ليكن لديك ميدالية مصاغة بهذا الشكل
وكل مَن يحمل هذه الميدالية سيحصل على نِعَمٍ كثيرة
تلك كانت كلمات السيدة العذراء لـ "كاترين لابوري"، "زووي
لابوري"، التي ولدت في بيرغندي _ فرنسا في 2 أيار 1806، من
عائلة فقيرة، حيث كان والدها مزارعاً ماهراً، وكان ترتيبها
التاسع بين إخوتها وأخواتها الأحد عشر.
ولما بلغ عمرها 24 سنة، التحقت بدير "أخوات المحبة"،
وغيّرت اسمها إلى "كاترين لابوري". ولم تمكث مدة طويلة في
الدير، حتى ظهرت لها العذراء للمرة الأولى في 19 تموز 1830
في كنيسة شارع دي باك 140 في باريس، حيث استيقظت كاترين في
الحادية عشرة والنصف ليلاً بعد أن سمعت صوتاً يناديها
باسمها ثلاث مرات، ففتحت ستائر غرفتها، ورأت ملاكها الحارس
بشكل طفل يبلغ الخامسة من العمر، وقال لها:"اتبعيني إلى
الكنيسة الصغيرة حيث تنتظركِ العذراء". قامت كاترين مسرعة،
وتبعته إلى الكنيسة، فلما وصلتها وجدتها مضاءة، فركعت
وصلّت. وبعد حوالي نصف ساعة، قال لها الملاك الحارس:"إن
القديسة مريم هناك"، فسمعت كاترين حفيفاً كحفيف الحرير.
وعلى يمين صورة القديس يوسف، رأت مريم العذراء تنزل، ثم
تجلس على كرسي الكاهن. ولم تكن لحظات حتى وجدت كاترين
نفسها راكعة أمام السيدة، وواضعة يديها على ركبتيها، ودام
المشهد حوالي ساعتين، خلالها قالت لها العذراء:"إنّ الله
سيوكلها مهمة، وستواجه من خلال ذلك الكثير من الصعوبات"،
كما تحدثت العذراء مسبقاً عن الأوقات الصعبة الآتية، وإن
العالم سنغمس بإضطرابات متنوعة، وسيعامَل الصليب بإزدراء،
وسيُرمى على الأرض، وسوف يُطعَن جنب الله ثانية... قالت
ذلك السيدة والحزن بادٍ على وجهها، وأضافت:"لكن تعالوا إلى
المذبح، وهنا ستُمنَح النِعَم الإلهية لجميع الذين يطلبون
بثقة وحرارة، أغنياء كانوا أم فقراء".
ولمّا حلّ يوم 27 تشرين الثاني 1830، ظهرت العذراء ثانيـة
وفي نفس الكنيسة. ففي الساعة الخامسة والنصف مساءً، وبينما
الراهبات كنَّ في ساعة تأمّل، سمعت كاترين فجأة صوتاً
خفيفاً صادراً من الجهة اليمنى كالذي سَمِعَتْه سابقاً.
كان ذلك الصوت صوت مجيء العذراء مريم، التي وقفت إلى
اليسار بجانب لوحة القـديس يوسف، حيث وقفت السيدة وكأنها
في الفضاء، وترتدي ثوباً باللون السماوي، وتشعّ وهجاً،
حاملة بيدها كرة أرضية ذهبية يعلوهـا صليب، قدّمتها كهدية
لربّ السماء، وهي تنظر بعينيها باتجاه الجنّة وكأنها
تتوسّل رحمة، كما كانت لابسة في أصابعها خواتم ذات أحجار
كريمة، وتبعث أشعة من الضياء في كل اتجاه. وبعد ذلك اختفت
الكرة الصغيرة مع الصليب، وبلغت مريم نصف الكرة التي تقع
تحت قدميها، حينها وصلت الأشعة المتلألئة إلى كافة أنحاء
الأرض، لكن مع تركيز قوي على بقعة واحدة من الأرض.
وقد جعلت مريمُ كاترينَ تفهم أن هذه الكرة تمثّل العالم
بأسره، والبقعة التي تركّزت الاشعة عليها هي فرنسا، وترمز
هذه الأشعة إلى النعمة الإلهية التي ستُمنَح لمن يطلبها،
ثمّ كما هو الإختبار عينه الذي عاشه الرسل في العَنصرة
بنوالهم الروح القدس الذي حرّرهم من الخوف، وعاشه بولس
ودعاه ليبشّر به كل الأمم، وهو الإختبار عينه الذي يعيشه
كل إنسان يعترف بأنه غير قادر على تخليص نفسه مهما عَظُمَت
أعماله. إن المؤمنين بعمادهم _ بإيمانهم يشتركون في ملء
المسيح بكونهم أعضاء حية في جسده السري، فيصبحون بإتحادهم
بالمسيح أسمى من الرئاسات والسلاطين والقوات السماوية
كافة. عالمنا اليوم هو تجسيد حيّ "للأمس"، والمنطق السائد
في أيامنا هو إننا لا نستطيع أن نسير بعكس التيار، نسير
"سيرة هذا العالم" الذي عاد إلى الوثنية، مبرّرين أنفسنا
بعدم القدرة على مواجهة العالم، ولا أحد ينكر أن سيد هذا
العالم قوي جداً. وقد ازدادت أساليب إقناعه قوةً بفضل
التكنولوجيا الحديثة وليس لأن هذه بحد ذاتها شريرة، بل لأن
أبناء هذا العالم يستغلوننا أفضل إستغلال.
كما إن إنسان اليوم يُقصَف كل يوم بمئات بل بآلاف التعاليم
الآتية من كل حدب وصوب وبكل وسيلة. وكثيرون هم الذين
ابتعدوا عن الإيمان أو فقدوه، واعتقدوا أن ما كان محرَّماً
بالأمس قد صار محلَّلاً اليوم.
كما إن إنسان اليوم واقف أمام المصائب والأحزان، وفي خضمّ
البلايا والرزايا، وعند فقدان أيّ عزيز من العائلة أو في
الرعية، أو يصاب آخر بمكروه، أو ينهش المرض العضال أحد
الغاليين فيبلغ الجرح الصميم وتنقطع الأوصال.
ولكن الله، كما بالأمس كذلك اليوم، يحبّ هذا العالم، يحنو
عليه، يشفق على موته، ويرغب في تمليصه من سلطان إبليس. إن
المسيح الذي دعانا للتبشير باسمه ولطرد الشياطين وشفاء
المرضى ونشر ملكوته، هو نفسه حاضر في كل أعمالنا، ويدعونا
أن نملأ فراغ حياتنا من معجنه ومن أسراره كي نعيش إختباراً
حقيقياً لموت وقيامة المسيح، وبالتالي نكون شهوداً لمجيئه.
وأن لا تكون الكلمات التي نرددها في فعل إيماننا "وننتظر
مجيئكَ الثاني" تكراراً لكلمات تعلّمناها وحفظناها، وفقدت
فاعليتها في حياتنا ونفوسنا.
بعض الناس يهربون من الموت بواسطة التسلية أو إضاغة الوقت
أو إشغال ذاتهم بالأعمال والمشاريع. وبعضهم يعتقدون أن
معرفة المستقبل تنجّيهم من مخاطر، وأخرى تؤدي بهم إلى
الموت. ليطمئنوا على مصيرهم وغدهم فتراهم يتوجهون إلى عبور
المحيطات.