خواطر
وكتابات عامة
معًا، ضدّ استعباد المرأة واستغلالها
لويس اقليمس
20
آذار 2016
تبذل منظمات المجتمع المدني، والنسائية منها بخاصة، حملات مكثفة ومتتالة للتعريف بما تعانيه المرأة والفتيات القاصرات في محطات كثيرة من دول العالم، ومنها مجتمعاتنا الشرقية، من ظلمٍ وقساوة يطال شخصها ويضعها في خانة الاستعباد والاستغلال لطبيعتها الناعمة ولمشاعرها الطيبة واللطيفة. فهي ليست دومًا، في موقع الضعف الذي يسمح لضعاف النفوس من الرجال باستغلال طيبتها وصفاتها الأنثوية الجاذبة، لاسيّما إذا أنعمت السماء عليها بمزيج مشترك من الجمال الجسدي والعقليّ والذهنيّ على السواء. إلاّ أنّ إشعارَها بمثل هذا الضعف في مسيرة حياتها الاجتماعية، بسبب الظروف المجتمعية والضغوطات الدينية والتبعات التقليدية المتخلفة التي تحيط بها، قد تحيلُها إلى مثل هذا الكائن الضعيف الذي لا حول ولا قوّة له، لاسيّما إذا لم تستطع الإقناع بأنّها ليست، كما يحلو للبعض اتهامَها،ب"ناقصة دين وعقل". فالله خلق المرأة إنسانًا كاملاً، تمامًا كما خلق الرجل، بل زادها جمالاً وخصَّها بميزة الحمل والولادة والتربية وإسعاد رفيقها وشريكها، كيفما كانت علاقتهما الوضعية.
الأمم المتحدة والكثير من الدول والهيئات المستقلة تولي هي الأخرى، اهتمامًا لشخص المرأة وتفضح أنواع العنف التي تطالُها. لكنّ التنديد وحده، وقد صار صفة متلازمة ومكرّرة لهذه المؤسسات، لا يكفي، إذا لمْ يتحقق تغيير منهجي وجوهريّ في العقلية التي تساهم وتسهّل لأنواع الاستغلال القسريّ لهذه الإنسانة الرائعة التي تمثّلُ أروع صورة لخلق الله في الأرض، من حيث الشكل والقيمة والجمال وتقاطيع الجسد ونبرة الصوت، وكذا بالقدرة الربانية لخلق أسرة مثالية تنعم بالراحة وتسبّح للخالق في خلقه وتفرح بخليقته، كما أنعم عليها الباري بإمكانية صنع حياة جديدة. من هنا، كان حقّها الطبيعي بالعيشفي أجواء سليمة، متساوية ومتوازنة، من المحبة والهناء والسلام والسعادة التي تنشدها كلّ امرأة من حيث طبيعتها المميزة هذه.
كيفية وضع حدود لأنواع العنف التي توجه ضدّ المرأة في العالم عامة، وفي شرقنا بخاصّة، تتطلب آليّات وبرامج وقرارات على قدر المشكلة، وهي كبيرة ومعقدة ومليئة بالأشواك، ولاسيّما من جانب مَن يعدّها وعاءً للتفريخ أو آنية للمتعة أو كرستالةً للزينة والتباهي والمتاجرة. وكلّ هذه المفردات والسلوكيات والآراء، هي التي تحطّ من قدر هذه الإنسانة الكاملة الطيبة في طبيعة خلقتِها وتركيبتها البشرية الناعمة. وإزاء هذا كلّه، لابدّ من وحدة الكلمة ورفع الأصوات عاليًا للمطالبة باحترامها ومعاملتها أسوة بأخيها ورفيقها وحبيبها وشريكها الرجل، في البيت والعمل والدائرة والمعمل والشارع والمسجد والمعبد والكنيسة، وفي كلّ مكان. فعوض استغلالها والحطّ من قدرها في سلوكيات التحرّش وإسماعها كلامًا ناشزًا يخدّش الحياء ويقلّل من قيمتها وسط المجتمع، ينبغي رفع شأنها لكونها الأم والأخت والزوجة والابنة والرفيقة والمُحِبّة والعشيقة والمعلّمة والطبيبة والمهندسة والعاملة والمربية. فهي هذه كلّها وكثيرٌ غيرُها، ممّا لا يتيسر للقلم أن يخطّه ويسطّره بحقها. فالرجل في وقت ضيقه وإزاء مشاغلِه الكثيرة عادة، لا يميل إلاّ إلى حنان شريكته لينال قسطًا من عطف صدرها الرحب وحنانها الشافي للجراح كالبلسم. بالله عليكم، أمِن طيبة وحنان ومحبة أكثر من هذا وممّا يحتاجه الرجل؟
أكيدٌ، أن ّ الممارسات الشاذّة وأنواع سلوكيات العنف التي تمارس ضدّ المرأة، تُعدّ انتهاكًا خطيرًا وصارخًا، بل إثمًا في مدرسة حقوق الإنسان وتمييزًا ضدّ جنسها اللطيف، أينما تواجدت أو سكنت أو عملت، بغض النظر عن البيئة والأرض والمجتمع الذي تعيش فيه. فالمسألة، هي مسألة احترام للجنس البشري، خليقة الله، هذا السيدّ الجبّار الذي خلق الرجل والمرأة متساويين وأسكنهما في فردوسِه الأرضي ليكملا بعضهما البعض، فينميا ويكثرا وينجبا ويسبّحا له طول حياتهما. والأديان التوحيدية جميعًا، كما غيرُها، تقرّ بهذه الخصوصية وتحترم خيار الجنسين في العلاقة والحياة والفكر على السواء. وإنّ أي اختلاف أو نقضٍ لطبيعة الخالق في خلقه، يُعدّ تمييزًا غير مقبولٍ بل مرفوضًا في عرف المجتمعات المتحضّرة. وما على غيرها من تلك المتخلّفة والسائرة في منهج التقوقع والتخلّف والانكفاء سوى التعلّم من غيرها، من التي تقدّمت وتمدّنت وتحضّرت بفضل احترامها للجنس البشري بغض النظر عن نوع وطبيعة هذا الجنس ولونه. من هنا، لا يمكن لأيّ مجتمع أن يسير في ركب التطوّر، ما لم يحترم طبيعة المرأة ورغباتها ويقف إلى جانب طموحاتها وتطلعاتها التي تتوازى مع تلك التي لزميلها ورفيقها وشريكها من دون نقصان أو استهانة أو استصغار. فهي، شاء أم أبى العذّال والمنافقون والمتسترون بعباءة التقاليد البالية والتفسيرات الدينية المنغلقة ومروّجو الحطّ من قدرها وقدرتها على الإبداع، نصفُ المجتمع الرائع الذي لا يتحصّن إلاّ بوجودها ولا يتنفس إلاّ من خلال رئتها الواسعة ولا يتطوّر إلا بمشاركتها الفاعلة والكاملة غير المنقوصة في الحياة المجتمعية.
إنّ الانتهاكات المسجلة أو المقصودة ضدّ المرأة هنا، تشمل النساء المتزوجات والأمهات العازبات والفتيات، ومنهنّ القاصرات اللاّئي تُنتهك حقوقهنّ بحرمانهنّ من عيش حياة الطفولة كاملة والاستمتاع بجمال صورها وبراءتها، من خلال تزويجهنّ قسرًا زيجات غير متكافئة وبأساليب وطرق تقشعرُّ لها الأبدان. وما أكثر الجراح التي تألمت لها الكثير من أمثال هذه الشريحة. لكنّ العرف عادة والتسويات العشائرية والتقاليد العائلية وكذا الانتهاكات بسبب الحروب التي تعدّ كلّ الإناث سبايا يحقُّ نكاحهنّ وتزويجهنَّ قسرًا من دون قيد أو شرط، تمامًا كما فعلت "داعش" وما تزال، هي هذه المصائب التي تسبّب مآسي وتفتح جراحًا لا تندمل، بل تبقى ماثلة وقائمة لكونها حصلت من خارج الإرادة وبلا رضاء ولا مشاركة وجدانية بالنفس والقلب والعقل من الطرف الثاني المغدور بع ظلمًا وقهرًا.
مثل هذه الانتهاكات المتعددة المرتكبة بحق الجنس اللطيف، تشير إلى أرقام خطيرة ومثيرة للقلق. فإذا كانت أوربا ذاتُها، وهي معقل الديمقراطية والحرية، تسجّلُ للنساء شكلاً معينًا من حالاتالعنف الجنسيّ والمنزليّ، حالةً لكلّ ثلاث منهنّ، فكيف سيكون قياسُ ذات الحالة في مناطق ما يزال الجهل فيها عاليًا مستحكمًا، ومنها أفريقيا وشرقنا العربي والإسلاميّ الذي ماتزال تحكمه الأعراف القبلية والعشائرية وتقاليد البداوة والجهل الذي زادت أعدادُه بقياسات تنذر بالخطر؟ ومثلها حالات القتل التي تمّ تقييدها بحق فتيات يافعات ونساء متزوجات لأسباب، بعضها مجهول وغيرُها معلوم، ومنها تلك التي تقترف في الغالب من قبل الشريك أو القريب، بحجة الدفاع عن الشرف وغسل العار. أمّا في المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات داخلية أو تلك التي تعاني من أزمات إنسانية أصلاً، فحدّث ولا حرج. فهذه تُقترف بدم بارد، ولا مَن يسأل أو يبحث أو يقاضي. فهذه، كعادتها تُقيّد ضدّ مجهول. وبذلك يُطوى الملف مع أسرار الضحية!
إزاء هذه الحالات، ونتيجة لتكرارها واتساع مساحتها، وبسبب هشاشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في عدد من المناطق التي تشهد نزاعات مدمّرة، ولاسيّما العرقية والطائفية والدينية منها، فقد التجأت أعداد كبيرة من النساء المقهورات اللواتي تعرّضن لحالات عنف منهجية غيرَ مسيطَرٍ عليها، لطلب اللجوء إلى بلدان الغرب، ومنها أوربا تحديدًا، أملاً بحياة آدمية محترمة تعطي للمرأة كرامتَها وتصون شرفَها. وتشير مصادر مقربة من منظمات نسائية تعمل في المجال الإنساني، أنّ هؤلاء النسوة والفتيات اللائي تعرّضن لحالات استغلال وعنف في بلدانهنّ، لا ينجينَ في رحلتهنّ هذه من أشكال عديدة من العنف الجنسي والجسديّ، كالاستغلال والاغتصاب والضرب والاتجار بهنّ مع قدومهنّ إلى البلدان الجديدة بهدف الاستقرار وبدء حياة جديدة بعيدة عن التهديد وأنماط الاستغلال المسجلة والمتعددة التي كنّ يحلمنَ بها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقوم المفوضية الأوربية للدفاع عن حقوق المرأة، بجهود كبيرة من أجل الدفاع عن حقوق المرأة ومناهضة الاعتداءات وأعمال العنف المتعددة التي تتعرّض لها النساءوالفتيات، ليس في داخل حدود الاتحاد الأوربي فحسب، بل في خارجها ايضًا. فهذه الأفعال الشنيعة تعدّها جرائم بحق الإنسانية لأنها ببساطة تحطّ من قدر الإنسان العاقل المجبول على صنو جمال الخالق. وهذا ما حدا بهذه المفوضية لتعزيز أولويتها في الدفاع عن حقوق المرأة المعنَّفة وضحايا استغلالها، بإصدار الإعلان المشترك في 25 تشرين ثاني 2015، بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.
وقد كانت مناسبة لاستذكار المفوضية الأوربية للقرار الصادر من مجلس الأمن الدولي بالرقم 1325 في ذكراه الخامسة عشرة حول المرأة والسلام والأمن، ما يستدعي تكثيف الجهود الدولية من أجل إيقاف كلّ أعمال العنف ضد المرأة وتقديم مرتكبي هذه الأعمال إلى العدالة وإنصاف هذا الكائن الرقيق الضعيف في نظر بعض الرجال الذين لا يريدون الاعتراف بمساواتها معهم، متناسين أن لا فرصة للتنمية المستدامة من دون تحرير المرأة، النصف الثاني من المجتمع، من قيود الاستعباد والاستغلال والعنف الذي يطالها ظلمًا وبهتانًا من دون وجه حق ولأسباب تافهة في أغلب الحالات.
وسوف يدخل برنامج جديد للمساواة بين الجنسين في هذه الأيام من شهر كانون الثاني (2016-2020)، على أمل تكثيف الجهود الأوربية والدولية لمناهضة كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة والفتيات القاصرات، الذي سيشكل بالتالي إحدى أولويات الاتحاد. وقد بدأت المفوضية الأوربية جهودًا دبلوماسية حثيثة في هذا الاتجاه، بما فيها جرائم استغلال الأطفال والزواج القسري للقاصرات وختان الإناث الذي من بين مضارِّه تشويه الأعضاء التناسلية للإناث وحقهنّ الإنساني بجسم سليم يتمتع بكامل الحرية في العلاقات الجنسية والأسرية الحميمة. ولهذا المشروع، رصدت المفوضية الأوربية مبلغ 8 مليون يورو لمنع وقمع أعمال العنف المرتكبة ضدّ المرأة بصورة عامة في داخل دول الاتحاد الأوربي، إلى جانب مبلغ 20 مليون يورو ضد الممارسات المرتكبة خارج الاتحاد.
إنّ هذا الاهتمام بالمرأة والتعريف بحقوقها ونبذ كلّ ما يُرتكب ضدّها من جرائم وأعمال عنف واتجّار بوضعها الأنثوي الرقيق، يوحي بكون المشكلة قد أخذت أبعادًا دولية خطيرة تنذر بانهيار الفعل الإنساني وسط الفوضى العارمة والنزاعات التي تتفاقم يومًا بعد آخر من دون بروز بصيص أملِ بحلولٍ إيجابية أو بإيقاف دائرة العنف المستمرّة ضدّ هذا الكائن اللطيف.
ونأمل المزيد من برامج المدافعة عن المرأة في وطننا العراق، وعدم الاستسلام أمام التيارات المتشدّدة والمناهضة لإنصاف المرأة التي ما يزال مروّجوها مصرّين على تحديد قدراتها والحطّ من قدرها ورسم مستقبل حياتها رهينةً بين جدران البيت المنزلي. ففي هذا السلوك الناقص، سمة واضحة للتخلّف واستهزاءٌ بجمال خليقة الخالق وإصرارٌ على السيّر في تيار ضدّ تقدّم الشعوب والأمم.
-------------------------------------
---------------------------
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة