوب إسطوانية، والتي تشاهد في
منحدراته هاوية متناسقة بشكل رائع تكثر فيه الوديان والمنعطفات والمغاور
والكهوف الكارستية.
لقد تم إكتشاف خمسة صهاريج في هذه المنطقة،
ويستغل واحد منها والأخرى مهملة وذلك لقلّة إمكانية جمع المياه بكميات كبيرة
وخزنها. تستخدم المياه من هذا الصهريج لأغراض الشرب والإحتياجات المنزلية
الأخرى حيث تجمع المياه فيها من عين الجنينة حالياً وليس من مياه الأمطار. سعة
الخزان المستثمر حالياً حوالي 500 متر مكعب، وحجم الصهاريج الخمسة تقارب 1250
متر مكعب.
أما تصميم الصهاريج في هذا الجبل، كما موضح
في الشكل المرفق، تبدأ بقناة طولها 500م، محفورة من إمتداد جبل مقلوب. 200م
منها محفور بطبقة ترابية ويليه 56 متر قناة مغطاة بالحجارة للحفاظ على القناة
من الترسبات والإنجرافات من أعالي الجبل، تليه قناة مفتوحة طولها 10م وبنفس
العمق والعرض، وتليه مباشرة قناة مغلقة طولها 18م وعرضها 40سم.
وتستمر هذه القناة بقناة مفتوحة إلى سياج الدير وتختفي وتظهر في الجهة الأخرى
إلى داخل حوض كبير عمقه 8م ويسمى بحوض الترسيب ومنه تتفرع بقناتين إحداهما إلى
الصهريج رقم (1) والأخرى إلى حوض ترسيب ثانٍ والذي بدوره يتفرع منه قناتين
أولهما إلى الصهريج رقم (2) والأخرى إلى حوض الترسيب رقم (3) ... وهكذا.
والصهريج أو ما يدعى بالقسطل يحفر على شكل
مخروطي ويتم حفره من فوق إلى أسفل، والهدف منه هو تخزين مياه الأمطار والسيول
في مواسم لسقوط الأمطار وخزنها وإستعمالها في أوقات الصيف.
وإستناداً إلى رأي المؤلف مار أغناطيوس يعقوب
الثالث في كتابه "دفقات الطيب في تاريخ القديس مار متى عام 1961" بأن مياه
الصهاريج هذه كانت تكفي لـ 10 آلاف نسمة و7 آلاف رأساً من الأغنام، علماً أن
الدفعات الأولى من ماء المطر الداخل إلأى الصهاريج كانت تستعمل للتنظيف فقط.
ومن الجدير بالذكر إن الصهاريج كانت تصان سنوياً من الأتربة والأوساخ، وقد تم
إكتشاف 4 قساطل في هذا الجبل حتى الآن ومنها: قسطل الشرب _ قسطل الغنم _ قسطل
الحجية، وقد عُثر مؤخراً على قسطل يدعى الجب لأنه مشابه بتصميمه لبئر يدوي.
طريقة إستغلال المياه من القساطل قديماً عن
طريق الفوهة العليا بواسطة الدلو، وينقل على ظهر الحيوانات إلى داخل الدير. أما
حديثاً فقد تم وضع أنبوب جانبي في أسفل القسطل ويوزع إلى داخل الدير بدون ضخ.
وقد تم إجراء بعض التحاليل الكيميائية والبكتريولوجية لماء الصهاريج من خزان
الدير فتبين بأن الماء صالح للشرب من ناحية تركيز الأملاح المذابة وآيوناتها
وكذلك من ناحية تلوثها.
إن هذه المقالة جاءت عن دراسة قمتُ بها عام
1985 في مشروع دراسة وتطوير الصهاريج في العراق والمدعومة من قبل المكتب
الإقليمي للعلوم والتكنولوجيا للدول العربية "اليونسكو".