أ-النظرية التكوينية LE CONSTRUCTIVISME
التكوينية تعتبر من النظريات المهمة في البنيان الذاتي
الإيجابي. يُستخدم هذا المصطلح على الخصوص في الفنون
المعمارية أو الدراسات السيكولوجية. في هذه النظرية يؤخذ
بنظر الإعتبار كافة المكونات المادية للبناء والإحتياجات
الإنسانية للعيش في هذا المنشأ، مثل: المواد الأولية،
الأشكال والألوان، الإنارة وحركة الهواء في المبنى،
القياسات الأفقية والعمودية ... كل هذه المكونات تعطي
للإنسان والمبنى معنى لوجودهما والتكامل بينهما. فإن قمة
هذا البنيان هو عندما يكون هنا تكامل وتوافق يعطيان معنى
لوجودهما.
نكتشف هذا بشكل واضح في الفن الغوطي المتقدم "moderne
Gothique" بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر. هذا النمط
من البناء، له منهجيته الخاصة، التي يتناغم فيها الشكل
والمعنى. إنه الهيكل النحيف والأنيق، الراسخ والشامخ، الذي
يشيَّد هيكله إنطلاقاً من قياسات متوازنة وخطوط بسيطة
مستقيمة ومنحنية، تتعاشق مع بعضها بشكل رهيف وتخريمي،
وتخترقها الأضواء وتعزف في تجاويفها الرياح، دون نشاز ولا
زعزعة ولا إنهيار. هذا الصرح يعطي للإنسان معنى لوجوده
ويقرأ من خلاله إيمانه ومبادئه.
إن منهجية البناء الذاتي تنطلق من داخل الفرد عندما يبدأ
بتشييد المعطيات الحياتية والفكرية من خلال المعلومات
الشخصية والعامة، ويعطي لها معنى وجودي. يكتمل بنيان
الإنسان عندما يكون في توافق مع المعطيات الجديدة
المكتسبة. هذه المنهجية تتحاشى السقوط في القالب التقليدي
وتتحرر من المنظور الروتيني المتداول. إن عملية البناء من
منطلق التكرار الموضوعي والإستنساخ الإيديولوجي، يؤدي إلى
الأيمان المونوتوني الممل، أو السقوط في التزمت والحرفية.
هذا النوع من الإيمان يكون معرّضاً لمخاطر التصدع حين
تعرّضه لخبرات قاسية أو معاصرة. أما عملية البناء الذاتي،
التي تعتمد أسلوب الإستيعاب والمشاركة والتفاعل، فإنها
تولد الإيمان الهارموني والإبداعي.
المنهجية التكوينية تجعل المربي والفرد يعملان في حقل واحد
ويتعلمان على رحلة واحدة، وكأنهما في مسيرة إيمانية مشتركة
ومتبادلة. يتعلم الفرد من هذه المنهجية فن التعامل مع
المفردات واستيعاب معانيها بهدف تنشيط الفكر الإيجابي
البنّاء وتوظيفه لخدمة الإنسان. يتدرب الفرد مع معلّمه على
الأسلوب التحليلي، ويتدرب على فن النقد التأويلي
والتأويني. هذه المنهجية تساعد على الرقي الفكري
الإستيعابي، حتى تأخذ المصطلحات الإيمانية والعقائدية
شكلاً جديداً وجذاباً لاستنباط أفكار جديدة ومعاني واسعة
في حقول شاسعة. إن مبدأ المنهجية التكوينية نكتشفها أيضاً
في "حدث التجلي" على جبل طابور في العهد الجديد (لوقا
9/28-36).
إنه لقاء الله والإنسان على أرض الواقع، وبحضور الماضي
الإيماني والمستقبل الآخروي. إنه لقاء مع الله، يتواصل من
خلاله الأجداد والأحفاد وكأنه تاريخ بلا حدود. هذا الحضور
الثلاثي الأبعاد، الأمس واليوم والمستقبل، يرمز إلى الواقع
الاسكتولوجي (الآخروي)، من خلال ثياب ناصعة البياض، والتي
تنتظر أن تتلطخ بدم الحمل المذبوح الموعود به في سفر الر
ؤيا.
إن حقيقة التجلي تساعد الفرد والجماعة أن يصبحوا معرضين
إلى شعاع نور واحد وفي جبهة واحدة في ملحمة الحياة
المعاصرة. لا يمكن أن تخفى الحقائق وتدفن الكنوز تحت طبقات
الأرض بحجة المحافظة عليها. إنها عملية شاقة، تُدخل الفرد
في منهجية البحث المستمر، واكتشاف كل جديد يخدم البنيان
بالرغم من مخاطر الزمان ومنزلقات الطريق. إن هذه المنهجية
تعطي الثقة بالذات والإعتماد على النفس في مغامرة إيمانية
وإجتماعية.
ب- التمرنة التفاعلية APPRANTISSAGE COOPERATIF :
ترتكز هذه المنهجية على أسس التفاعل المتبادل بين أفراد
الجماعة الواحدة، وتحفز العمل الجماعي، وتؤكد على ضرورية
الآخر لاكتساب الخبرة والمعرفة. إن التمرنة (التدريب) على
التفاعل مع الآخرين يجعل من النجاح أو الخسارة علامة
للتضامن الجماعي. والمجتمع يتحمل بشكل أو بآخر عواقب
تصرفات الفرد الإيجابية أو السلبية. هناك ترابط فعلي
وتكامل بين ما يملكه الفرد وما يستقيه من الجماعة. نلاحظ
الفرق الكبير بين إمكانية إستقطاب الفرد للمعلومات بشكل
حيادي، والتفاعل مع هذه المعطيات بشكل حيوي، من أجل تحقيق
خبرات شخصية تغني الفرد والجماعة. هذه المنهجية تحث على
إيجاد أساليب تحفيزية تثير الدهشة لدى الفرد، ليصبح
متفاعلاً وحيوياً مع الأحداث ومع الآخرين. يطلق على هذه
المنهجية بـ "المنهجية الأفقية".
إستخدم المسيح هذه المنهجية في حياته العلنية. فإنه يجعل
الجماعة أن تصبح كالمرآة ترتسم فيها صورة الفرد ويصبح
الفرد صورة حية تنعكس فيه ملامح الجماعة. المسيرة
الإيمانية تتحول إلى حقيقة يلتقي فيها الجميع. هذه المسيرة
تحافظ على مبدأ التكامل والتباين، الوحدة والإختلاف،
الخصوصية والشمولية. كل هذه المعطيات تتحول إلى لُبنات
قوية لبناء الجماعة الحية في جسد المسيح، هذا ما يطلق عليه
باللغة اللاتينية بـ "الأكليزيا Ecclesia" التي تعكس معنى
الإتحاد الجماعي المتناغم بين الأفراد المؤمنين بشخص
المسيح. في هذه المنهجية هناك دور أساسي لكل فرد، ومشاركة
حقيقية للجميع، من أجل الوصول إلى التفاعل الفكري والعملي
مع أحداث ومعطيات الحياة. فبقدر ما يتفاعل الطالب، في سبيل
المثال، فكرياً وعملياً مع الموضوع ومع الآخرين، بقدر ذلك
يستقطب محتوى المادة وتترسخ أحداث اللقاء في ذاكرته. هذا
ما يساعد على تنشيط اللقاء والتخلص من مرض الضجر والتثاؤب
أوالملل والنفور.
بحسب الفيلسوف الألماني زيلر ZILLER، الذي أثّرت نظرياته
على بناء وتوجيه منهجية التربية والتعليم، يؤكد على ضرورة
تقسيم المواد المراد تدريسها إلى وحدات منهجية متكاملة.
لكل من هذه الوحدات موضوع واحد فقط يطرح ويدرس في لقاء
واحد. كل موضوع يجب أن يمر في ستة مراحل، يمكن تلخيصها بست
كلمات: التحديد، التهيئة، العرض، الترابط، الخلاصة،
التطبيق.
1- تحديد الهدف: يتم تحديد هدف الموضوع المراد إيصاله
بوضوح، ويجتذب الفرد إليه. 2- تهيئة الأرضية: إنها عملية
تحليلية إنطلاقاً من المعلومات السائدة في فكر الفرد. يتم
كشف مكونات الموضوع المتوفرة بحوزته لينطلق منها لبناء
الدرس.
3- عرض واضح للمعطيات الفكرية المتميزة، ومن ثم التعمق
بمعانيها.
4- الترابط الموضوعي بين القيم المشتركة العامة.
5- تقديم خلاصة الموضوع بشكل منتظم وبحسب الأولوية
والمعطيات الجديدة المكتسبة بشكل منهجي.
6- تطبيق عملي لممارسة منهجية التعامل مع المعلومات
الجديدة، لتصبح حيوية وتعاش على أرض الواقع.
هناك منهجية أخرى أكثر شيوعاً وسهولة، وهي منهجية الـ ( ط/
ش/ ت) (طشت)، أي: الطرح _ الشرح _ التطبيق. معظم الروايات
والقصص أو الأمثلة المستخدمة في العهد الجديد تستخدم هذه
المنهجية أو تنطلق منها. فهي تبدأ أولاً بعرض الموضوع أو
القصة، ثم يتم ربطها بموضوعات أخرى من أجل توسيع الأفق
والتعمّق في معانيها، وذلك باستخدام الأمثلة أو
الإستشهادات بأحداث كتابية.
أما المرحلة الأخيرة فهي الوصول إلى أرض الواقع ليدخل
الفرد في البعد العملي وإعطائه نوع من "ا لواجبات
البيتية"، مثلاً: إذهب وافعل أنت كذلك، إفعل هذا فتحيا،
مَن له أذنان صاغيتان فليسمع، إذهب وبع كل مالك واتبعني،
إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّذوهم باسم الآب والابن
والروح القدس.
كل منهجية ناجحة لابدّ لها وأن تبدأ بالفكر، ثم تترسخ في
القلب وتتحقق في العمل. لا تتميز المنهجيات عن بعضها، إلا
بقدر ما تحقق نجاحها وتفاعلها مع الواقع العملي وما تجني
من ثمار صالحة في حقل الإيمان والحياة وتعطي قيمة للفرد
والجماعة.