كلام تفوّه به مخلّصنا في الإنجيل المقدس، ودون شك أنه لم
يكن يقصد العميان الذين فقدوا بصرهم ولم تعد هذه العيون
قادرة على البصر، ولا الطرشان الذين فقدوا حاسة السمع،
لأننا غالباً ما نواجه ذات المشكلة في حياتنا العامة حيث
تمرّ علينا مناظر كثيرة نشاهدها لكنها لا تُبقي أي أثر في
الذاكرة وكأننا لم نشاهدها، وكذلك عندما نسمع كلاماً
كثيراً دون أن ننتبه للمعاني حيث نكون كمن لا يسمع شيئاً،
حيث أحياناً وعندما يُقرأ الإنجيل في الكنيسة ونحن واقفون
نستمع والمفروض أن نكون منتبهين للمعنى، وفي لحظة معينة
نجد مقاطع كثيرة قد تمّ قراءتها ولكننا لم نكن منتبهين
للقراءة وحينها كان تفكيرنا في أماكن أخرى.
هكذا هو الإنسان، فإنه من الصعب عليه أن يركز على أمرين في
آنٍ معاً، فإمّا أن يستوعب أحدهما ويهمل الآخر أو يفقد
الإثنين في خضم التركيز عليهما معاً، وحول هذا ينبّهنا
الرب يسوع له المجد حول محبة الله ومحبة المال (متى24:6)،
لأننا لا يمكننا في ذات الوقت أن نهتم بكليهما بل أن
الحاجة هي لواحد فقط، كما كانت إحدى أخوات لعازر (مرتا)
مهتمة بأمور كثيرة بينما (مريم) عرفت إن الحاجة هي إلتزام
يسوع
والإستماع لأقواله (لوقا 10 :39-42).
واليوم وقد منَّ الله على الإنسان بحواس خمس مهمة، لكن الإنسان
غالباً ما تأخذه هموم الدنيا بعيداً عن طريق الخلاص ..
طريق المحبة والغفران والتسامح، غالباً ما نحمل صليبنا
مرغمين كسمعان القيرواني وننتبه للآلام التي نقاسيها من
جرّاء حملنا للصليب ولا نهتم لآلام الآخرين الذين قد نكون
نحن سبباً لها، ونكون نحن مَن يجعل صليبهم أكثر ثقلاً
وإيلاماً لهم. نجدهم يتألمون ولا نبالي، ونسمعهم يبكون ولا
نكترث، ولسان حالنا لك: الله يا إنسان، إحتمل .. إصبر ..
قاوم إلى أن يفرجها الله عليك، وكأن لله عيون وآذان وأيدي
يعمل بواسطتها، ونحن الذين قبلنا الناموس والوصايا لا دور
لنا. ألسنا نحن أدوات الله في الأرض؟ هل نستوعب كلام الرب
للمختارين:"جعتُ فأطعمتموني .. عرياناً كنتُ فكسوتموني ..
مريضاً كنتُ فزرتموني".. ألم نسأل أنفسنا كيف يكون الرب
جائعاً أو مريضاً أو عرياناً؟ وهكذا ذات الشيء والسؤال
للذين عن يساره عندما لم يفعلوا شيئاً من هذا له (متى25:
36-44).
إن الله ينتظرنا لكي نستخدم ما وهبنا به من أيدي وقوة ونظر وسمع
لكي نعين الآخرين الذين حرمتهم الظروف من قوة يستطيعون بها
العمل، وبذلك نُظهر للآخرين أن الله موجود ويعمل ويساعد
ويقدم الرحمة لبني البشر. لأننا نحن الأدوات وما علينا إلا
أن نجعل من عيوننا أن تبصر وتحفظ ما تراه وتحلّله لكي نجد
يسوع المتروك بين هذا الكمّ الهائل من الصور، ونهرع لكي
نقدم رحمة الله له، وكذلك على آذاننا أن تسمع وتميز صوت
الأنين الصادر من أفواه المتعبين والمحرومين والسائلين
الذين يجب علينا أن لا ننهاهم أبداً، فربما أحدهم هو
المحتاج الفعلي وعندما نطرده نكون كمن يطرد يسوع المهمَل
من أمام بيتنا، وربما كان هو الذي يطرق وينتظر منا أن نفتح
له ليدخل، لكن عيوننا وآذاننا أُغلقت عن معرفة الحقيقة
ونقول للطارق حينها (روح الله ينطيك)!!!.