اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

أزمة حكومة أم خبطة وطنية؟

لويس اقليمس

 

   4 ايار 2016

 

تضاربت الآراء والتوقعات حول الأزمة التي تمرّ بالوطن، وما قد يترتب على الحراك المتخبّط الأخير، من نتائج وتعقيدات بل وتمريرات من أجل الخروج من الأزمة المركبة بأيّ ثمن. فالشعب لم يعد يستوعبُ أو يتحمّل مثل كلّ مرّة، ما تنوي الكتل السياسية وزعماؤُها من تمريره عبر صفقات مشبوهة لا تخدم غير تثبيت مواقعهم ومناصبهم في الحكم والسلطة والسرقة من الكعكة المتهالكة التي يبدو أنها لم تنضب بعد، بحجة الشراكة والاستحقاق الانتخابي والحفاظ على الدستور "الأعرج".

 ولكن، ما يتفق عليه الجميع، هو أنّ الحراك الأخير قد هزّ عروش الرئاسات الثلاث، التي بدأت تتخوّف على مصيرها وتخشى من عواقب فقدانها لجامَ الحكم الذي بات في حكم الآيل إلى السقوط. فالخبطة الشعبية - السياسية برمتها، قد بلغت مرحلة الغليان الحقيقي، ولم يعد يبقى للزعامات القابعة خلف أسوار المنطقة الخضراء والحكومة العاجزة من أمان أخير سوى زيادة التحشيد العسكري وإغلاق المداخل والمخارج التي تؤدي إلى المنطقة الخضراء ومؤسسات الدولة، بضمنها مباني الوزارات المهددة بالاقتحام في أية لحظة. وفيما الشعب يعلّق آمالَه على الفورة الاعتصامية لممثلي الشعب، مهما كانت نوايا المعتصمين وإن تضاربت وتداخلت وتباينت، فإنّ الأحداث قد تلد مفاجآت، لا تُحمد عقباها.

 فقد يُفلح القائمون عليها وقد يصيبُها الفشل، كما سابقاتُها، بتأثير الدخلاء والمتطفلين والوسطاء الذين يبحثون، هم أيضًا، حسب مقتضى مصالحهم وتوجهات أسيادهم. لكن المؤكّد أن السلطات، قد تبادر لاتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية الصارمة لمواجهة احتمالية انفلات زمام الاحتجاجات والاعتصامات، المعروف عنها في صفوف الشعب.

عشائر العراق: ما يثير التساؤل في هذه المرحلة الحرجة، ركون العشائر جانبًا، وعدم تحرّكها "وطنيًا" في ظلّ الأزمة القائمة، بالرغم من التأثير الذي يمكن أن تؤديه، سواءً في التماهي والتجاوب مع ما يجري في الشارع الثائر وفي استمرارية المطالبة بما يريده الشعب والمرجعية والرأي العام، أو في تأجيج الرأي العام "سلبًا" عبر استباحة الدولة ومؤسساتها وتجييرها بالتالي لصالح الكتل السياسية المهيمنة على مقاليد السلطة منذ 2003، حفاظًا على مكاسبها العشائرية هي الأخرى بالتشارك مع الحيتان الكبيرة.

 فثوار ثورة العشرين في ذلك الزمن حيث للعشيرة مواقفُها الوطنية الناضجة والواضحة، قالوا كلمتهم وفعلوا فأفلحوا، فحفظ لهم التاريخ كلمتَهم ووقفتَهم وثورتَهم. ومثل تلك الوقفة الوطنية، قد حان أوانُها في هذه الأزمة المستفحلة. فهلْ من مجيب؟ وبما أنّ المتضررين اليوم من سوء الإدارة، ومن التقاعس الواضح في وضع حدود للفساد واستباحة المال العام وهي ثروات الشعب، ومن النقص المتزايد في الخدمات، وفي زيادة البطالة، هُم في معظم أحوالهم من أبناء العشائر، لذا كان من الأولى على زعماء العشائر ومَن يلتفُّ حولَهم، أن يشاركوا بعزم وقوّة وفاعلية في إثارة الرأي العام "إيجابًا"، وفي مساندة المعتصمين والمتظاهرين "الثوّار"، لما لهم من كلمة مسموعة واحترام وسط العامة من أتباعهم.

 صحيح، هناك مَن قدّمَ ولاءَه لحيتان السياسة والسلطة في وقت مضى، ومنهم مازالَ على ذات القياس سائرًا في طريق المجاملة والانتفاع الفئوي أو العشائريّ أو الشخصيّ الضيّق، إلاّ أنّ الواقع الراهن يتطلبُ أيضًا، النأي بالنفس عن كلّ ما يمكن أن يدمّر البلد ويضرّ بالعباد في ضوء عدم ارعواء حكّام السلطة الذين لم يراعوا حرمة الوطن والشعب المغلوب على أمره والزاحف لتلقّي لقمة العيش بضنك وكسافة وإهانة في الغالب.

هناك مَن يتساءل في ظلّ الظروف القاهرة هذه، أين الدور الإيجابي لعشائر العراق وأين دورُها في توجيه الرأي العام نحو إعادة لحمة نسيج المجتمع المتفكّك والعودة بهذا الأخير للفورة الوطنية المعروفة لدى هذه العشائر عندما يقتضي الأمر والواقع؟ لا ننكر أنّ دور هذه العشائر في تأليب الرأي العام ضدّ العدو المشترك "داعش" الذي استباح الأرض والعرض، كان مثار الفخر والاعتزاز، استجابةً لنداء المرجعية الرشيدة في التلبية لنداء "الجهاد الكفائي".

 ولولا ذلك النداء، لكان العراق في خبر كان! ومثلُها، حالتُه الراهنة تستوجب الحرص الوطني المعروف عن العشائر الأصيلة، بعيدًا عن المجاملات والمماحكات والانجرار وراء التخندق القاتل، القومي منه والديني والطائفي والمذهبي الذي لا يخدم غير الدخلاء والأغراب عن الوطن وحرامية الليل والنهار. فالرئاسات الثلاث ليست ملكًا لأحد، ولا لعشيرة ولا لدين ولا لطائفة ولا لقومية معينة بحدّ ذاتها.

 فمتى كانت المناصب في دولة العراق، حقوقًا عشائرية وقبلية لأطراف محددة دون غيرها؟ فإنْ سايرَت العشائرُ حيتانَ السياسة من هذا المنطلق، فهي تزيد النار تأجيجًا وتطيل من بقاء هؤلاء ومَن فيهم من الفاسدين والمفسدين في السلطة وفي نهب الثروات وسلب الحقوق واستمرار الأزمات التي لن تتوقف طالما هناك مَن يحمي ويغطّي ويتستّر. لقد أثبتت الأيام ما أتى به التخندق الطائفي المبني على التحاصص في كلّ شيء، من أعلى موقع في الدولة حتى أدناه. وقد قال الشعب كلمتَه الناصعة في هذا الشأن، ولا تراجع عن المطالب حتى تحقيقها وإنقاذ البلاد من مفاسدِ المحاصصة والتخندق وإشكالياتِها وانتهاكاتها المتكررة والثابتة لحقوق الوطن والمواطن، بحجة الاستحقاق الانتخابي.

 فهذا الأخير، لم يعد له مفعولٌ بعد موجة السخط والغضب والثأر والانتقام التي اعتمرت قلوب المتظاهرين وملاين المؤيدين لهم، علنًا أو في الخفاء! وما بالُكم، لو أن ّ الإصرار على التخندق المقيت واللهاث وراء تعزيز المحاصصة، وتعنّتَ المثلث الحاكم وأطرافُه السياسية من دون تمييز، وتمسكُّهم بمكاسبهم وحصصِهم، من شأنه أن يجعل من حبل المشانق المنصوبة "رمزيًا" في ساحة التحرير، حقيقة واقعة لا تُستبعد في بلد خَبِرَ مثل هذه المناظر المقززة التي تثير الرعب وتزرع الفزع وتُدخل الخوف إلى قلوب المواطنين غير الآمنين منذ عقود على حياتهم ومصيرهم ومستقبلهم؟ هذا لمجرّد التفكير والتذكير ومراجعة الذات! وبالتوازي، هناك عشائر أصبحت حاضنات للإرهاب والسلب والتغاضي عمّا يُقترف من جرائم ومخالفات للقانون العام وللروح الإنسانية والتكافلية التي طُبع عليها نسيج المجتمع منذ الأزل.

فالعشيرة وزعماؤُها من الأصلاء المتجذّرين بروح المواطنة الصادقة والمعروفين بدفاعهم عن المظلوم والمقهور والفقير، كانت دومًا ملاذ هؤلاء عندما كانت تجعل شعار الوطن يعلو على أية راية غيره. وهذا هو المطلوب في هذه الأزمة الخانقة والفوضى الخلاّقة التي تتحكم بمصير وطن وأمة وشعب. فالعشيرة تبقى، ولأجلٍ غير مسمّى، من سمات المجتمع، بل وقاعدة أساسية في بنائه وتكوّنه وتنميته، وليس كي تعود أداة متخفية بعباءة الدين والطائفية والمذهبية التي تفرّق ولا تجمع، تمزّق ولا ترتق، تشظّي ولا توحّد.

 النخب الثقافية والإعلام: لا يخفى على أحد، مدى التهميش الذي واجهته النخب الوطنية الثقافية والعلمية، ووكلاء السلطة الرابعة من إعلاميين وصحافة حرّة مستقلّة، من الذين نالهم الشيء الكثير من أساليب الإقصاء والإبعاد وحتى التهديد. وتلكم كانت من جوهر الأسباب التي حكمت على العديد منهم بالهجرة والاضطرار لمغادرة الأهل والبيت والموقع والوطن. فإرادة الشرّ كانت أقوى من أن يرضخ الأحرار المستقلّون في الرأي والقرار لشرور الحيتان الكبيرة التي أكلت الأخضر واليابس ولم تبقي لأولاد "الخايبة" ما يقيتون به أهلَهم وأسرَهم وأنفسَهم من لقمة شريفة.

فالكلمة الحرّة النزيهة أضحت جريمة يُعاقب عليها دستور المحاصصة بأمرٍ من الحاكم سيّء الصيت "بريمر"، الذي مازال يتحكم بالعراق وساسته وأهلِه عن بُعد، وعبر الدستور الأعرج الذي صاغه أو اشارَ إلى صياغتِه بطابع الطائفية الذي يبقي البلاد في فوضى التفسير وسوء الفهم والعناد في تطبيق بنوده المحمّلة بالقنابل قابلة التفجير في أية لحظة، تمامًا كما شهدنا ذلك منذ إجازته لغاية الساعة! فقد ترك هذا السياسيّ المخادعُ، الحبلَ على الغارب للقادمين على دبابات بلادِه ومن مزدوجي الجنسية من أصحاب الشهادات المزوّرة الذين تهافتوا لتقاسم الكعكة الدسمة. لقد تواصلت الأقلام الجريئة مع صحوة الضمير النيابية التي هزّت عروش الرئاسات الثلاث، وقال محرّرو الأعمدة ورؤساء التحرير والمحلّلون من الكتّاب والمثقفين كلمتَهم في الأحداث وفي الحراك السياسيّ الساخن.

 ومنهم مَن آثر السكوت والتغاضي عمّا يجري وما يصير ويُحاك، إنْ خوفًا أو تهرّبًا من المسؤولية الوطنية التي تقع على الإعلاميّ والمفكر والمثقّف الحريص على الوطن والمواطن، وما بين الاثنين من حقوق وواجبات. والتاريخ يسجّل للحالتين موقفًا! إننا نعتقد أن المرحلة السابقة منذ السقوط الدراماتيكي، قد طُبعت بفشل الأداء في السلطات الثلاث: - التشريعية منها التي أخفقت بسنّ القوانين المهمّة كما كان يُنتظر منها، من خلال ربط التشريعات بمصالح الدين والطائفة والمذهب والعرق ولصالح الكتل والزعماء والأحزاب فحسب. - التنفيذية منها التي لم تلبي طموحات الشعب بغدٍ أفضل وخدماتٍ أرقى وأمانٍ أفضل. بل بالعكس، فقدْ فقَدَ المواطن ما كان قائمًا قبل السقوط.

 وما عُدّ ديمقراطيةً مصدَّرة إنّما جاء نقمة وانتقامًا من الشعب المقهور. فيما رئاسةُ الدولة تقف عاجزة عن تحييد الصراعات بين الكتل وتنفّذ أجندتَها المرسومة من كتلتها لتعزيز مكتسبات هذه الأخيرة استعدادًا ليوم الاستقلال المرتقب! - وأخيرًا القضائية التي تمّ تسييسُها ولم تستطع لغاية الساعة أن تخرج من عنق زجاجة الحزب الحاكم الذي شكّل دولة ومؤسسات وأجهزة موازية للدولة الرسمية.

 فيما الأمل المعقود بصحوتها قد تلاشى هو الآخر من حيث تقييدها وعجزها في ملاحقة الفاسدين والمفسدين وسراق الشعب في وضح النهار، بالرغم من توفر الملفات واعتراف بعض هؤلاء بالتهم الموجهة لهم! ما حصل في أروقة مجلس النواب مؤخرًا، كان خبطة سياسية وصحوة وطنية، بالرغم من تباين النوايا وتشعّب المطالب. لكنّ ما جمعهم، كان أشبه بفورة ضدّ عقليّة استحواذ القرار من زعماء الكتل الذين استعبدوا نوابَهم وفرضوا عليهم هيمنتَهم وسطوتَهم كي لا يخرجوا عن طوعهم ويبقوا أسرى ذات الدائرة الطائفية والتحاصصية التي يسعون للإبقاء عليها بحجة التوافق والشراكة ومسمّيات أخرى لا تخلو من الأنانية والمصالح الفئوية الضيقة البعيدة كل البعد عن الحرص الوطنيّ الصحيح.

أمام مثل هذه الانتفاضة الصحيحة، وهذه الفرصة في استعادة الروح الوطنية الضرورية من أجل بناء الوطن، كان من المفترض على أصحاب الأقلام الوطنية الجريئة من المستقلّين في الرأي ومناصري التيار الديمقراطي المدنيّ الوطني الحرّ المستقلّ، أن ينبروا أكثر من غيرهم في تأييد الاعتصام والبحث في أسبابه وإيجاد البدائل عن إشكالية الحكومة أي السلطة التنفيذية التي كانت وما تزال هي السبب في كلّ ما يعاني منه الوطن والمواطن. فالمشكلة الأساسية كانت وماتزال تكمن في حكومة المحاصصة أساسًا والتي بدت للملأ ضعيفة وهزيلة وعديمة القدرة في مواجهة التحديات و"لا" الحيتان الكبيرة المتمسكة بالشراكة التحاصصية، ولأجلها وقّعت بسرعة البرق لما أُسمي "بوثيقة الشرف"! لكنّ جهات مراوغة ركبت الموجة، هي الأخرى، وحاولت الالتفاف حول إجراءات سحب الثقة من حكومة المحاصصة، فالتفّت حول مشكلة لم تكن في الحسبان، فأوقعت رئيس البرلمان ضحيةً وكبشَ فداء.

 إن الصدى الذي لاقته انتفاضة النواب منذ أيام، كان لها وقع كبير في صفوف الشعب، بل هي إشارة على صحوة مرتقبة ومنتظرة منذ حين من أجل وضع اللبنات الأساسية لنظام سياسيّ جديد بعيد عن المحاصصة المقيتة التي أثقلت اقتصاد البلاد، وآذت العباد، وأفقدتهم راحتهم وأمنهم وأملاكهم وأرضهم ومساكنهم، وشتّتتْ أهلَهم وأبناءَهم، وأحالتهم أغرابَ في بلدان الاغتراب وهم أصحاب الفضل على العالم وبنو حضارة ومروءة وكرم. فلتقلِ الأقلامُ الحرة المستقلّة كلمتَها، ولينتفض أصحابُها مع المنتفضين من أبناء الشعب بمختلف تياراته المدنية والعقائدية، ومع النواب بالرغم من اختلاف وجهات النظر حول ما فعلوه ومن عدم تبرئة بعضهم من السير في ركاب كتلهم التحاصصية الانتفاعية في فترات السنوات المنصرمة. إلاّ أن الوقت يقف معهم، كما يقف أصحاب الكلمة الحرّة المستقلّة مع المطروح من وضوح المطالب وصراحة المقاصد لإسقاط الرؤوس التي نهبت البلاد ودمرت العباد وأساءت إلى الصوت الذي أتى بها إلى الحكم.

ومادامت الإرادة قائمة والاستجابة فاعلة والتواصل مشتركًا، سعيًا وراء تصحيح مسار العملية السياسية برمتها، ومنها تعديل الدستور وإعادة كتابته على أيدي خبراء قانونيين بعيدًا عن تأثيرات الكتل ومصالح الأحزاب وأطماع الطوائف الدينية والمذهبية والعرقية، فإن هناك أملاً بالنجاة، ولن نحتاج لترهيبٍ وترويع بمشانق ورموزها في ساحات التظاهر الشريفة! أما الأسلاك الشائكة وحشود العساكر المنتشرة، وهي ملاذ الحكومة العاجزة، التي تريد ردع الكلمة الحرّة وتسعى لوأد الانتفاضة الشريفة للتيار المدني الفاعل منذ أشهر، فلن تثني المواطن من مواصلة المطالب الوطنية بالسعي للعيش سعيدًا في وطن حرّ، ودولة مدنية، ونظامٍ ديمقراطيّ يحترم اختلاف الآخر ولا يميّزه عن غيره إلا بالكفاءة والولاء للوطن، فكرًا وأرضًا وسماءً ومياهًا!

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة