لقاء
العدد
فنان
داخل غرفة - باغداسار ستراك ارجونيان
اذا زرت دار لرعاية
كبار السن لاي سبب كان، سيدور في ذهنك انك ستشاهد الكثير من الرجال
والنساء كبار السن الذين تعبوا من صخب هذه الدنيا وركنوا انفسهم اما
رغبة منهم او قسرا عنهم في غرف متواضعة توفر لهم حياة بسيطة هادئة. وقد
تلاحظ هنا او هناك من يقضي وقته ببعض الاعمال الخفيفة من خياطة وربما
مطالعة بعض الكتب، اما ان تفاجىء بغرفة لشخص مليئة جدرانها بكل اشكال
التحف الفنية من نحت على الحجر والمرمر والحفر على الخشب والنحاس وبعمل
دقيق وفني هذا ما ستتوقف عنده حتما وسيدفعك الفضول لتعرف من صاحبه وكيف
وصل الى هنا ولماذا.
زيارتنا الاولى للدار كانت للكشف على بعض اعمال الترميم والصيانة التي يشرف
عليها الديوان هناك، حينها تعرفنا لاول مرة على ضيفنا وتشكلت رغبة في
العودة للقاء به من جديد. عندما عدنا ثانية لهذه الدار استقبلنا
بالصدفة والابتسامة على وجهه بكامل أناقته قادما من الحديقة منتظراً
بعض من طلابه ليدرسهم وهو لا يعرف من نحن ولماذا اتينا...
بعد ان قابلنا ادراة الدار واطلعناهم على سبب الزيارة قاموا مشكورين
بتسهيل امرنا حيث وفروا الكهرباء وساعدونا في أستذكار الماضي (التأريخ)
والترجمة لبعض المفردات بين اللغتين الارمنية والعربية.
- سألناه بداية عن الاسم
والمواليد والحالة الاجتماعية.
- باغداسار ستراك ارجونيان، مواليد فان - ارمينيا 1912م، غير متزوج،
متقاعد
- كيف تركت بلدك الام ومتى وكيف
وصلت الى العراق؟
- سنة 1918 كانت الحرب العالمية الاولى وما حصل معها ومن بعدها من ظلم
ومذابح على الارمن هاجرت مع اهلي (ابي، امي، اخي وخواتي الاثنتين من
ارمينيا الى العراق عبر ايران واستقرينا قرب نهر عمر بعد ان ابعدهم
الانكليز اليها من جنوب شرق العراق خوفا عليهم من الاحداث سنة 1920.
درسنا داخل المخيمات (القراءة والكتابة والدين) اقام ايوان باشا لنا
مدرسة ابتدائية من الروضة وحتى الخامس.
- كيف بدأت العمل ومتى؟
- في سنة 1925 ذهبت الى عبادان في ايران و اشتغلت في مهنة البرادة حتى
سنة 1932 حيث سافرت الى لبنان لاكمل دراستي فيها في الثانوية الارمنية
وكانت مدة الدراسة 7 سنوات اكملتها في ست سنوات. وعدت العراق عن طريق
البصرة.
- ماذا عملت بعد عودتك الى
العراق؟
- بعد عودتي الى العراق اشتغلت مدرس لغة ارمنية وتأريخ ودين في مدرسة
ارمنية في المعقل (ماركيل) من بعدها ذهبت الى الموصل و عملت فيها مدرسا
لمدة 6 سنوات ثم الى كركوك حيث اصبحت مديرا لمدرسة الارمن لمدة سنتين
ثم عدت الى المعقل وعملت مدرسا لمدة سنتين ايضا. بعدها نقلت الى
الحبانية واشتغلت هناك معلما لمدة 16 سنة من سنة 1949 وحتى 1965.
- وصلت الى بغداد سنة 1965 وعملت مدرسا في الثانوية الارمنية في الباب
الشرقي قرب كنيسة الارمن هناك وبقيت فيها حتى العام 1979 حيث احلت على
التقاعد (الضمان الاجتماعي). كنت اسكن في شقة ايجار قرب القصر الابيض.
- هل تركت التدريس بعد التقاعد؟
- منذ العام 1980 وحتى اليوم انا أعطي دروس خصوصية مجانية مساعدة مني
للطلاب . في العام 1993 دخلت الى دار ريجينة كرابيت لرعاية الكبار
واليوم يأتي طلابي هنا لادرسهم.
- اذاً عملك في النحت والحفر
على الخشب لم يكن عن طريق الدراسة الاكاديمية؟
- بدأت كهواية واستمرت معي الى اليوم.
- متى عملت اول اعمالك الفنية
وماذا كان؟
- تقويم (رزنامة متحركة من الخشب والنحاس منضدية اكبر من حجم الكف
بقليل كانت اول اعمالي في عام 1940 وعملت معها بالحفر على حجر الحلان،
واخر عمل انجزته هذه السنة 2007 لوحة فنية تظهر صورتها هنا على اليسار.
- كل اعمل الفنان قريبة الى
قلبه ولها سبب او اثر من حياة الفنان، ما هو اقرب واعز عمل لقلبك
انجزته؟
- اشار الى لوحة كبيرة كالدرع من الخشب والنحاس منقوش عليها صور واحداث
لتأريخ الارمن معلقة في صدر الغرفة.
جدران الغرفة مقسومة الى نصفين في كل جهة معلق عليها لوحات واعمال
تمثل الاولى التأريخ الارميني وفي النصف الثاني تسلسل لتأريخ العراق.
عرضت عدة جهات على السيد ارجونيان ان تستثمر اعماله لكنه لم يوافق ان
تستغل مادياً. لكنه اهدى للكنيسة بعض من اعماله لتبقى هناك.
بعد ان اكملنا لقاءنا وجلسنا
نتطرق الى حديث عام فتح مضيفنا مكتبته ليرينا احد اعماله، كان صندوق
مربع خشبي متشابه من كل الجهات والحافات وطلب منا فتحه، وقال انه يفتح
بطريقة سرية (لغز) وبداخله حلوى تكون من نصيب من يعرف طريقة لفتح
الصندوق من دون استخدام القوة. نحن حصلنا على الحلوى ليس لاننا فتحنا
الصندون لكن لكرم مضيفنا بعد ان عجزنا عن فتح الصندوق.
في نهاية اللقاء ودعنا مضيفنا متمنين له دوام الصحة والموفقية،
ورغبتنا بالعودة مجدداً للدار لرؤية الاعمال الجديدة، حيث ان كبر عمر
الانسان ليس جاحر يقف ضد الانجاز اذا توفرت الارادة.
لمشاهدة بعض من اعمال الفنان
اضغط هنا |