خواطر
وكتابات عامة
نافذة على المثقف والثقافة
لويس اقليمس
6اكتوبر 2016
ليس للثقافة والمثقف من حدود، تمامًا كما في العلم. فالعالم مَن لا يرضى بما حصل عليه من تعليم أولّي أو لنقل أساسيّ في تربية نفسه وعقله ومختلف جوانب حياته. فهو شخصٌ غير اعتياديّ يغوص في شغفه بالنهل ممّا يتيسرُ تحت أياديه وبما يستنير عقلُه وترتاح له نفسُه من علوم وبحوث ومستجّدات. فيمضي في مشواره سابرًا غورَ بطون الكتب، محلّلًا ومقارنًا وكاشفًا ومقدِّمًا زبدة ما يصل إليه، للقارئ والمستمع والمطالع والباحث.
صنوُه الآخر، إنْ لمْ يكن أكثرَ منه التصاقًا بالمجتمع والإنسان والنظام العام، المثقّفُ الذي لا يرضى بما حصل عليه من ثقافة عامّة، مجتمعية ودينية وأخلاقية وأدبية وحتى سياسية واقتصادية، بل يتعمّق في هذه جميعًا ويقدّم طروحاتٍ وأفكارًا ويستعرضُ آراءً للمناقشة والمقارنة والمقاربة بهدف إيجاد أرضية جيدة للحوار والنقاش والتفاهم من أجل خلق مجتمع متوازن ومتزن وقابل للتعايش بين المجموعات التي قد تختلف في الدين والمعتقد والمذهب والرأي، لكنها ينبغي أن يجمعَها حبُ الوطن واحترام الآخر وتقبّل النفس البشرية مهما كان نوع الاختلاف معها ومع منهجها الشخصي والمجتمعي والديني والفكريّ.
فالمثقف دارسٌ موضوعيٌّ وباحثٌ وكاتبٌ وناشرٌ، لا يقبل المجاملة والمواربة والمسايَرة على حساب حقوق المجتمع الذي يعيشُ فيه والنظام السياسيّ والاجتماعيّ الذي يسيّرُ الحياة، بهدى الله الخالق أم برفض قوانين السماء السمحاء. وهذه من أهمّ ما يمكن أن يكون عليها المثقف المخلص لمبادئه والأمين على ما يعتقدُ به من سلوكيات صائبة تفيد المجتمع والدولة. وإلاّ ما فائدة ثقافته، إذا سايرَ اشكالَ الفسادَ وسكتَ عن الجرم والمجرمين، وتغاضى عن أخطاء المجتمع والسياسة، وامتدح فلانًا تكسبًا غيرَ مسوَّغٍ، أو قدحَ آخرَ انتقامًا وتهتّكًا من غير مبرّر. وهو يفعل هذا في أكثر الأحيان، في غياب أية حصانة أو حماية سياسية أو اجتماعية.
فهناكَ مّن يستطيع تحمّلَ وزرَ فعلِه الجَسور حينَ يكشف عن مواقع الخلل أو الفساد أو يعطي رأيًا يخالفُ السائدَ في حكم السياسة والمجتمع والدّين والمعتقد. وبالعكس، هناكَ مَن لا طاقةَ له بما يلقاهُ من لومٍ وتعرِّضٍ لشتى المضارّ والتهديدات التي قد تستهدف حياتَه أو أفرادَ عائلته أو مصالحَه أو وجودَه كمواطن وكإنسان له كلّ الحق في التعبير عن نفسه وفكره ورأيه، مهما اختلف مع الآخرين الذين لا يستحبّون النقد ولا يقبلون بالإشارة لأفعالهم الشائنة أو سلوكياتهم الشاذّة وسط المجتمع.
قد يذهب تركيزي نحو ما يمكن للمثقف السياسيّ أن يحملَه من معطيات وآراء وأفكار في هذه الأيام الحرجة الصعبة والمليئة بالمعاناة والخبرات المتعددة، السلبية المؤلمة منها أكثر من الإيجابية المفرحة.
فمن شأن هذا النوع من أركان الحياة، يمكن أن يكون له تأثيرُه المباشر في مجرى الحياة اليومية للمواطن. لكنَّ ذلك لا يسدّ الطريق أمام النتاجات الأدبية أيضًا التي لا تقلّ أهميةً، شعرًا ونثرًا وقصة وروايةً، للنخبة التي بإمكانها هي الأخرى معالجة مواقع الخلل في المجتمع ونظامه السياسيّ الذي يسعى جاهدًا لأسرِ هذه الفئة المثقفة في خانة قوقعة المنافع الضيقة والمصالح الطائفية والفئوية.
ممّا لاشكَّ فيه، أنَّ الكثيرين يرون في المثقف، مرآةً للمجتمع وانعكاسًا لصورته، أيًّا كان نتاجُه الفكري أو الأدبيّ أو السياسيّ أو الإعلاميّ.
فلا حضارة لمجتمع أو لكيان دولة من دون ثقافة ومثقفين يعكسون صورتَه، سلبًا أو إيجابًا. فالجانب السيّء أو السالب يزولُ ولا يبقى ولا يدوم. بينما الإيجابيّ منه هو الذي يُتحدّث عنه على المنابر وفي الساحات والأزقة، حتى لو كانَ قاسيًا وفيه نبرة نقد للإصلاح والتنبيه من خطورة المضيّ في دهاليز السيّئات والمفاسد والسلبيّات. وهذا دور المثقّف الحقيقيّ الذي .
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة