طبيعة العلاقة بين أكاسرة الفرس وأباطرة الروم وإنعكاساتها على المسيحية في الشرق

 

 ((إنطلقوا فتلمذوا الناس وإنشروا بشارتي في أقطار الارض وعمذوا الناس بأسم الآب والابن والروح القدس))(1)،
كل ما هو معروف عن بدء المسيحية في دولة ألبرت ضئيل للغاية، ففي القرن الاول الميلادي انتشرت المسيحية عن طريق الشام وآسيا الصغرى، وفي حوالي سنة 100م كانت هناك جماعات مسيحية فيما وراء دجلة في أربل (اربيل)، وان كرخا بيت سلوخ (كركوك الحديثة بعد أربل من أولى القلاع القوية للمسيحية الشرقية).

موقف رجال الدين الزردشتيين من اتباع الديانات الاخرى:
كان رجال الدين الزردشتيين متعصبين، ومثار تعصبهم لم يكن دينهم بل كان لاسباب سياسية، فقد كان همهم استلام السيادة على الدولة في الداخل خاصة بعد ان تم القضاء على الدعوة المانوية. ولم يكن لليهود في بابل تأثير يهدد سلطتهم او كيان دولة أيران إلا أنهم كانوا عرضة للمضايقات حيث أرادوا ان يعفوا من الضرائب.
بالنسبة للنصارى كان الحال مختلفا، فعندما حلت الاسرة الساسانية مكان الاشكانيين، كان للجالية النصرانية مركز كبير في مدينة الرها وفي اثناء الحروب الكبيرة مع روما كانت جماعة من الاسرى قد أقامت في الجهات النائية في الدولة الايرانية كما كان ملك ايران في غزواته للشام ينقل في بعض الاحيان سكان مدينته او ناحيته ليسكنهم في داخل البلاد، وكان معظم هؤلاء السكان الجدد من النصارى، فأنتشرت النصرانية على نطاق ضيق في كل مكان.
بشكل عام عاش نصارى ايران في سلام بينما كانت الامبراطورية الرومانية وثنية، ولكن موقفهم تغير حين اعتنق قسطنطين (Costatin) الدين المسيحي فكان حينئذ على النصارى في ايران ان يتحملوا نتيجة جذب إستمالة دولة قوية لهم، دينها الرسمي هو دينهم. (2)

سابور الثاني ذو الاكتاف
كتب سابور لأمراء اقليم الارمن يقول: ((عندما تعلمون بأمرنا هذا نحن الآلهة الاخرين وهو في الدرج الذي بعثناه اليكم، فعليكم أن تقبضوا على سيمون رئيس النزاريين ولا تطلقوه مالم يوقع على هذه الوثيقة ويقبل ان يجمع جزية وغرامة مضاعفتين يؤديهما عن كل النزاريين الذين يعيشون في بلاد قداستنا والذين يسكنون في أراضينا لاننا نحن الآلهة الاخريين ليس لنا غير متاعب الحرب وهم ليس لهم غير الراحة والملذات، إنهم يسكنون بلادنا ويشاركون قيصر، عدونا المشاعر)). وقد سجن سيمون ورفض إطاعة امر كسرى، فأستشاط سابور غضبا عندما سمع بهذا وصاح قائلا: ((ان سيمون يريد أثارة اعوانه ليثوروا على الدولة ويخضعوها لرق قيصر الذي هو على دينه))، وبالرغم من ان سيمون استنكر أثناء استجوابه اتهامه بالخيانة العظمى، لكن تم اعدامه. هذه الحوادث كانت مقدمة لاول اضطهاد كبير وقع على النصارى في ايران، ففي سنة 362م نفي تسعة الاف مسيحي مع الاسقف هيليودور الى خوارزم. وقدر احد المؤرخين عدد ضحايا اضطهاد سابور بستة عشر الفا، و تروى اعمال الشهداء السريان الاضطهادات التي وقعت على النصارى والتي توالت على فترات معينة طوال قرنين. (3)

 يزدجرد الاول 399-421م
لم يكن أردشير خليفة سابور محبا للنصارى، وعلى عكسه جرى الملوك التالون منهم سابور الثالث وبهرام الرابع، على سياسة التقارب في علاقاتهم بالامبراطور. وفي اثناء حكم يزدجرد الاول والذي يشير اليه مصدر سرياني معاصر بأنه ((الملك الطيب الرحيم المبارك بين الملوك))، وكان يزدجرد قد أخذ تحت حمايته تيودس الثاني وهو طفل قاصر، علامة من علامات المجاملة التي ليس لها في الواقع قيمة عملية. وأمر الملك بضرورة وضع حد للنزاع بين الدولة ورعاياها النصارى ليعيشوا هادئين. كما ارسل وفدا برئاسة ماروثا أسقف ميافارقيين من قبل الامبرواطورية الرومانية الشرقية الى الملك يزدجرد. وبهذا ترك ماروثا بحسن مظهره أثراً حسنا في نفس الملك الذي أولاه ثقته. وبهذا أمر يزدجرد بأعادة بناء الكنائس المخربة وأطلاق سراح المسجونين بسبب عقيدتهم من النصارى، وسمح لرجال الدين المسيحي بالتجوال في كل مكان بالدولة. واضافة لذلك كان يزدجرد ينفذ قرارات المجمع الذي عقد في سلوقية بجانب المدائن برئاسة إسحق أسقف سلوقية. وبعد عدة سنوات من ذلك بعث ((يهب الله)) الخليفة الثاني إسحق الى القسطنطينية لاتمام الصلح بين الامبراطوريتين. إلا أن يزدجرد في أواخر حكمه غير سياسته تجاه النصارى بسبب تحديهم للرأي العام. بحيث لا مفر من معاملة النصارى بالمثل فتجرأ احد القساوسة ويدعى هاشو بهدم احد بيوت النار فقبض عليه مع الاسقف وأرسلا الى المدائن، وأعترف القسيس بذلك وتفوه بالفاظ عدائية، ورفض أمر الامبراطور كسرى بأعادة بناء بيت النار، فحكم عليه واعدم.
من ناحية أخرى عَيَّنَ مهر-نرسي عدو النصارى الصريح في وظيفة كبير الوزراء وهذا دليل على تغيير سلوك الملك تجاه النصارى.
وفي ايام بهرام أمر بسجن داد يشوع ولكن بفضل مساعي الامبراطور تيودس اطلق سراحه ثم عقد مجمع نادى بأستقلال كنيسة النصارى في ايران وحمل داد يشوع أعضاء المجمع للتصويت على ذلك، فلا يتهمهم احد بعد ذلك بالتآمر مع بيزنطة ضد الدولة الفارسية وبهذا وضع حد للأتهامات التي كان يتهم بها نصارى ايران او أي شغب من اي مصدر آخر.

 

 

المصــــــــــادر
(1) مختصر الاخبارالبيعية ص 31
(2) ايران في عهد الساسانيين أرثر كريستنس ص 254
(3) نفس المصدر (2) ص 255