اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

العراق يحترق بنيران الأغراب عنه

لويس اقليمس

 

   12 نيسان 2016

 

   بالتفاعل مع غليان الشارع العراقي، والتفاف الرأي الشعبي والوطني حول إصرار المعتصمين على مواصلة الرفض لما يحصل من تلكّؤ في الحراك السياسي للكتل الحاكمة، وتباطؤ بل تراجع رئيس الوزراء، واهتزاز موقفه إزاء مشروع الإصلاحات، هذه جميعًا قد وضعت العملية السياسية في مفترق طرق.

وقد تكون ما يُسمى بالفرصة الأخيرة قد ولّت هي الأخرى، ولم يعد لها من وجود البتة مع قدوم يوم الخميس الحاسم. وممّا زاد من زخم الشارع ومن الإرادة الصلبة للمعتصمين، إنضمام رجل الدّين الشيعي الشجاع مقتدى الصدر، الذي ألهب حماسة المتظاهرين بالأمس القريب والمعتصمين منذ أيام، وجبرَ لهم خاطرَهم كقائدٍ سياسيّ ميدانيّ يُحتذى به، فيما لو التزم مبدأ الدولة والوطن والمواطنة وليسَ مؤثرًا السلطة وجاهدًا لها.

يُضاف إلى ذلك، ما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي من خبطات وتعليقات وصحوات لمن كانوا حتى الأمس القريب نيامًا يتدثّرون بما يكذب عليه وجهاء السلطة من زعماء كتل وسياسيين فاسدين ومغرضين وأحزاب. وهذه جميعًا، قد تعوّدت التلاعب بمصير أهل العراق المحترق، المنهوب، المسلوب الإرادة والثروة والفكر، في زمن اللاّفكر واللاّوعي واللاّوطنية.

وأسفاه عليكَ يا وطن، وأيادي الأغراب عنك من أهلك، تُحرقك بفعالهم الشنيعة وبتقاسمهم الكعكة وذبحهم للضحية ونهبهم لثرواتك، وهي ملكُ أولادك وأكبادك وكادحيك ومواطنيك الغيارى الذين لم يبيعوك كما فعلَ ويفعل حكام السلطة منذ قدومهم وفرضهم إرادتهم اللاوطنية عليك وعلى أهلك ومحبيك الحقيقيين. فمَن يصرّ على التمسك بالسلطة بالرغم من رفضه من الحشود المليونية، إنّما يدقّ مسمارًا في نعشك الحضاري! ومَن يرفضُ الإصلاح بحجة الاستحقاق والخزّان الانتخابي الملوث بالرذيلة والفساد والرشى، إنّما يتشارك مع الدواعش الذين جرّدوك من تآلف نسيجك ويريدون فرض لونٍ واحد على شعب متعدد الأعراق والأديان والطوائف! ومَن يسرق عقاراتك وينهب ثرواتك ويهرّب نفطاتك، إنّما يغوى الشرّ بعينِه ويتقاسم مع الشيطان بفعله ويتصاهر مع الجنّ بجرمه!

حدقاتُ عيون الثكالى وصرخاتُ النساء المحرومات وعويلُ الأطفال من المهجرين والنازحين والمطرودين من ديارهم، كلها دلائل جرمٍ مشهود يتحمّل مسؤوليتها أركانُ السلطة الحاكمة منذ السقوط الدراماتيكي في 2003، ولا أقول الدولة. فالدولة العراقية باقية وثابتة ومنبعثة قريبًا من نفق الظلام ومن سكرات الموت الذي أراده المخططون للمأساة والمنفذون للأجندة الخارجية من الأغراب على الوطن القادمين على دبابة المحتل، ومن المتسابقين للوصول إلى السلطة من غير حق، إلاّ لكونهم من أتباع أهل السلطة ومن أحزابهم ومذاهبهم. فهؤلاء منحوا أنفسهم حقّ الغرف من منابع النفط والنهب من ثروات البلاد والعمل على إفساد أفكار العباد والسير في ركاب الجياد الطائشة التي داست أرض المقدسات وصمّت الآذان كي لا تسمع ما تنصح به المرجعيات الدينية الوطنية المعتدلة ولا تعمل بما يتأمله ويطمح إليه الشارع الذي يغلي اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، بعد أن اكتوى ولحقه العسر والمشقة والمذلة.

ما يريدُه الشارع العراقي، أصبح واضحًا لا اختلاف عليه. "شلع قلع"، تمامًا كما نادى به متظاهرو الجمعة ومازالوا على ذات النهج وذات الرؤى وذات الإرادة! فالإصلاحات الترقيعية التي يصرّ عليها أصحابُ الآراء المريضة والمتشدّقون بالدين وتلابيبه والمتعصبون للقومية وثآليلها، كلهم بانت نواياهم ووضحت رغباتُهم وطفت ألاعيبُهم، وهم يخشون كنسَهم بفعل إرادة الشعب الذي يريد الحياة ويقدّسها. فالشعب الذي ضحّى وقاسى وعانى من عسرة الهضم وكآبة الليل وسحابة الظلم، لا بدّ أن ينجلي عليه الضوء ليضيء طريقَه في نهاية المعاناة بعد سهر ودأب وألم وعناد.

رحم الله أبا القاسم الشابي الذي يذكرنا بما نحن عليه وما نصبو إليه:

إذا الشّعْبُ يَوْمَـــــــــاً أرَادَ الْحَيَـاةَ    فَلابُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـــــــــدَر

وَلا بُـدَّ لِلَّيــــْلِ أنْ يَنْجَلِــــــــــــــي    وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِــــــــــر

أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ   وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـــر

وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ    وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر

فَوَيْلٌ لِمَــنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ    مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر

إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ    فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَــــــدَرْ

تلكم إرادة الحياة. ومّن لا يصعد الجبال ولا يسعى للآمال ولا يقاوم الشرّ وأدواته، فهو كمَن عاش أسيرَ الأخير منتظرًا دودة الأرض لتنخر جسمَه، وهو أقربُ للموت من الحياة! فالشارع العراقي قد صحا إلاّ النيام من المتحذلقين والمنتفعين من أطوار المسرحية السياسية الفاسدة الجارية منذ أكثر من عقد من الزمان. فمع توالي الأيام والأشهر والسنين، والعملية السياسية تتراجع بعيدة عن حراك الشعب ومطالبه وطموحاته. فهي لم تكن يومًا نموذجًا لحكم رشيد يخشى الله في عباده، بعد زوغانها واتخاذها منحى طائفيًا واضح المعالم طيلة الدورتين السابقتين لرئاسة الوزارة، وكأنّ روادَها كانوا على موعد مع القتل والتهميش والفساد والانتقام، ولم تكن عودتُهم سوى لتحقيق رغبة كامنة أسيرة في نفوسهم. فالحزب الحاكم لغاية الساعة، لم يلحظ منه الشعب غير الكساد والفساد والعناد في تكميم الأفواه وتحشيش الأتباع وتخمة الكروش وزيادة الحسابات وكثرة المشاريع.

 اليوم أكثر من ذي قبل، اتضحت معالم المعركة السياسية بين طغمة ضالعةٍ في الجريمة، تابعةٍ لأجندات الغير وكارهةٍ لحياة آدمية ومستحقَة ومرفهة لشعب جذورُه متأصلة في الحضارة والأنفة والرفعة، ضدّ طوابير وصفوف مليونية من المنادين بالإصلاح والتغيير الجذري وليس بالضحك على الذقون عبر تغيير وجوه تتحكم بها أحزابٌ وكتل وتحرّكها أجندات ومخططات بعيدة عن مصالح الوطن والشعب. فمع كلّ التحذيرات الشعبية لأصحاب الأجندات الخارجية، والمناداة الصريحة بقلع أرباب الفتنة الطائفية واستئصال شأفة الفاسدين والمفسدين في الأرض ومحاسبتهم أمام الشعب، ما تزالُ وجوه بائسة مصرّة على التمسك بمناصبها والاحتفاظ بكراسيها، تبجحًا بالاستحقاق وبحجة المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية والشراكة السياسية والتوافقية التي أثبتت هشاشتَها على توالي الأيام والسنين. حتى الخجل والعيب والخشية من الله وعباده وكتبه السماوية، قد تنحت عنهم. ومازال البعض منهم، يرفع الرؤوس تكبرًا وزهوًا بأفعالهم المشينة وتسخير مناصبهم وكراسيهم لمصالحهم الخاصة والعائلية والمذهبية والعشائرية والعرقية الضيقة. بل وحتى هذه اللحظة المصيرية الحاسمة، هناك مَن يضع خطوطًا حمراء ضدّ أي تغيير مرتقب في صفوف أتباعه ومريديه أو ما يسميه استحقاقه الانتخابي الذي لم يعد له قيمة بعد انتفاضة الشعب المقدسة. أليس بمقدور سياسيينا الفاشلين والمنتفعين أن يتعلموا شيئًا من دروس مصر الكنانة ومن انتفاضة شعبها الحكيم الذي ضرب المثل في الولاء للوطن؟

وإذا كان النظام السياسي قد تأسس على وتر طائفيّ في مرحلة غافية ووفق ظروف غير طبيعية، فقد آن الأوان لاستئصال ذلك النظام الخائب الذي فشل، ومازال يريد أن يُفشلَ معه كلّ جهد وطني نحو بناء الوطن وإعادة هيبة الدولة ومؤسساتها المدنية وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية والدفاعية. ولكون النظام السياسيّ الفاشل، قد تأسس أصلاً للمحافظة على مصالح الكتل والأحزاب وقطع كلّ طريق ممكن لمحاسبتها، ولفرض الوصاية الدينية والمذهبية والطائفية على عموم الشعب، فقد سئم الشعب هذه التمثيلية المضجرة التي أُخرجت دوليًا بشطارة ودهاء، لتتماشى مع مقاسات المنتفعين جميعًا. لقد وضعت خيم الاعتصامات الأخيرة، المثلثَ الحاكم وزعماءَ الكتل والأحزاب ومَن يديرها ويرعاها، في مأزق حقيقي لا تُحسدُ عليه، ولا يمكن أن تخرج منه بسهولة كما تعوّدتْ في كلّ مرة. ولو كانت لدى المتلبسين بالجريمة والفساد ونهب المال العام والضالعين بخيانة الوطن والشعب على السواء، والمخيّبين لآمال ناخبيهم ومريديهم الذين منحوهم الثقة والولاء الأعمى، لو كان لهؤلاء ولو ذرة من الخجل والأنفة والإحساس لكانوا تراجعوا وأطلقوا سيقانهم للريح هربًا من دينونة قادمة وحكم قاس للشعب المنتفض ومن قضاء عادل قادم بإذنه تعالى. فالذي مضى كثيرٌ وما بقي إلاّ القليل القليل! لقد كانت أمام رئيس الوزراء أكثر من فرصة، ولكنه لم يستغلّها، لضعفه وعدم وضوح رؤيته وغياب استراتيجية سياسية واضحة لشخصه. فقد بقي أسيرَ حزبه المنتقم من الكل حتى من الشيعة أنفسهم، وواصلَ كونَه عبدَ كتلته الطائفية التي لم تتبع البتة خطًا وطنيًا، بل ظلت تابعة لحاميتها الجارة إيران التي لم ولا تريد الخروج عن طوعها. وما أُتيح للسيد العبادي من قوة معنوية ودينية وشعبية، لم تُتح لغيره، بل ظلّ يراوح ويماطل ويجامل كسبًا للوقت، مفتقدًا شجاعة القائد الذي ينتصح لقول الحق ويعمل لمصلحة الشعب ولهيبة الدولة. حتى الحزم الإصلاحية التي نادى بها، ظلت حبرًا على ورق ولم تنفع إلاّ للاستهلاك السياسي المبتذل وللتندر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وللكلمات التي سطّرتها أقلام وطنية شجاعة لا تخشى في الحق لومة لائمٍ! لقد نصحه العديدون بالتخلّي عن جلباب حزبه وشرنقة كتلته وفكره الطائفي، فلم ينتصح، وها هو ومَن معه في مركب واحد، في طريقهم إلى الهاوية يجرّون أذيال الخيبة والندم والحسرة. لكن الأيام تمضي ومعها القافلة تسير، إلاّ أنَّ التاريخ لا ولن يرحم! إن القراءة الوضعية لواقع الحال لا تبشر خيرًا.

فالبلاد ماضية نحو مصير حتميّ بتغييرات دراماتيكية لا تُحسب عقباها، وفي فوض، لا سمح الله، إنْ لم تتعقّل الزعامات وتتفاعل الكتل وتنتصح للحكمة وسداد الرأي وتحكيم المصلحة العليا للوطن ونبذ الكراهية والأحقاد وأساليب الإقصاء، والعودة إلى مبدأ المواطنة والرجل المناسب في المكان المناسب بديلاً عن نظام المحاصصة الطائفي والعرقي والديني ومبدأ الأكثرية والأقلية التي نخرت جميعُها جسدَ العراق الجريح ونهشته أنيابُ الأسود والذئاب والثعالب والكواسر في الداخل والخارج. لقد بدا واضحًا، انهيار المنظومة السياسية الشيعية التي أتى بها المحتل الأمريكي كي تسوس البلاد بغياب مشروع وطنيّ في جعبتها وكذا بسبب خلوّها من نفحة المواطنة الصادقة بسبب تبعيتها. وهي اليوم تتآكل فيما بينها لحدّ الاصطدام، للسبب الرئيسيّ أعلاه، ولأسباب أخرى جانبية، منفعية وشخصية، وفئوية ضيقة حيث تقاطعت المصالح وتفاقمت المشاكل فيما بينها. ولولا تدخل الراعي الشيعي الكبير في إيران، لكانت اختفت ملامحُها السياسية من الساحة منذ أمد! لكنّ سلطة الشعب والجماهير أقوى من كل الجبابرة والطغاة، كما قالها يومًا السيد محمد باقر الصدر، الذي لم ولن يختفي ذكرُه.

 فالمجتهدُ الشاب انتفض اليوم لصوتِ الشعب واعتصم راغبًا بإصلاح ما أفسده الساسة من بني جلدته وطائفته وشركاؤُهم الذين آثروا مصالحهم على مصالح الفقراء واستبدلوا خشية الله في عباده بعباءة الدين والمذهب والحزب والكتلة والعشيرة والقومية الفارغة. لقد اقترب يوم الحسم، ولن يكون بغير حقٍ وخارجَ طاعة الله وحقوق البشر المقهورين والمظلومين والمستعبدين بغير حق من قبل وجوهٍ نصّبتْ نفسَها راعية كاذبة وغير أمينة على الرعية والشعب. فقد أثبتت الأيام والوقائع وقوع أغلب ساسة البلد من دون استثناء، في حبائل الحيلة والسرقة والنهب والانتفاع الشخصي والولاء لأحزابهم وكتلهم وجماعاتهم ومذاهبهم، أكثر من حرصهم على مصالح الأمة ووحدة الأرض والشعب. فقد بددوا الخراف واغتنوا على حساب العباد وتاجروا بمصائبهم، ولم يلتزموا تدبير الرعية كما ينبغي، تمامًا كما مطلوب من الراعي الصالح الذي يتولى جمعَ الخراف ويخاف عليها ويحفظها من الذئاب الخاطفة. وبعدُ، لن يصح بعد هذا المخاض العسير، غيرُ الصحيح. وهذا لن يكون إلاّ بمغادرة أركان السلطة من الفاشلين، فيتركوا البلاد بأيدي أمينة من كفاءات الوطن المستقلّة، وما أكثرها، يكونُ ولاؤُها حصرًا للوطن ولتنمية موارده واستغلال ثرواته لمصلحة البلاد والعباد وبناء علاقات وطنية وإقليمية ودولية متحضرة قائمة على مبدأ حقوق الإنسان ووفق دستور متمدّن، "يعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". فإقحامُ الدين والمذهب والهويات الفرعية في السياسة أيضًا مسألة فيها نظر بحسب دروس التاريخ والواقع، وفصلُها عنها تدبيرٌ وحكمةٌ وخيرٌ لعباد الله جميعًا يضمن الحقوق بتعدّد الأديان والأعراق والمذاهب!

فسلامُ عليك يا عراق الحضارة والقيم

 سلامٌ على رافديك العذبين والشمم

فأنت مزارٌ يهزّ الهمم

وستظلُ منارًا للأمم

وحصنًا ودارًا لكل النعم

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة