خواطر
وكتابات عامة
الضمان الاجتماعي حق للجميع
لويس اقليمس
25حزيران 2019
تسعى الدول المتحضّرة والمحترِمة (بكسر الراء) لمواطنيها بتقديم كلّ ما يساهم ويعمل على تلبية احتياجاتهم والسهر على راحتهم بأساليب وطرق تليق بهم كبشر وكأفراد في مجتمعات متماسكة تحظى باحترام قادة بلدانها وزعمائها وساستها. وهذا ينمّ عن القيمة العليا للسلوك الإنساني والحضاري ومدى التفاني لدى الحكومات عندما تعمل هذه بالتعاون والتواصل مع المنظمات والأحزاب معًا من أجل ضمان حياة أفضل وعيش مرفّه للمواطنين من دون تمييز أو تقاعس. والسبب لكون مثل هذه الدول تعرف قيمة الإنسان وتقدّر وجوده كفرد آدميّ مخلوق فوق ترابها لغاية أسمى من قبل الخالق. ومن ثمّ لا بدّ لإدارة هذه الدول وزعاماتها من تكثيف جهودها والبحث عن أفضل السبل لإسعاد مواطنيها. وهذا ما فتح باب التنافس بين الدول المتقدمة لتولّي المواقع المتقدمة في سلّم الشعوب الأكثر سعادة ورفاهة سنويًا، وكأنها تتبارى لبلوغ هذا الهدف الأسمى. وبالتأكيد، لا مجال لذكر الشعوب الإسلامية والعربية والأفريقية ودول العالم الثالث أو تلك التي اعتدنا تسميتها بالدول "النايمة"، عفوًا النامية، بالرغم من غزارة ثرواتها الطبيعية وكثرة ولاداتها البشرية وسعة أراضيها الصالحة للزراعة وللتربية الحيوانية.
ونظرًا لما يمثله هذا الموضوع من أهمية ويشكله من حساسية بين الحكومات المتقدمة في السلوك الحضاري والإنساني والعلمي والاقتصادي والاجتماعي وسائر مضامير الحياة وبين مواطنيها، يجدُّ زعماؤُها ويجدّدون مساعيهم لإجراء مراجعة دورية ومناقشة الوسائل والكيفية التي يمكن بها تطوير نظام الضمان الاجتماعي للمواطن بالتنسيق والنقاش والتفاوض مع النقابات والمنظمات التي تمثل كافة فئات المجتمع وليس العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص فحسب. وهذا البرنامج الطموح يشمل العاطلين والباحثين عن العمل والمرضى والطلبة وسائر طبقات المجتمع من المواطنين والمتجنّسين على السواء. وهذا جزءٌ من حقوق المواطن في أعناق حكوماتهم وزعاماتهم. وإلاّ، ما جدوى هذه الزعامات وسياساتها إنْ لم تصبْ استراتيجياتُها في إسعاد شعوبهم ورفاهتهم وراحتهم! وهذا هو الفرق في سموّ استراتيجيات الغرب المتقدّم واحترامه للبشر فوق أراضيه مقابل أشكال التخلّف القائم في بلداننا في المنطقة وبالذات في بلدنا العراق في السنوات العجاف الأخيرة. فهم يبحثون عن كلّ جديد لإصلاح نظام التأمين الاجتماعي لجميع الفئات بما فيها الإحالة على المعاش للعمال والموظفين في القطاعين العام والخاص. ويكاد هذا الموضوع بالذات يشكل أحد الأسباب الموجبة في إسقاط الحكومات والأنظمة في هذه الدول المتقدمة في حال عدم إيفائها بالتزاماتها تجاه شعوبها في هذا المضمار، إذ تستخدمه النقابات وبعض المنظمات سلاحًا بوجه حكوماتها وإداراتها حين الضرورة.
واقع الرعاية الاجتماعية في العراق
لو نظرنا إلى ما هو قائم في مجتمعنا العراقي وقارنّا ما يحصل عليه مواطنونا من رعاية في هذا المجال، نكاد نصطدم بواقع بائس ضعيف مغاير تمامًا وبعيد عن أشكال نظام التامين الصحي والضمان الاجتماعي والرعاية التي يحظى بها المواطنون في دول الغرب المتقدّم. لسنا نختلف بشأن الاختلاف في طبيعة وشكل البشر في بلادنا وما هو قائم في هذه البلدان السعيدة بحظوة مواطنيها بنظام اجتماعيّ متقدّم موحّد ومن دون تمييز يؤمّنُ الحياة بشكل محترم ومعزَّز ولو في متوسط صوره. لكنّنا سوف نجد بالتأكيد أن لا مجال للمقارنة به مع نظامنا الاجتماعي البائس والمترنّح والمتعثّر في أبسط صوره. حتى ما تقوم به دوائر الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما تزال الإجراءات والمتابعات والتعليمات التي تصدر في صورها البدائية من حيث مسألة التفاعل مع حاجات الشرائح المشمولة به. ومثله الأسس التي يقوم عليها نظام التقاعد لموظفي الدولة بسبب ما يعانيه من فوضى وسوء تنظيم واجتهادات شخصية في تفسير القوانين والتعليمات. ناهيك عن حرمان شرائح كثيرة تعاني من البطالة ومن سوء معيشة ضمن عوائل لا تتلقى أية معونات من الدولة. ويكاد التعب والإرهاق والغمّ يلاحقها في البحث عن لقمة عيش كريمة، بالرغم من طفو البلاد على بحيرات من النفط، إلى جانب غيره من الموارد الطبيعية النادرة التي تدرّ أموالاً طائلة ولا يُعرف مصيرُها.
عندما يشعر المواطن في الغرب بالقلق من التدابير التي تستهدف حقه في عيش المواطنة بكرامة، يجد مَن يقف إلى جانبه ويتحمّل مسؤولية إيصال مطالبه ومشاكله بطرق مختلفة ولكنها حضارية تنمّ عن عمق الفهم لدور المواطنة وما يمكن أن تلقاه هذه من صدى لدى الجهات التي تدير دفّة البلاد والتي تخشى على مواقعها من تذمّر مقبول ومعقول لأصحاب الشأن. فالجهات المدافعة عن هذه الشرائح المتضرّرة في نظرهم، تجيد إدارة اللعبة وكيفية توجيه الجهات المعنية صوب تحقيق الشيء الكثير من تلك المطالبات والمناشدات. وهذا ما لا نجيده نحن في بلدنا. بل نفتقر لأدنى مستويات العمل والتنسيق في هذا المجال. ولهذا نلحظ عدم خلوّ برامج الأحزاب المتنافسة على الحكم من برامج تخصّ أو تتطرّق حصرًا إلى مواضيع الرعاية الاجتماعية والضمان الصحّي للجميع بهدف كسب الناخبين إلى جانبهم. فهذا الموضوع بالذات يشكّل إحدى الركائز الأساسية في البرامج الانتخابية للأحزاب والتنظيمات في الغرب المتقدم، وحتى للأفراد المستقلّين. والمتنافسون على الحكم من أحزاب ومنظمات ونقابات وأفراد لا يخذلون في الغالب ناخبيهم الذين يحاسبونهم في حالة الإخفاق بتطبيق البرنامج الانتخابي. فالإخفاق في أيّ من الوعود المقطوعة للناخبين يقابلها صدّ واعتراض ومقاطعة ثمّ الرضوخ للمطالب المشروعة، إمّا بتنفيذ هذه الأخيرة أو بحمل الحكومات والإدارات على الاستقالة. وهذا ما يحصل في الأغلب.
هموم أصحاب الشأن
من خبرتي في العمل، يطيب لي نقل مجمل هذه الهموم إلى الجهات المعنية في إدارة البلاد، متمثلة بالرئاسات الثلاث والقضاء والسلطة الرابعة لإيلاء هذا الملف ما يحتاجه من اهتمام بالغ بسبب معاناة شرائح كثيرة في المجتمع العراقي من تداعيات خطيرة في البحث عن لقمة العيش وكرامة الحياة المفقودة. فيما ساسة البلاد وزعماء الأحزاب وأتباعُ كتلهم ومَن يشكّلون الحكومة العميقة الخارجة عن سلطة الدولة غارقون في بحار الفساد وبأيديهم السلطة والمال والمكاسب وحتى أرزاق المواطنين الذين يخشون على حياتهم من بطش الفئات الضالة والميليشيات الوقحة التي تتصدّر الواجهة.
ولنا أن نسأل الكثير: كم من المواطنين المتقاعدين ينالهم الغبن في احتساب مرتباتهم التقاعدية والطريقة غير الحضارية في تقاضي استحقاقاتهم؟ وكم من العاملين خارج مؤسسات الدولة الرسمية يلحقهم الظلم والإجحاف بسبب غياب نظام الضمان الاجتماعي والصحّي وأيّ شيء يمكن أن يساعدهم في إعالة أنفسهم وأسرهم في حالة فقدانهم لأعمالهم ووظائفهم لأيّ سبب كان؟ وكم من العاملين في دوائر المنظمات الدولية والهيئات الدبلوماسية يشكون عدم وجود قوانين لحمايتهم ومن غياب لوائح تنظم عملهم وتحفظ استحقاقاتهم في مواصلة العمل وحين الإحالة القسرية على المعاش بلا مستحقات في حالة بلوغهم السنّ القانونية أو لأية اسباب تحول دون مواصلتهم الوظيفة بعد سنوات من العمل في أوساطها. هذا إضافة إلى الحيرة في تطبيق القانون الذي ينطبق عليهم، المحلّي أو العائد للجهة التي يعملون لصالحها؟ فهل سينتبه المعنيون بشمول جميع فئات الشعب العراقي في ظلّ المراجعة القائمة للقوانين التقاعدية وما يخص الضمان الاجتماعي لغير المضمونين بهذا النظام لغاية الساعة؟
تنوع في قوانين الدعم الاجتماعي
هناك قوانين دولية تمنح الموظف المستقيل حقوقًا تسمح له بمتابعة العمل في مشروع مستقلّ بدعم من الدولة التي تسانده وتدعمه حتى استقراره في العمل الجديد. وكلّ هذا مجانًا، حيث يجد تحت تصرفه متطوعين في القطاع الحكومي جاهزين لإرشاده نحو العمل الذي يناسب قدراته وكفاءته عبر ورشة تدريبية تتيح له التأقلم والتكيّف مع الوظيفة الجديدة المقدمة له. وهذا النظام متاح للجميع عبر التسجيل الالكتروني للبحث عن العمل في غالب الأحيان أو عبر دوائر مشابهة منتشرة في مدن ومناطق عديدة من البلاد. ومن المهمّ هنا في هذا البرنامج، أن يجد العاطل عن العمل ما يوفر له لقمة العيش ولو في أدنى صورها ومقبوليتها اجتماعيًا.
لذا تجد أنّ معظم الدوائر الحكومية ومعها منظمات ونقابات متنوعة الأهداف والمراجع في سباق مع الزمن وفي سعي حثيث لتقديم أفضل الخيارات والخدمات للعاطلين عن العمل أو لمساعدتهم في البحث عن وظيفة تؤمّن حياتهم. وهذه الحقوق تضمنها قوانين هذه البلدان التي تتولى تقديم حساب عسير في حالة خرقها أو تجاوزها. ولعلّ أحدث ما صدر من هذه القوانين في فرنسا ودول غربية أخرى مثيلاتها، منح الحرية والوسائل المتاحة لشركات القطاع الخاص التي تدير دفة اقتصادات الدول المتقدمة بجدارة، في مسالة اختيار نوع التدريب وتطوير الجانب الاحترافي في العمل عبر وسائل الكترونية حديثة ودعم المتقدّم بتوفير مكاتب استشارية متجددة الأفكار والتطور مع تطور الزمن والآلة والهدف. وقد لاقت هذه الوسائل الحديثة أصداء طيبة وسط العامة وخلقت سوقًا متنافسة في العمل وفي تطوّر آليته وصولاً لتحقيق نتائج مرضية للجانبين المتعاقدين وللدولة على السواء.
ولنا أن نتساءل ونحن في ظروف بلادنا المتأرجحة بين الفساد والتخلّف، وصراع الأحزاب والميليشيات من أجل اقتناص المكاسب والمناصب، وغياب الألفة والثقة بين الدولة وحكوماتها المتلاحقة الفاشلة في تأمين أبسط مستلزمات الخدمات الإنسانية: هل يمكن اعتماد شيء من نفحات هذه الأنظمة المتطورة ولو بوسائلها الأولية وبما يحقق حقوق العامة والخاصة بكرامة بشرية تليق بأبناء حضارات سادت العالم في يوم من الأيام حتى أصابها القهر والظلم والحرمان والتعسّف بسبب فساد الذمم وتراجع الأخلاق وفساد الساسة وتفشّي الممنوعات وشرعنة سرقة المال العام من فئات مشاركة في السلطة؟
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة