خواطر
وكتابات عامة
البشر جميعا اخوة، حقيقة إنسانية مغيَّبة
لويس اقليمس
27
اب 2019
كلّ مخلوقات الله حسنة وجميلة ومتساوية في البشرية وفي الإنسانية أمام الله خالق المسكونة وضابطها. وهذه حقيقة مغيبة في سجلّ الكثيرين ممّن ينكرونها أو يترفعون عنها ولا يسلّمون بها لكونها تؤذي مصالحهم وتقضّ مضاجعهم ليلَ نهار، خوفًا من تراجع المكاسب الخاصة والضيقة التي تكون في الغالب جشعة وغير نزيهة، أو خشية من فقدان جماعات معينة لمراكزها وامتيازاتها ووجاهتها لصالح الأجدر من نظرائهم في الخليقة من دون تحديد الزمان والمكان والظرف والحالة.
مجتمعات متكافلة
لستُ هنا بصدد الانتقاص من امتيازات أحد أو تجاهل خصائص مجموعة عرقية أو جنسية أو الاعتراض على جماعة حاكمة ومترفة لحدّ التخمة، بقدر ما بودّي تبرير عدم استساغة المجتمعات المتكافلة والمتعايشة إنسانيًا لأشكال التعامل غير الإنساني والرؤية الناقصة والفكرة الزائغة لنفرٍ من أمثال هؤلاء المتطاولين على البشرية والمتكبرين على نظرائهم والمستصغرين غيرهم من المتساوين مثلهم في الخلقة والناكرين حقَ هذا الغير في العيش الآدميّ الذي تكفّلت به السماء حين خاطب الله آدم وحواء وأرادهما أن يكثرا وينموا ويملآ الأرض بنينًا وبنات ليهنئوا ويعيشوا سعداء في فردوسه الأرضي بادئ ذي بدء. هذا كان مشروع الله الكبير والعظيم في خلق البشرية كي تجتمع على المحبة وعلى حبّ الخالق بأدواتها وسلوكياتها اليومية وكي لا تغضبه ولا تزيغ عن مشروعه الإلهي.
هولُ الحروب التي تضرب عالم اليوم وما خلّفته وماتزال تخلّفُه من مآسي وويلات ونكبات وكلّ أشكال الشرّ تمثل اليوم طعنة كأداء في رؤية الخالق الإلهية وخيبةً في المشروع السماوي بالرغم من كون أغلبية البشر إن لم يكنْ جميعُهم يتناغمون قولاً وظاهرًا مع إرادة هذا الإله الذي تعددت صورُه وأشكالُه وأخلاقُه مع تغيّر فكر البشر ورؤاهم بحسب اختلاف مصالحهم وذرائعهم وانتماءاتهم. فالمتديّنون من كلّ الأديان والمشارب يكبّرون ويدعون ويصلّون باسمه ليلَ نهار ويدّعون تأدية الصدقة والعشر والزكاة ويتبجحون بالصوم والصلاة والظهور على شاشات القنوات الفضائية والبرامج الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما معظم هؤلاء بعيدون في الواقع عن حقيقة أمرهم وعيشهم فيما يقولون وما يصرّحون بما لا يفعلون. فالظاهر شيء، أمّا الباطن والفعل الحقيقي فهو شيء آخر مختلف تمامًا حين يضربون عرض الحائط حقيقتهم البشرية التي هي ملك الخالق وبها ينبغي أن تسمو بالسمات الإنسانية وكلّ الصفات التي يحبها الله من تلك التي تقرّب إليه وإلى الجنّة العتيدة التي تنتظر الأخيار وطيبي القلوب وأصفياء النفس والعقل والفكر وصالح الأعمال والخشية من فعل الشر. فحينئذٍ، لا الثروات المكتنزة بالحرام تنفع ولا ممارسة اللصوصية بحق المال العام الذي هو ملك الجميع يدفع شرّ المصير ولا شتى أنواع الشرور والمكاره والظلم والقتل باسم الله يشفع. كما لا تنفع القبور المكلّسة التي يشتهي أصحابُ الفساد تهيئتها أو التوصية بها بعد الممات. فمتى تدنو الساعة، حينئذ ينتهي كلّ شيء. فيقف الظالم والفاسد والماكر وصاحب الشرّ أمام عرش الديان العادل الذي بإشارة منه يرسل مختاريه الطيبين إلى يمين فردوسه الجميل. أمّا الأشرار وناكرو حقِّ الغير في عيش إنسانيتهم وحياتهم كما أرادها الخالق العظيم، فمصيرُهم النار وصريرُ الأسنان، وهناك لا ينفع ندم ولا بكاء ولا شفاعة ولا رشوة بالمال الحرام.
وسؤالُنا، متى سيدرك البشر أنهم جميعًا خليقة حسنة لإلهٍ طيب، عظيم، رحمن، رحيم، مالك كلّ شيء ومحبّ لجميع البشر من دون تمييز في الجنس والعرق واللون والفكر والحرية التي حباها لخليقته بإرادته العظيمة ومحبته الكبيرة لبني البشر أجمعين؟
إن دروس الحياة كثيرة وكبيرة، وهي خير طريق لمراجعة الذات بالفرص الكبيرة والكثيرة المتوفرة في كلّ زمان ومكان. ولعلَّ مَن يقف مناديًا وصارخًا بوجه الظلم البشري ضدّ نفر فاقد الطيبة والرحمة، له الحق كلّ الحق بالدعوة بالثبور واللعنة على كلّ بشرٍ ظالم أو حاكم جائرٍ أو مجتمع فاسد بأكمله لا يعر ف مخافة الله ولا يعي دعوته السماوية في احترام البشر، كلّ البشر خليقة الله الحسنة. هذا الإله الطيب الرحيم وغير القاتل الذي أُلصقت باسمه العديد من الجرائم وأشكال القتل وسفك الدماء البريئة بتأويلات وتفاسير زائغة لا ترقى لأية سمة إنسانية، هذا الإله لا يستحق كلّ هذه الصور السوداوية والمظاهر المزيفة التي تدّعي الانتماء لدينه والشكل المشوّه لهذا الدّين الذي يسعى الأشرار والفاسدون والمفسدون في الأرض التماهي بها لتسهيل ارتكاب الفظائع باسمه. فالدّين من هؤلاء براء براءة الذئب من دم يوسف الصدّيق. ألم يشكّك يعقوب بادّعاء إخوة يوسف حين جلبوا له قميص عزيزه ملطخًا بالدم؟
هكذا الإنسانية أيضًا بريئة من ادعّاء كلّ فاسد ولصّ وجائر وظالم في الأرض مهما سما قدرُه وعلت منزلتُه وتضاعفت ثرواتُه وتوسعت سطوتُه ضدّ بني جنسه من البشر المتساوين معه في الخلقة وفي الإنسانية. وهذا يعني، بلهو موقفٌ لحث كلّ الطيبين محبي البشر والمؤمنين بعدالة السماء ورحمة الله الخالق على سلوك طريق النصح والتوعية والتثقيف من دون تردد ولا تغافل ولا خوف. فاللامبالاة لم تعد خيارًا في عالمٍ مزدحم بكلّ انواع السلوكيات غير الصحيحة والزائغة معًا، ما يدعو صفوة المجتمعات في كلّ مكان للمطالبة بتحقيق العدالة والمساواة والرحمة والتكافل ورفض التمييز على أيّ أساس كان وفق مبدأ الخالق العادل في تساوي كلّ خليقته بالحق المكفول في الحياة الآدمية المقبولة.
أسرة واحدة
وهذا هو المبدأ الذي ساقه وسعى لتطبيقه المهاتما غاندي حينما كتب بأنّ "الإنسانية جمعاء أسرةٌ واحدةٌ غيرُ مجزأةٍ وغير قابلةٍ للتجزئة، وكل واحدٍ منّا مسؤولٌ عن أعمال القتل التي ارتكبها جميع الآخرين". وهذا ما أكّدته لائحة حقوق الإنسان وتسعى منظمات دولية وخيرية عديدة لتطبيقه في الحياة اليومية ضمن مجتمعات فقدت توازنها واختلّت قواعدُ عيشها بسبب تصاعد أعمال الجرم والقتل والجور والظلم بحقّ بشرٍ بل بحقِّ مجتمعات بأكملها بحجج واهية. ولا ريب أن يشهد عالم اليوم هذا التخبّط الكبير في تفسير حق العيش بحسب نزوات ورغبات وأجندات فئات وجماعات تدّعي أحقيتها بالسطوة على العالم وعلى البشر بالطريقة التي ترضيها ناكرة حق الآخرين في عيش حياتهم وكرامتهم بحسب رضا الله الخالق وقوانين السماء التي لا تقبل الظلم والتعسّف والمكابرة.
وفي النهاية ينبغي أن يدرك الجميع ويعرفوا حقيقة كون جميع البشر إخوة وأخوات لبعضهم البعض، أولاد وبنات لإله طيب رحيم ومحب للجميع من دون تمييز.
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة