من خلال قراءة التراث المندائي نجده يحتوي على كمّ هائل من الحكم الهادفة،
التي تدعو الإنسان إلى المثالية الواقعية، فنرى ذلك في
الأشعار والأمثال والكتب الدينية، وأكثر ما يتجلى في كتاب
(كنزا ربا)، فهناك فصل خاص دُوِّنت فيه حكم النبي يحي
(عليه السلام) وأمثاله. وقد قام بترجمتها الأستاذان نعيم
بدوي وغضبان الرومي من اللغة الآرامية إلى اللغة العربية،
فأضافا بذلك التراث العربي مادة أدبية وفكرية وعقيدية
تعبّر عن تجارب إنسانية هادفة، وعن فكر هادف ورائع ومبدع،
وهاكم ترجمتها:
بأسماء الحي العظيم ننير عقولكم وذكاءكم (خبرتكم) وعملكم
إن هذه الحكمة والوصايا هي ما أوصى به، وما قاله، وأمر به
يحي بن زكريا للمتعبدين، وأصحاب العهد المتعمدين،
والمتزهدين، وللأمة المجتمعة حوله، وهم الذين يبتغون التقى
والصلاح للإستنارة بكل العشائر، وهم كأخوة ملك تاجه مستقر
على رأسه معلناً الحرب على دنيا الشر والكذب، معتمداً على
المحيطين به، الأخوة البررة وهؤلاء (الناصورائين) أصحاب
العهد والحق، وهم كالفلاحين الذين يشتركون معاً بآلام
فلاحة الأرض، وهذه الحكم مستندة من سلاح أهل الصلاح البررة
والمتصفين بصفات ذوي العهد، والإيمان والعهد والمعرفة
والبصيرة والحكمة والتعلم والعقيدة والحق والصلاة والتسبيح
والكرم والصدقات والطيبة والتواضع والمساواة والإنصاف وحسن
التصرف والطهارة والزكاة والسلام والمغفرة والتوبة ومحاسبة
النفس والتفكير بالحي والتماس الرحمة للمعاهدين.
- رأس العهد هو أن لا تفسد عهدك، و لا تعتاد على الكذب
والفتن.
- رأس إيمانك هو الإيمان بالله، ملك عالم النوار القيوم
الدائم، الذي يثيب الذين يزكون ويطهرون.
- رأس عدلك هو أن تحاسب نفسك.
- رأس معرفتك أن لا تشرك بالله.
- رأس بصيرتك هو أن لا تلقي بنفسك بالتهلكة.
- رأس حكمتك هو أن لا تفتن ولا تستهزء بالذين سلّموا أمرهم
لله.
- إن سر ثقافتك هو أن تعلم وتشرح ما يأمر به إلهك.
- إن سر صدقك هو أن لا تحلف على ما ليس لك.
- إن سر شفقتك ومساواتك هو أن لا تشتم ولا تغب ولا تميل
للشرك.
- إن سر عبادتك هو أن لا يزول ذكر ربك من فمك.
- إن سر مساواتك هو أن تعدل وأن تتقبل الحكمة.
- إن سر استقامتك هو أن لا تقول ما لا تعرفه.
- رأس تسبيحك هو أن تستغفر لمن أتيت منه (أنجبك).
- كن كالميزان المتقن المملوء، الذي لا نقص في حركته.
- كن كالفلاح الذي يزرع وينبت الأشجار التي تحمل المعرفة
والطيبة.- كن كالسراج الذي ينير اليسار إلى اليمين بالحق
والإيمان .
- كن كالجبل الشامخ الذي لا تزحزحه الرياح، إنه يشع عبادةً
وتسبيحاً.
- كن كالمائدة المملوءة، التي تقدَّم للجياع، وهي مبتهجة.
- تصور الطعام الجيد اللذيذ الطعم من كل شجرة طاهرة.
- تصور دنيا العهد التي لا باطل فيها، إنها متقنة الكمال.
- كن كالعين الطاهرة، التي لم يدخلها الباطل، إنها طاهرة.
- لتكن الأب الطيب الذي يربي أبناءه وأولاده تربية صالحة
بالعبادة والإيمان.
- أيها الناس إن الحسد، والغيرة، والهمّ، والكره، والغضب،
والفخر، واللمز، والمضايقة، والعصيان، والزنا، والخطف،
والإستحواذ بالظلم، والقوة، والنهب، وإضمار الشر لعباد
الله المسالمين، كل هذه صفات لا تدل على الإيمان بالله
العظيم، وشتان ما بين رمانة ممتلئة بالصدق وأخرى ممتلئة
زيفاً.
- الحكيم مَن لا يترك بيته بلا سقف.
- الحكيم مَن لا يطلق سفينة بدون ملاحين.
- الحكيم مَن يوقف كلامه الوديع في نداء، ويصغي، ثم يقدم
السلام.
- العاقل مَن يوقف كلامه الطيب، ويتجه إلى كل أعمال الخير.
- لا تعمل أعمالك التي لا تنبض من القلب.
- الويل لهؤلاء الحمقى المخادعين الذين يغيّرون أوامرنا
ويغيّرون ما أوضحنا لهم، إن الإنسان الذي يظهر إيمانه ثم
يراوغ، ثم يعلن رغبته في التعبد قرب موته، ويبدأ يسمع
ويتفهم كلام الرب، و لا يبدي صبواته إن الله لن ينسى، وقد
يرحمه الله، أما أولئك الذين قرأوا وسمعوا وأطاعوا وملأوا
أفواههم بدون كذب ما أملاه عليهم الحكماء وشرحه، وقاله لهم
يحيى بن زكريا بمدينة القدس، والله المزكي لكل عباده
الصالحين، وهو المزكي.
* نقلاً عن كتاب "تاريخ الصابئة المندائيين"، محمد عمر
حمادة.