اخواتي واخواني المندائيين جميعاً تحية مندائية طيبة

    على مدى اربعة أيام متتاليه عقدت في أربيل وللفتره من 9- 12 تشرين الاول ورشة عمل برعاية معهد الولايات المتحده الأمريكيه للسلام وبالتعاون مع لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب تركزت حول المشاكل التي يعاني منها العراقيين والحلول المقترحة كما تم الأستماع الى محاضرات حول كيفية تشخيص النزاعات وانواعها واليات حلها وقد شارك بهذه الورشة (37) شخصية ممثلين عن مجلس النواب وديوان الوقف الشيعي والسني وديوان أوقاف المسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين وأساتذة جامعات وأكاديميين ومنظمات مجتمع مدني.

   وقد استغلينا فرصة عقد هذه الفعالية للالتقاء بعدداً من الشخصيات المشاركة لشرح تعاليم الديانة المندائية وطرح بعضاً من حالات التعامل اللانساني مع أبنائها بكل موضوعية وكانت لنا كلمه بهذا الخصوص فيما يلي نصها.

                                                        مع التقديـــــــــــــر

                                                                                          

                                                                                            توما زكي زهرون

                                                                                   مديرعام أوقاف الصابئة المندائيين

                                                                             ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى

 

 

 

      الصابئة المندائيين هم أتباع ديانة توحيدية قديمة تعود لآلاف السنيين، يقطنون في العراق وإيران وعلى ضفاف دجلة أو بالقرب منها في مناطق الجنوب والوسط وكركوك لأرتباط طقوسهم الدينية بالماء الجاري (اليردنا) ويتواجدون بأعداد قليلة في الأنبار وديالى، وفي السنوات الأخيرة لجأ البعض منهم إلى كردستان بحثاً عن الأمن والأمان والعمل، ولكون المندائيه ديانة غير تبشيرية وتعرض أتباعها الى مختلف الاضطهادات على مر التأريخ مما أدى الى تهجيرهم وهجرتهم وتناقص أعدادهم بشكل خطير ينذر بانقراضهم من أرض الحضارات أذا أستمرت الظروف على حالها في أستهدافهم من قبل المتطرفين والعصابات المسلحة لكونهم وحسب أعتقاد البعض أتباع ديانة غير سماوية فيحلل دمهم ومالهم حيث تناقصت أعدادهم من (40000) نسمة في عام 1986 ألى أن وصلت في أخر المطاف الى أقل من (10000) نسمة.

       يتميز المندائيون بأنهم حرفيون مهرة والكثير منهم يمتهن الصياغة بالأضافة الى حبهم للعلم والمعرفة والأداب فبرز منهم في قديم الزمان ثابت بن قره وسنان بن ثابت وأبراهيم بن سنان والبتاني وأبوأسحاق الصابي وحديثاً العالم عبد الجبار عبدالله والدكتورعبد العظيم السبتي والشاعرعبدالرزاق عبدالواحد والشاعرة لميعة عباس عمارة والكاتب نعيم بدوي والكاتب غضبان الرومي والشاعرة والأديبة ناجية المراني وغيرهم كثيرين يضاف الى هذا دورهم المتميز في عملية الأنتاج الأجتماعي حيث كانت صناعة وسائل الأنتاج من أدوات الصيد والزراعة والحصاد والنقل كالقوارب والمشاحيف حكراً عليهم لفترة قد تمتد الى ما قبل العصر العباسي ولحد خمسينيات القرن الماضي ولأهمية هذا الموقع تعامل معهم الأخرين بود يشوبه الحذر والترقب، كما برعوا في صياغة المينا والنقش على الفضة ايما براعة حيث شارك بعض الفنانين منهم بمعارض عالمية وحازوا فيها على جوائز تقديرية.

      أستغل الصابئة المندائيين فرصة الحاجة الموضوعية لقوات الأحتلال البريطانية الى الموظفين الحكوميين لخدمة مصالحهم الأستعماريه فأندفعوا بقوه الى الألتحاق بالمدراس وتخرجوا منها بتفوق فمارسوا مهنة التعليم حيث بلغ في بداية الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي عدد المعلمات والمعلمين المندائيين بحدود المائة في العمارة والناصرية لوحدهما فقط حيث كان المندائيون يتمركزون فيهما في ذلك الوقت،  وبعد أنتشار التعليم في العراق أرتفعت نسبة المتعلمين فيهم الى ما يقارب 90% من نفوسهم حيث أن لديهم الأن العديد من الأطباء بأختصاصات عاليه في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا يعملون في مستشفياتها ويدرسون في جامعاتها بأنتظار الظروف المناسبة ليساهموا كما ساهم أبائهم وأجدادهم من قبل بكل جد وأخلاص وتفاني في دفع مسيرة نهضة العراق العلميه والاقتصادية والثقافية والأجتماعية ليكون في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة فالعراق يمتلك كل الأمكانيات المادية والبشرية الواعدة لتحقيق هذه المهمة الوطنيه النبيلة، فعلى الرغم من مما ورد ذكره إلا أن الصابئة المندائيين وفي أغلب تاريخهم المعاصر واجهوا التهميش والأقصاء المتعمد من مختلف الحكام والحكومات المتعاقبة على حكم العراق وكما حدث مؤخراً بأقصائهم كأقلية دينية من نص المادة (50) من قانون انتخابات مجلس المحافظات الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي فليس بعد ذلك من دليل عملي واضح وملموس يؤكد شعورهم بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانيه في حقوقهم الدينيه والثقافية والأجتماعية والسياسية والأقتصادية.

      ترتكز الديانة المندائية على خمسة أركان هي :

1-   التوحيد 2-التعميد 3-الصلاة 4-الصيام  5-الصدقة

      أما المحرمات فيها فهي:

 التجذيف بأسم الخالق، القتل، الزنى، السرقه، الكذب، الختان، شهادة الزور، الشعوذة والسحر، خيانة الأمانة والعهد، الربا ، البكاء على الميت، الطلاق (الا في  ظروف  خاصة)،  أكل  الدم  والميتة  والمشوه والحامل والمرضعة والتي أجهضت والجارح والكاسر والذي هاجمهه حيوان مفترس، الأمتناع عن الزواج، شرب الخمر.

      لقد لزم الصابئة المندائيين لزمن طويل الصمت ومن لغتهم المندائية (أحد بنات اللغه الأرامية الشرقية القديمة) التي لا يفققها أتباع الديانات الأخرى في ممارسة طقوسهم الدينيه سبيلاً للحفاظ على كيانهم وهويتهم الدينية فبسبب الباطنية والسرية لطقوسهم الدينية أكتنف الغموض تسميتهم وأحوالهم الدينية فلحقت بديانتهم مجموعة من الأباطيل فأقل ما قيل عنهم أنهم يعبدون الكواكب والنجوم ويزهقون أرواح المحتضرين منهم هذا ما يشاع عنهم في الجنوب، والحقيقه أن شعائرهم في تغسيل المحتضر واكساءه الكسوة الدينية المعروفة (بالرستة) اعتقاداً منهم ان ذلك يمكن روحه من الصعود الى مكانها في مشوني كشطة السماوي ليخلصها من فساد العالم المادي الأرضي بعد أن تمر بالمطراثي لتحديد مصيرها, وعلى الملاك (أباثر) النوراني المسؤول عن وزن الروح وتحديد منزلتها ان كانت في جنة أو نار فهو بمثابتةِ السراطَ المستقيم.

        لقد برر بعض الفقهاء نجاستهم لأنهم مشركون مع العلم أن النظافة والطهر كان شاغلهم الأول فأفتوا (بأخذ الجزية منهم أسوة بجميع أهل الشرك من المجوس وعبدة الأوثان وعبدة النيران والحجارة) والغريب في هذا التعامل مع الصابئة وان كان يحميهم ويجنبهم القتل الا انه لايتناسب مع حكم القرآن فيهم حيث خصهم بثلاثة سور ((البقرة والحج والمائدة)) وساواهم في الأية (62) من سورة البقرة بالذين أمنوا واليهود والنصارى، أما القسم الأخر من الفقهاء فقد أفتوا بقتلهم رغم وداعتهم وميلهم للسلم فلرقتهم أنهم يعتذرون من الحي العظيم الأزلي ويستغفرونه ويوكلون شاهداً عليهم يدعى بالمندائية (اشكندا) ليشهد على ان ذباحتهم للطير أوالحيوان قد تمت وفقاً لتعاليم ديانتهم ليحلل أكلها.

   ان ماأشيع حول ديانتهم بكونهم عبدة كواكب ونجوم وعبدة أوثان وأصنام يستدعي من الباحث الذي يبغي العلمية والموضوعية بالتدقيق في بطون كتبهم المقدسة عن كثب ويطلع على طقوسهم الدينية عن قرب لتكون أحكامه منصفة ومطابقة للواقع فقد جاء في كتابهم المقدس (كنزا ربا) عن اليوم الأخر ((أما الأشرار ومن عبدوا الكواكب والأصنام والشياطين سينادي بعضهم بعضاً مقيدين مثل رمان الرصاص ثم يسقطون في غياهب الجحيم)) وجاء في كتابهم أيضاً ((بأسم الحي العظيم، أشرق نور الحي، وتجلى مندادهي بأنواره فأضاء جميع الأكوان، حطم ألوهية الكواكب، وازال أسيادها من مواقعهم)) والسؤال هنا يفرض نفسه كيف ينسب لهم عبادة الأوثان والأصنام؟ وكتابهم المقدس يقول ((من يقدم الضحايا والقرابين تعقد خطاه في جبل الظلام (جهنم) فلا يرى نور الله، أما من أمن وأتقى فله من النور مرتضى حتى يبلغ بلد النور)) وقد جاء في حكم الأمام أبو حنيفه فيهم ((انهم ليسوا بعبدة اوثان، وانما يعظمون النجوم كما نعظم الكعبة)) داحضاً للأباطيل الشائعه عنهم.

       لقد عانى الصابئة المندائيين طيلة حياتهم ولقلة عددهم ولشبهات عقائدية تدور حولهم من النظرة الدونية للأغلبية المحيطة بهم فتعرضوا بسببها الى الكثير من الأيذاء النفسي والأعتداء الجسدي لا لذنب أقترفوه سوى تمسكهم بديانتهم العريقة وعشقهم لتراب أرض أبائهم وأجدادهم وهم يعتقدون بأنه قد حان الوقت لأنصاف ديانتهم بأطلاع الباحثين عن كثب على كتبهم الدينية المقدسة بعد أن تمت ترجمتها الى العربية عام 1999 والركون الى الواقع الموضوعي المعاش الذي قد يقودهم الى قاعدة صحيحة أعتمدها بعض الفقهاء في (( تغليب المصلحه على النص)) ليكون التعامل مفيداً مع أهل هذا الدين المسالم وكما جاء بفتوى أية الله أبو القاسم الخوئي عندما أستفتي في رجل صابئي أشهر اسلامه معتنقاً المذهب الجعفري ثم طالبته زوجته الصابئية بالنفقه في احدى محاكم بغداد فقال ((الصابئي كان من أهل الكتاب كما هو الظاهر)) وكما طرح ايضاً أية الله علي الخامئني مرشد الدولة الأيرانية لتواجد مايقارب (25000) مندائي فيها برسالة نشرت في عام  1999 جملة أمور أيجابية في شأنهم باحثاً في كتبهم المترجمة الى الفارسية ولربما كان أول فقيه يبتعد عن النصوص الشرعية ويطلع على كتبهم ويتابع ممارساتهم الدينية عن كثب فقال فيهم ((نتيجة  النقطة الأولى :- أن الأقوى والأظهر بحسب الأدلة أن الصابئيين يعدون من أهل الكتاب)) كما نفى الخامئني أيضاً أن تكون ديانتهم متفرعة من الديانات الأخرى بل نظر اليها كديانة مستقلة وقال فيهم ((فمن جملة عقائدهم التي يدعونها ويصرون عليها التوحيد)) وجاء في حكمه أيضاً ((في عقائدهم جملة من العقائد التوحيدية الحقة المقبولة، وزمرة من الأباطيل المنافية للعقيدة التوحيدية الخالصة)) .

         أن الديانة المندائية تدعو الى السلام والعدالة وأتباعها حملة رسالة محبة وتأخي وليس أدل على ذلك رايتهم الدينية البيضاء ((الدرفش)) الذي يتكون من قطعتين من الخشب متعامدة تشير الى الأتجاهات الأربعة وسبعة أغصان من الأس ترمز للسلام وقماش أبيض من الحرير يرمز للنور والصفاء، وفي عقيدتهم الدينية للمرأة مكانة خاصة أعلى من الرجل على أساس أنها أتت من علم غير عالمنا حيث أتت من عالم الطهارة وحجة الديانة المندائية في طهارة المرأة ((أن آدم خلق من طين وحواء خلقت من جسمه وبذلك فهي أطهر من الطين)) وعلى هذا الأساس يكون الأسم الديني (الملواشة) للمولود الجديد بأسم ملواشة الأم تقديراً لدورها الكبير في أدامة الحياة.

      أن الديانة المندائية كالديانات الأخرى تدعو الى العمل الصالح وتؤمن باليوم الأخر وبالجنة والنار وكما تدعو الى الأرشاد لطريق النور والعفوعمن أخطأ والصلح مع من ضل طريق السلام والمحبة والتأخي فقد جاء في كتابهم المقدس (كنزاربا) ((من أخطأ منكم فقوموه واسندوه* فأن أخطأ ثانيةً فقوموه واعينوه* فأن أخطأ ثالثةً فأرشدوه والصلاة والتسبيح أسمعوه* فأن عصى وأستكبر وأبى الا المنكر* فأجتثوا هذه الكرمة من الجذور* وازرعوا مكانها كرمةً تعرف طريق النور)).

       أن أنعقاد مؤتمركم الموقر تحت شعار (رجال الأيمان في خدمة المصالحة) برعاية معهد الولايات المتحدة للسلام وبالتعاون مع مجلس النواب/ لجنة الشؤون الدينية الموقرة وعلى أرض كردستان العراق العزيزة لأشارة واضحة على الرغبة في التأخي والعمل المشترك لأنجاز مشروع المصالحة الوطنية الحقيقية الذي لايمكن النجاح فيه بدون أعتماد أسلوب الحوار الأيجابي البناء الذي لا يستثني أحداً ويضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح مهما كبرت أوصغرت والأعتراف بالتعددية القومية والدينية والأثنية والفكرية والثقافية واعطاء الحقوق المتساوية للجميع على أساس المواطنة لا على أساس الأكثرية والأقلية....

   وفي الختام أخر دعوانا من الحي العظيم لأعمال مؤتمركم بالموفقية والنجاح لخدمة بناء العراق الجديد، وأن لانكتفي بالخروج بقررات جيدة بل نغذ السير جميعاً يداً بيد لمتابعة تطبيقها العملي.

                                              من الحي العظيم التوفيق.....

 

توما زكي زهرون

المدير العام لأوقاف الصابئة المندائيين