خواطر
وكتابات عامة
الصحة الحيوانية من متطلبات التنمية
وتطور الاقتصاد الوطني
لويس اقليمس
4
ايار 2016
في 30 نيسان القادم 2016، يحتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للبيطرة، وفيه سيتم اختيار أفضل مساهمة صحية في مجال البيطرة لعام 2105.
وسيُصار إلى تكريم الجهة التي تقف وراءَ هذه المساهمة المتميزة، في احتفالية رسمية للمنظمة الدولية للصحة الحيوانية OIE، التي ستحتضنُها العاصمة الفرنسية باريس، لاحقًا، للفترة من 22-27 أيار القادم 2016، بدورتها ال 84. ومن المواضيع التي تتطرق إليها هذه الدورة، هناك موضوعان مهمان وأساسيان:
1- إقتصاد الصحة الحيوانية: وفيها تناقش التكاليف المباشرة وغير المباشرة لتفشي الأمراض الحيوانية.
2- مكافحة مضادات الميكروبات المقاومة كجزء من نهج مفهوم "الصحة الواحدة": وفيها يتم مراجعة الإجراءات الواجب اتخاذها واستراتيجية المنظمة العالمية للصحة الحيوانية.
الفضل بإطلاق مبادرة اليوم العالمي للبيطرة يعود إلى جهود المنظمة العالمية للبيطرة في عام 2000.
ومذ ذاك، يتم الاحتفال به سنويًا في الأسبوع الأخير من شهر نيسان. وفي عام 2008، اتفقت كلٌّ من المنظمة العالمية للبيطرة (AMV) مع المنظمة العالمية للصحة الحيوانية (OIE)، في تقليد سنوي لتكريس جائزة باسم اليوم العالمي للبيطرة، بهدف تشجيع الجهات المساهمة بتطوير هذا القطاع المهمّ في حياة المجتمعات.
تعمل المنظمة الدولية للصحة الحيوانية منذ عام 1924، من أجل تحسين الصحة الحيوانية عبر شبكاتها المتعددة عالميًا في أكثر من 180 بلدًا أعضاء فيها. وهي تسعى مع غيرها من المنظمات الدولية، مثل منظمة الفاو FAO ومنظمة الصحة العالمية OMS، لتذليل الصعاب أمام التحديات التي تواجهها الثروة الحيوانية والمستهلك من البشر.
وهذا النشاط العالميّ يعدّ جزءًا من إسهام هذه المنظمات في تحسين صورة العالم وفي التطور الاجتماعي والاقتصادي لشعوب العالم بأسره، بما يكفل تكوين بيئة صحية للإنسان أينما وجد. فالدعم والمساهمة التي تمنحها هذه المنظمات الدولية تدخل أيضًا ضمن التزام أعضائها بتحسين نوعية الخدمات الصحية البيطرية التي هي بمثابة حجر الزاوية لأية مبادرة صحية فاعلة واساسية بمواجهة التحديات الكبيرة.
من المعلوم أنّ دور المختصّين في مجال البيطرة وبالذات فيما له علاقة مباشرة مع الصحة الحيوانية وكيفية حماية هذه الثروة الوطنية في أيّ بلد، كبيرٌ وغاية في الأهمية.
فهؤلاء إلى جانب الوقوف على حدّ معالجة التحديات الصحية المتزايدة في مجال اختصاصهم، تقع عليهم أيضًا مسؤولية تحسين ما يترتب على الجانب البشري، لتفاعل الجانبين معًا في الحياة العامة وتداخلهما.
فالصحة صفقة واحدة بين الإنسان والحيوان!
تشير التحديات الصحية التي رافقت زمن العولمة الحالي إلى تعاظمها وتفرّعها، سواء البشرية منها أو الحيوانية. وبتنا لا نتفاجأ إذا كُشفت بين فترة وأخرى أمراض بشرية جديدة، ومنها المعدية والناقلة. فهذه في تزايد مستمر في كل سنة، بحيث يجري الكشف سنويًا عن بعضٍ منها، قد يصل إلى خمسة أنواع من الأمراض البشرية، أصلُ ثلاثٍ منها قادم من منشأ حيواني في الغالب، بحسب الخبراء، كما أصدرتها النشرات العالمية في هذا المجال. ومن الأمثلة في هذا الجانب، مرض "الإيبولا" الناجم عن علاقة الحيوان (فصيلة الكلب) بالإنسان. وهذا ما يستدعي حصول تطور بإيجاد وسائل متجددة للعلاج والوقاية على السواء، عبر تجدّد المعارف وتبادل الخبرات والعلاجات من خلال أدوات ودورات تدريبية مستدامة تسهم في كيفية التعامل مع المستجدّات المرضية المشتركة بين الإنسان والحيوان.
وهذا يتطلب أيضًا، استخدام أحدث التقنيات المبتكرة للسيطرة على المخاطر الصحية المحتملة المتأتية من مصادر حيوانية.
فالأمراض المنقولة عن طريق الحيوانات تشكل اليوم تحديًا كبيرًا للصحة العامة في جميع أنحاء العالم، ولم تعد تقتصر على المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية الحارة المعتاد
عليها تقليديًا.
كما أنّ التغيرات المناخية المتزايدة تشكل هي الأخرى مصدرًا لانتشار الأمراض المنقولة الناشئة أو المتجددة مع الأيام، وعلى تفشي الأمراض المعدية التي اصبحت معروفة، مثل فيروس غرب النيل والليشمانيا، ومرض طاعون المجترات الصغيرة وسلّ البقر والحمّى القلاعية وما سواها من الأمراض الوبائية الشائعة. من هنا، تُعدّ الأمراض المنقولة عن طريق الحيوانات مثالًا حيًا للترابط القائم بين أدوات كثيرة منها الناقل والمضيّفات والظروف المناخية والعوامل المسببة للمرض في مواجهة الإنسان لأخطارها.
من هنا، يأتي دور الطب البيطري كلاعب أساسي في إخراج مفهوم "الصحة الواحدة" المشتركة بين الحيوان والإنسان والبيئة، من خلال لعبه دورا مركزيا في الحفاظ على الصحة العامة، سواء كان ذلك بالتعرّف على أسباب الناقل أو بإيجاد العلاج الشافي الذي يحدّ من انتشار المرض ومسبباته. وهذه تتمّ من خلال إجراء مسوحات ميدانية وفحوصات فيزياوية تجرى بصورة يومية متكررة على الحيوانات ومنتجاتها، بما فيها الحيوانات السائبة غير المنتجة كالكلاب والسنّوريات وما على أشكالها. وهذا ما يجعل ضروريًا، إيجاد صيغة عمل مترابطة بين الطب البيطري وطب الصحة البشرية العامة من خلال التنسيق المشترك بين الاثنين لوضع حدود للأمراض المنقولة والجدّ في علاجها وتهيئة الأدوية والعلاجات واللقاحات الضرورية لتفادي الأمراض المنقولة والناقلة.
ونظرًا للتحديات المتزايدة في عالم الاستهلاك للمنتجات الحيوانية من قبل الإنسان، فقد جعلت منه مصنعًا متحسّسًا إزاء ما يمكن ان يتناوله في حياته اليومية. فالمضادات الحيوية المستخدمة في التربية الحيوانية مثلاً، قد تشكل حرجًا لدى المستهلك بسبب ما قد تجلبه من نتائج غير مُرضية.
لذا لا بدّ من التعقل في استخدام البشر للمنتجات التي تطرحها الأسواق، إلى جانب المساهمة البشرية الفاعلة التي تضمن القضاء على أنواع الأمراض والتغلب عليها من دون حصول نتائج عرضية، وبما لا يشكل أيضًا خسارة للثروة الحيوانية. وهذا يتطلب توجيه المستهلك لامتلاك وعي صحّي بطبيعة ما يتناوله، ويما يتم تداوله في السوق التي باتت تحوي كلّ شيء.
ولضعف الوعي لدى المواطن، أسبابٌ عديدة، منها ذاتيّ وشخصيّ نتيجة لقلّة الثقافة العامة وانعدامها أحيانًا، فيما يخصّ المجال الغذائي اليومي، أو بسبب ضعف المراقبة من الجهات الصحية العاجزة بالتصدّي لضعاف النفوس والمتجاوزين على التعليمات الصحية البيطرية أو البشرية، هذا إن وُجدت هذه أصلاً. وكذلك بسبب تقصير الجهات المعنية في التوجيه التوعوي للمواطن، نتيجة لفتح بعض الدول أبواب الاستيراد من دون رقابة وطنية أحيانًا، أو بسبب عجز الجهات الصحية الرقابية بتنفيذ الإرشادات الدولية والوطنية حول الاستخدام الأمثل للمنتجات وفقدان الدراية بما هو صالح من عدمه.
في العراق، تبذل دائرة الصحة البيطرية بوزارة الزراعة، جهودًا مثمرة من أجل تفعيل القرارات واللوائح التي تصدر عن المنظمة العالمية للصحة الحيوانية، وضمن قدراتها وطاقاتها، بالرغم من محدودية هذه الأخيرة.
وما مواكبتُها للتطورات البيطرية عبر مشاركاتها الدولية في المؤتمرات والأنشطة التي تتكفل بتحسين الصحة الحيوانية في البلاد، إلاّ تعبير عن وضع إمكاناتها القائمة في خدمة المواطن وفي تعزيز قدراته الإنتاجية ومتابعة كلّ ما يستجدّ في مجال الصحة البيطرية. نأمل من وراء مجمل هذه الأنشطة، أن تتعزّز صورة الاقتصاد الوطنيّ وتقديم ما هو الأفضل في مجال الصحة الحيوانية وتقديم الدعم الحكومي للبرامج والأنشطة التي تتولى عملية تطوير الثروة الحيوانية في البلد. فهذه لا تقلّ أهمية عن سائر التحديات القائمة، لأنّ دعم المنتج الحيواني الوطني ومعالجة مشاكله الصحية والبيئية، جزءٌ لا يتجزّأ من عملية الحفاظ على الثروة الوطنية ودعم اقتصاد البلاد وصولاً للاكتفاء الذاتيّ.
.
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة