ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

مجـلة صـدى النهريــن - العدد الحادي عشر / حزيران 2010

                                                                                                                                     

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

 

تفسير القداس حَسب الطقس السرياني الأنطاكي

الشماس افرام حنا نورالدين

 

 


    إن أول مَن وضع القداس في الكنيسة ومارسه هو السيد المسيح (الكاهن الأعظم) وذلك في ليلة آلامه ... أي العشاء السري ... حينما أخذ خبزاً وبارك وكسر وأعطى تلاميذه قائلاً:"خذوا كلوا هذا هو جسدي، وأخذ الكأس وشكر ثم أعطاهم قائلاً: إشربوا منها كلكم، هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يُسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 26:26). وأوصى التلاميذ أن يصنعوا هذا على مثال ما صنع أمامهم.

    وامتثالاً لأوامر السيد المسيح تمسك القديسون الرسل بهذا السر تمسكاً شديداً ... وبعد أن قبلوا الروح القدس في العلية يوم الأحد قدّموا في اليوم الثاني "سر الميرون" وفي اليوم الثالث قدّموا "الذبيحة الإلهية"... وأول مَن قام بهذه الخدمة هو القديس يعقوب أخو الرب الذي إستلم هذا التعليم من الرب نفسه شفاهاً ثم سلّمه إلى يوحنا الحبيب حيث قدم الذبيحة نهار الأربعاء، واشتركت في القربان على يده والدة الإله، وكل ذلك تم في العلية، ثم تناوب الرسل جميعاً هذه الخدمة السرية ... ويخبرنا سفر أعمال الرسل أنهم كانوا يلازمون الهيكل كل يوم بنفسٍ واحدة، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بابتهاجٍ ونقاوة قلب (أعمال 16:2)... ثم سلّموا هذه الوصية الشريفة إلى تلاميذهم وخلفائهم، وأوصوهم أن يستودعوها لأناسٍ أمناء أهلاً للتعليم. وقد صرَّح بولس الرسول، إنه قد سلّم هذا السر كما إستلمه من الرب، كما قال في رسالتهِ (اكو 23:11). وعلى هذا المنوال حفظ رسم خدمة الذبيحة المقدسة في الكنيسة إلى يومنا هذا.إلى يومنا هذا.

  مادة القداس: لكي يتم سر القربان قانونياً بحسب الترتيب المرسوم من قِِبَل الرب، فلابدّ أن تتوفر الشروط الثلاثة: المادة، الصورة، خادم السر ... وتتكون المادة الأولى من (الخبز) حيث يستحيل الخبز إلى جسد المسيح جوهرياً، وتتوفر فيه أربعة عناصر: الجسد الطبيعي، فدقيق الخبز هو من (التراب) معجوناً بالماء الطبيعي عجناً جيداً إشارة إلى عنصر (الماء)، مذاباً فيهِ شيء من (الزيت) إشارة إلى عنصر (الهواء)، ومذاباً فيه قليل من (الملح) إشارة إلى عنصر (النار)، كما فُرض أن يكون (مختمراً) إشارة إلى النفس الحيّة المتحدة بالجسد ثم يخبز ... وبذلك مع الدم يتكون مِنه الإنسان الكامل. ويُصنع هذا الخبز على شكل قرص مستدير مطبوع بختم مدور مقسم إلى 12 جزء ويسمى (الجوهرة) ... والجوهرة تثقب بـ 5 ثقوب هي إشارة إلى الجراحات الخمسة في جسد المسيح وهي: الحربة، إكليل الشوك، المسامير الثلاثة في يديه ورجليه، ويدعى هذا الخبز (خبز التقدمة) وعامة الناس يسمونه ((برشانة)).

العنصر الثاني _ الخمرة: يجب أن تكون الخمرة الطبيعية المعصورة من العنب الخالص، نقية وخالية من أي مادة غريبة، عدا كمية الماء التي تكون متساوية تمزج معها في الكأس، وذلك إشارة إلى الدم والماء اللذين جريا من جنب المسيح عندما طُعِنَ بالحربة وهو مُعَلقٌ على الصليب.

 الإستحالة الجوهرية: هي تحول عُنصرَي ذبيحة القداس من الخبز والخمر جوهرياً وسرياً إلى جسد ودم المسيح، وتتم هذه الإستحالة كما تم إتحاد اللاهوت بالناسوت في أحشاء العذراء مريم ... فكما حلّ الروح القدس على مريم العذراء، وطهّرها من الخطيئة وقدّسها، ثم جَبَلَ من دمائها جسداً إتحد به اللاهوت إتحاداً عجيباً، هكذا يحلّ الروح القدس على الخبز والخمر الموضوعين على المذبح أثناء القداس ويحولهما إلى جسد المسيح ودمه.
إن مار يعقوب البرطلي (1241)، وابن العبري (1286)، يقولان: إن إستحالة العنصرين (الخبز والخمر) إلى جسد المسيح ودمه، هي أشبه باتحاد اللاهوت بالناسوت وصيرورتهما أقنوماً واحداً هو الإله المتجسد. فكما إن الناسوت يُدعى (إلهاً) لا بطبعه بل لإتحاده باللاهوت، كذلك يدعى (الخبز والخمر) جسد المسيح ودمه لا نظراً إلى طبيعتهما بل لإتحاد المسيح بهما.

الكنيسة وأقسامها الثلاثة: لقد ذكر العلاّمة مار ايوانيس الداري في مقدمة تفسيره للكنيسة والقداس قال: أمر الله النبي موسى إقامة ثلاثة أقسام في الكنيسة وهي: "قدس الأقداس" ويمثله عندنا بـ "المذبح" أو "بيت الأقداس، ثم "بيت الخدمة" ويمثله الهيكل والدار المحيطة بقدس الأقداس. وكما وقف الشعب اليهودي في الدار، كذلك يقف المؤمنون في صحن الهيكل، وكما وقف الكهنة في بيت الخدمة، هكذا يقف الكهنة والشمامسة في "القسطروم"، وكما كان كبير الكهنة وحده يدخل إلى قدس الأقداس، كذلك يقف الكاهن المقرّب وحده على درجة المذبح، تشبّهاً بكنائس الملائكة الثلاث: العليا والوسطى والسفلى فيشير قدس الأقداس إلى الكنيسة الوسطى والتي تحتوي على السادات والسلاطين والأجناد، والهيكل إلى الكنيسة السفلى التي تضمّ الرئاسات ورؤساء الملائكة والملائكة، لأن في الكنيسة ثلاث مواهب روحية هي: الكمال، الإستنارة، التقديس. فالكمال هو جعل خليقة الله الجديدة "كاملة" بالمواهب الروحية ... والإستنارة هي الإبتعاد عن الجهل الروحي والإقتراب من المعرفة الحقيقة ... أما التقديس فهو الذي يتم بالمعمودية من سائر الخطايا والآثام. إن الإنسان الأول إرتكب الخطايا بثلاث أمور، أي بعقله وبنفسه وبجسده ... ولما تجسد الإله الكلمة إفتداه بثلاثة أمور مقابلة، أي بالعقل لأنه غفر له ... وبالنفس لأنها كانت وسيطة بين العقلِ والجسد ... وبالجسد لأنه إتخذه ليخفي وراءه الألوهية ويقهر الشيطان. وقد عُنيَ بتصحيح هذه الليتورجية العلاّمة مار يعقوب الرهاوي في القرن السابع ثم إختصرها وهذّبها العلاّمة إبن العبري في القرن الثالث عشر.

    ومراعاةً للمؤمنين الذين لا يفهمون اللغة السريانية، وعملاً بقول القديس بولس الرسول:"يجب أن تترجم لكي ينالو بنياناً" (اكو14)، فقد ترجم بعض الآباء أجزاءً منها إلى اللغات المحلية، مع الحفاظ الشديد على سريانية الأقوال الجوهرية.

 آداب الصلاة وحضور القداس: إن القداس أفضل عبادة وأشرف صلاة تقدم للرب، وسماعه يومياً لائق ونافع لمن يتيسَّر له ذلك، وهو واجب محتم في أيام الآحاد "يوم الرب" والأعياد، ومَن يتهاون بهذا الواجب الروحي يرتكب خطأً عظيماً، ويخسر نِعَماً جمّة. إن يوم الأحد (يوم الرب) هو اليوم الذي قام فيه المسيح من بين الأموات، لذا فرضت الكنيسة وأفرزت هذا اليوم لتقريب الذبيحة الإلهية ضرورة، ثم في الأعياد والمواسم بحسب الترتيب الكنسي، ويومي الجمعة والأربعاء من كل أسبوع ... وقد نهت إقامته أيضاً في يوم جمعة الآلام، لأن المسيح في هذا اليوم قَدم نفسه ذبيحة دموية فوق خشبة الصليب، لذا لم يبقَ حاجة لإقامة ذبيحة أخرى. ومن الجدير بالذكر إن الكنيسة سابقاً نهت إقامة القداس مرتين في النهار على المائدة الواحدة، لأن المائدة تشير إلى القبر، والسيد المسيح مات ودفن مرة واحدة فقط ... كما لا يجوز تكرار القداس في يوم واحد إلا لضرورة قصوى تقرّها الكنيسة، وبإذن قداسة البطريرك.


 

الذهاب الى اعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة