خواطر
وكتابات عامة
كابينة مبتسرة تحت التهديد
لويس اقليمس
18
ايار 2016
كما المتوقع، فقد نال رجل الدين الشيعي الطموح والجسور، السيد مقتدى الصدر، مبتغاه بفرض أجندتِه، في الوقت والتاريخ اللذين رسمهما للرئاسات الثلاث، ومطالبته بطرح الكابينة الوزارية بأي ثمن.
فجاءت جلسة الثلاثاء 26 نيسان 2016، التي وُصفت بغير مكتملة النصاب وغير الشرعية، لتنهي الحراك الاعتصاميّ الذي عوّل عليه الشعب العراقيّ ومَن بقي له من حرصٍ وطنيّ على مصلحة الأمة والوطن والشعب. فخروجُه عن أجواء الاعتصام وفضّه له بتلك الطريقة المثيرة للجدل، كانت أشبه بطلاق بين الحراك المدني الوطنيّ النظيف، وخطّه الأيديولوجيّ القريب من الحسّ الوطنيّ في ظاهرِه، ومن تجلّيات الشعب المقهور، بالملايين التي تخضع له بلا نقاشّ وتأتمر بأمره.
كانت خيبة الأمل أكبر، حينما تناغمت مطامحُ رئيس التيار الصدري مع شركاء الكعكة لإعادة تقاسمها وفق تصوّر السيّد وكتلته وتحت تأثير عصاه الغليظة التي لوّحَ بها مرارًا وتكرارًا. وقد خرجَ من حركة العصيان النيابية والشعبية على السواء، رابحًا أكبر، بالطريقة التي تمّ فيها تمرير الكابينة الوزارية المجتزأة.
فلغة التهديد وأصوات الوعيد المتلاحقة، كانت طغت في الأيام السوابق لعقد الجلسة، وسط إجراءات غير مسبوقة لقوات الأمن والسلطة وانتشار واضح وغير مطمئن لميليشيات كانت تجوب الشوارع بكل تيهٍ وإثارة تجذب النظر.
بل كادت الشوارع تخلو من حركتها المعتادة غداة الإعلان عن انعقاد جلسة مشتركة، حشّدَ لها الإعلام الموالي لأصحاب تمرير الصفقة الجديدة، في أوساط مَن حضروها ومَن لعبَ دور الانتهازي من النواب المعتصمين عندما غادر بعض هؤلاء قاعة الاعتصام واصطفوا مع الغرماء الشركاء تلافيًا لأيّ انشقاق أو تمزّق في صفوف التحالف الشيعيّ، الذي لا يُرضي الجارة إيران أن يخرج الحكمُ بعدَ اليوم عن رجالٍ تحت طاعتِها.
وصفها البعض انتكاسةً للديمقراطية، وعقبة كأداء جديدة في طريق مَن عشقوا ثورة الشارع من أتباع التيار المدني الديمقراطي، المرهفين في إحساسهم الوطني والمشاركين طموحاتِ الشعب ومطالبته للدولة والحكومة، برئاساتها الثلاث وسلطاتها، بإجراء تغييرات جذرية في بنية الدولة وفي العملية السياسية وإدارة شؤون البلاد والعباد وفق رؤى عابرة للمحاصصة الطائفية والفئوية.
كما أنّ ما رافق تلك الجلسة من استدعاء لرجال الأمن وإدخال كلب حراسة قاعة البرلمان خلال تواجد النواب وإغلاق مداخل ومخارج القاعة بطريقة مريبة واستفزازية في جلسة رسمية، كانت مفاجأة وسابقة غريبة غير حضارية وغير مستحبّة وغير لائقة بممثلي الشعب الرافضين لفرض أيديولوجية أو نظام محاصصي مقيت رفضه الشعب والشارع ونخبة من ممثليه، بالرغم من تباين الرؤى حول النية والأجندات لكلّ طرف.
لم ينجح المعتصمون من النواب الثائرين الذين علّقوا آمالاً كبيرة على حركتهم، بالرغم من وقوع بعضهم في دوّامة الاتهامات التي طالتهم مثل غيرهم من حكّام العراق، شركاء تقاسم السلطة والجاه والمال. ومن المؤسف أن الطعنة الكبيرة في خاصرة الحراك السياسيّ الوطنيّ، قد جاءت من زعيم التيار الصدريّ ذاته، وهو الذي رفعه الشعب لرتبة الوطنيّ الشجاع والأسد الهصور في مقارعة الفساد والفاسدين وبإمكانه من إخراجهم من جحورهم بوثبة قاصمة. وكان أملُ الجميع ألاّ ينهي الاعتصام إلاّ بتغيير جميع الرئاسات والسلطات التي فشلت في إدارة دفة البلاد طيلة 13 عامًا من حكومات "تسيير الأعمال"، كما حلا لأحد قادة التحالف الحاكم أن يصف مرةً الفترةَ ما بعد التغيير لغاية الحراك الراهن!
انتهت ثورة الشارع، ربما، بانسحاب ما جنّدَ له زعيم التيار الصدري من ماكينة إعلامية وحشود بشرية زاحفة ومركبات تصول وتجول وسط هتافات ترعيبية وترهيبية في أغلب الأحيان وزعيق موسيقى تلك المركبات.
لكنّ رؤية الشعب والنخبة من مثقفيه ومعهم المصرّون على إبقاء جذوة الاعتصام فاعلة، لم يفقدوا الأمل، ولم ينهوا عنفوانَهم في التصعيد والمتابعة والملاحقة والتواصل، لأجل خلق جبهة قوية معارضة، تضع الحق في نصابه. فرؤية الشارع، غير رؤية الشركاء الغرماء، المتسترين على بعضهم البعض عندما تسخن الحديدة لحدّ الاحمرار.
لكنّ التجربة، تُعدّ في كلّ المقاييس، بداية لصحوةٍ بسبب جهلٍ أو غفوة غير محسوبة النتائج، قد يستفيق من سباتها النُّوَمُ، والخانعون لإرادة الزعماء، والتابعون لمكاتب الإسلام السياسيّ بطرفيه، والمنتقمون من عروبة البلاد وتعددية أديانها ومكوّناتها الأصيلة، نتيجة للدعم الدوليّ والأمريكي الذي حظوا ومازالوا يحظون به.
كلُّ مَن تابعَ مجريات الجلسة، وسط الهرج والمرج، والطريقة التي أُديرت بها، وكأنّ الحضور كان في روضة أطفال، على حدّ وصفها من قبل أحد النواب. فيما جاء التهديد واضحًا على لسان أحد قادة التيار الصدري، حينما أدرك خروج الجلسة عن السيطرة. فنظرُه إلى ساعته، وإنذارُه للسيد رئيس البرلمان بإمكانية اختراق الجماهير الحاشدة للمنطقة الخضراء، خلال نصف ساعة، عجَّلَ من دعوة رئيس البرلمان للسيد رئيس الوزراء لتقديم ما في جعبته من مرشحي الكابينة، لأنّ الجماهير تنتظر، بحسب قوله! فكان التصويت على خمسة وزراء دون سبعة آخرين، لم يحصلوا على التزكية. وفي كلّ الأحوال، لم تكن الجلسة بمستوى الطموح، إضافة إلى ما نالَها من انتقادات لاذعة ومِن فوضى ومن مواقف اتجّاه بعض المرشحين، لم تخلُ من نفحة طائفية وعرقية وفئوية، وربما شخصية أيضًا.
وفيها صحّ القول" تمخض الجبل، فأنجبَ فأرة"!
في ضوء أجواء جلسة الثلاثاء الفوضوية، أقرّ حسين الشهرستاني في لقاء لأحدى القنوات في مساء ذات اليوم، وهو قائد شيعي بارز ووزير مقال ومتهم بالفساد تمامًا مثل غيره الكثيرين، أنّ أغلب مَن حكموا العراق بعد 2003، لم يكونوا موفقين وعلى قدر تضحيات الشعب. من هنا، يمكن الحكم أنَّ الطبقة التي حكمت العراق بعد السقوط المأساوي بذرائع واهية وفي أجواء انتقامية، ليسوا ممثلين شرعيّين للشعب الذي انتخبهم كي يدافعوا عن حقوقه ويجهدوا في رفع معاناته وتنمية موارد البلاد وإسعاد العباد.
والنتيجة، لا وطن حرّ ولا شعبٌ سعيد ولا خدمات ولا كهرباء ولا مساكن ولا تطوّر ولا سلع ومنتجات وطنية ولا أمن ولا استقرار، والقائمة طويلة. بل ما يجده في كلّ يوم حواليه في البيت والعمل والدائرة والشارع، مفخخات وانتحاريين ودماء تسيل، ومخلّفات ونفايات تملأُ الساحات والشوارع، ونقص كهرباء وماء ووقود، وبناء عشوائي غير مسيطر عليه، واستيلاء على مساكن وبنايات وساحات تابعة للدولة والمواطن، وبطالة وتردّي مؤسسات علمية وتربوية، ومداهمات سرقة في عزّ النهار وفي الليل، وخطف وقتل وملاحقات، ومنازعات على مناطق بين الغرماء السياسيين لتوسيع حدود جهة على حساب أخرى، وأخيرًا جرائم "داعش" الإرهابيّ، التي إنْ هي إلاّ نتيجة تراكم الفساد ورواج النيات غير الحسنة لشركاء العملية السياسية في المثلث الحاكم المتشبث بالسلطة والرافض مغادرة سياسة المحاصصة التي بُني عليها النظام الفاسد في العراق على أيدي الغازي الأمريكي، راعي العملية السياسية بالتنسيق مع اللاعب الكبير الإيراني بالمنطقة.
إنّ الخاسر الأكبر، في هذه المناورات غير السارّة وغير المجدية، وفي المماحكات والتجاذبات السياسية حول كيفية إدارة شؤون الدولة، لم تعد تنفع. فقد طفح الكيل، ولا بدّ من فورة قاصمة لا تُجامل ولا تماري ولا تتراجع عن مبادئ وطنية ثابتة وعن حقوق شعب مقهور، التفّ عليه الأعداء من كلّ حدبٍ وصوبٍ، وطعنَه ومازال يطعنُه أهلُ بيته وبنو جلدته، بالسعي لاقتطاعه واجتزائه وتقسيمه بحسب أهواء الشركاء الثلاثة الرئيسيين في العملية السياسية الخاسرة والفاشلة بامتياز.
فالشارع منكوب، ومصائرُ الشعب تُباعُ وتٌشترى في سوق البورصة التحاصصية منذ عقدٍ ونيّف، والجموع التي تحسبُ نفسَها ثائرة تُسيّسُ قضيتُها ايديولوجيًا حينًا، وخلف الكواليس وفي أروقة البرلمان والقصور والفنادق الفاخرة حينًا آخر. وبانتظار ساعة الفرج، وقدوم القائد المنقذ، القويّ العادل، نلقي بحملنا على قوة الله. فهو شارحُ الصدور وقاهر الطواغيت وملهمُ الطيبين ليأخذ هؤلاء دورَهم في قيادة شعوبهم نقل البلاد من دولة المحاصصة إلى دولة المواطنة.
وكفى بالله شهيدًا! فلا بدّ لسماكة الظلمة أن تنقشع!
.
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة