كثيرة هي التجارب والدروس التي تمرّ على البشر والشعوب. لكنَّ مَن يعطي نفسَه فرصةَ التعلم منها والاقتناع بها، سيأخذ المفيدَ فيها من أجل حياة أفضل له ولغيره. إلاّ أن المشاكل التي مرّت بها دول الشرق الاوسط، دعت إلى إعادة قراءة وتحليل الاحداث وفقًا للتداعيات والمتغيرات السياسية والاجتماعية الجديدة التي دفعت سكان هذه المنطقة الى الهجرة تاركين خلفهم ماضيًا وإرثًا حضاريًا زاهرًا، متوجهين نحو المجهول.
ما جرى ويجري هذه الأيام في عدد من دول المنطقة، ومنها بلدنا العراق، وما شهدناه من تزمّت وعنادٍ لدى عدد من قادة وزعماء هذه الدول المطالَبين بالتنحي عن السلطة والزحزحة عن الكراسي التي يعتبرونها ملكهم وملك ذويهم، تستحقُّ وقفةً جادّة. فلقد شاء هؤلاء "المتأبّدون"، أن ينصّبوا أنفسهم "سلاطين" مدى الحياة متسلطين على شعوبهم وخيرات بلدانهم، ولم يتقبلوا فكرة "تداول السلطة سلميًا"، التي من جملة منافعها، فسحُ المجال للغير كي يقدّم عطاءَه ويعرض ما عنده من كفاءة عملية ومزايا إدارية وخبرات في الحياة قد تختلف عمّا لدى هؤلاء الزعماء المتقادمين، الذين بسببهم توقفتْ عجلةُ الإبداع لديهم، وبطلتِ الحكمةُ المطلوبة والكفاءة في التفاعل مع الأحداث وفي تصريف شؤون البلاد.
فالدلائلُ تشير، بأن معظم هؤلاء الزعماء، بدلاً من أن يقوموا ببناء الإنسان المنهار نفسيًا واجتماعياً وأيضًا تقوية المجتمع المتصدع، قاموا باستخدام كل ما لديهم من أحكام قاسية وقمعية في قيادة شعوبهم طيلة فترة تولّيهم السلطة، وكذا في استنزاف طاقات بلدانِهم بوسائل فساد مستنبطة والثراء على حساب شعوبهم المغلوبة. ولأجل هذا، فقدوا كل مصداقية في التعامل الإنساني مع شعوبهم، ما لأفقدَهُم شرعيّتَهم. إنَّ أهمَّ أسبابِ هذه الإشكالية، هو بسبب طبيعة البيئة الاجتماعية القبلية المتشددة وأيضًا الخلفية الدينية المتعصبة والمتمثلة بقِصَر نظر هؤلاء الزعماء حول الأحداث، ورفض الإقرار بضرورة الاستجابة لمطالبِ الشعب واحتياجاته المتناغمة مع تطور الحياة ورقيّها.ناهيك عن إصابتهم بالعمى بسبب حضور دائم "للأنا" التي استفحلت في سلوكياتهم وما يلحقها، من أشكال طمع وعجرفة وحب دنيا وسلطة. ومثل هذه السلوكيات تتحولُ أحيانًا داءً يُسمّى "جنونَ العظمة".وهذا في حقيقة الحال جزءٌ من تركيبة سادت اليوم، الكثيرَ من البلدان وليس العربية فحسب. فالقادة الطغاةُ و"الطارئون" على السياسة، كلّما تقدموا في السنّ، عوضَ أن تتعمّق لديهم الخبرة والكفاءة والعطاء والحكمة، تراهُم يتشبثون في حبِّ السلطة والتسلط ويوغلون في أنواع الفساد، والأنكى من هذا يصبحون "نرجسيين" لا يحبون ولا يؤمنون ولا يعتقدون إلاّ بشخصهم وبكفاءتهم وحكمتهم فقط. والنتيجة هي أنهم لمْ يتعوّدوا على ثقافة تداول السلطة وانتقالها السلمي لمن هو أكفأ وأنشط، وكأنّ كراسي حكمهم، سُجّلت بأسمائهم، والأكثر من هذا يجيزون لأنفسهم، رغمًا عن الكلّ، بتوريث السلطة لمنْ يأتي من بعدهم من العائلة والعشيرة والمدينة! فهذه قمّة الاستخفاف بالشعوب وبإمكاناتها وحقها في حرية اختيار شخص رشيدٍ وفقَ أساليبَ حضارية تتحكمُ فيها الديمقراطية الحقيقية وليسَ الصورية، وصناديق الاقتراع.
إنتفاضة مشروعة وثورة مدعومة
لقد انتفض المواطن العربي في عدد من دول المنطقة في ثورات، هي منْ حقِّه منذُ زمن، لأنه ببساطة إنسانٌ خُلق حرّا وسيّدًا على صورة الخالق ومثاله، ذكرًا أو أنثى.فالناسُ سواسية لدى الله، وليس من حقّ أي كائنٍ بشريٍّ الانتقاصُ من أخيه وجاره ورفيقِ عمره، ذلك لأنَّهُ مخلوقٌ وفقَ مشروع إلهيٍّ يتيحُ له الحقَّ في حياة حرةٍ كريمة، ينشدُ فيها الاستقرارَ والعدلَ والمساواة والرفاهية في إطار نظام عادلٍ في الحكم والحياة.
ولمّا كانت ثورةُ الشعوب على اللاعدالة والظلم والفساد وكلّ أصناف التعسف في الحكم والحياة، هي منْ حقِ الشعوب المبتلاة بهذا الصنف من القادة والرؤساء المتسلطين، فما على الحكماءِ منَ الشعب والحريصين على احترام القانون والناس إلاّ أن يؤازروا هذه الثورات ويساندوا القائمين بها، لأنهم أصحاب حق.وأمامَ السيل الجارف من المطالب المشروعة للثائرين الوطنيّين، وقفَ الشرفاءُ من بني هذه الشرائح الحكيمة الثائرة وغيرهم من الساندين لها، من شعوبٍ وأصولٍ وطبقاتٍ وفئاتٍ، وقفةَ المؤيّد والساند لحقِّ هؤلاء البشر في العيش بكرامة وأمان في بلدانهم، كي لا يبقوا أو يتحولوا ضحايا لأنواع الاستغلال السياسي والمادي والطائفي والمذهبي.لقد كانَ لتأييدِ مجمل الانتفاضات التي حصلت في عددٍ من دول الشرق الأوسط صداهُ الواسع في فتح أعينِ الناس على حقيقةِ حقوقهِم المشروعة التي ظلّت مفقودة وأسيرةَ تقاليد بالية والتزامات شرعية غير عادلة وقوانين ردعية ووضعية غير مقبولة إنسانيًا ومجتمعيًا ودوليًا. فالظلمُ، لمْ ولا يمكن أن يدوم، طالما أنَّ هناك مَنْ يسعى لتحريرِ القيد المنغلق الذي أسرته به هذه القوانين وهذه التقاليد وغيرُها مِن أصولياتٍ لمْ تعُد تنفعُ مع التطور العلمي ونماء الفكر الإنساني والتنمية المستدامة التي تسعى إليها البشرية جمعاء.
وداعًا للستار الحديدي
كانت وقفةُ العالم مشرّفةً لاسمِ الإنسانية ولاسم الحقِ والعدالة، في تأكيدِ حقِّ الناس بالعيش بحرية وكرامة، أينما كانوا ومتى أرادوا ذلك، لأنهمْ ببساطة، صنيعةُ اللهِ الخالق منذ البدء.كما أن لهذه الشعوب المظلومة، قدمُ التساوي مع باقي شعوب الأرض بالحياة والرفاهية، وبكلِّ ما مِنْ شأنِه أنْ يسهّلَ حياتَهم بلا صعوبة.لقد اختبر العالمُ الغربيّ، وخصوصًا في أوربا مثل هذه الانتفاضات، ومنها كانت ثورات كبيرة استمدّت قوَّتَها منْ عزيمة الشعوب الحريصة على قيمة الإنسان وحقّه في المساواة على أرضه ووطنه، والاحتماء من شرور القريبين والبعيدين. فما حصلَ مِن انتفاضات في أوربا في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، عندما نفضتْ شعوبُها غبارَ سنواتٍ عجافٍ مِن سطوةِ الشيوعية وأساليبِ قادةٍ طغاةٍ استخدموا كلَّ أساليب الترويع والترهيب ضدّ شعوبهم على مدى عقود طويلة. لذا، لَمْ يكنْ أمام تلك الشعوب في نهاية المطاف، وبعدَ أن بلغَ السيلُ الزبى، إلاّ أن يطردوها ويتمكّنوا منها، في أقرب فرصة أُتيحت لهم، ففعلوها بلا تردد، حين أسقطوا الستار الحديدي إلى الأبد. ما حصلَ وما زال يحصلُ اليوم، هو بالتأكيد، تشبّهٌ سليمٌ لما حصل لتلك الشعوب والبلدان التي سبقتنا في التجربة. بل هذا يؤشّر تطوّرًا صحيحًا في بناءِ العلاقات الإنسانية بالاستفادة من تجاربِ الغير. وهو أيضّا، استمرارٌ لما يمكن اعتباره صرخةَ حقٍّ بوجهِ الباطلِ وضدَّ أساليبِ القسوة والعنف غيرِ المبرّرين بينَ البشر. وهذا أمرٌ طبيعيٌّ. فالشعوبُ عندما تصل حدّا من الوعي المقبول، تتمثّل بتجارب الغير لتأخذ منها ما ينفعها ويساعدُ في بناءِ مستقبلها، وتلفظُ ما تراهُ غير مقبولٍ لديها.
لقد أعجبني تصريحُ فاكلاف هافل، الرئيس التشيكي السابق، وداعية حقوق الإنسان والمدافع عن الشعوب المغلوبة وعن الديمقراطية، حين تحدّث مرّةً إلى صحيفة "سي تي كي" الجيكية، بقولِه: "هناك حدودٌ دنيا لمعايير ثقافية عامة مشتركة بين كل الشعوب في ارتكانها إلى الأخلاق الأساسية وإلى الأسسِ في تطبيق السياسات العامة للحكومات. كما أنَّ ما يحصلُ اليوم في المنطقة العربية، لا يختلف عمّا شهدته بعض دول أوربا، ولاسيّما الشرقية منها حين كسرت "طوق الستار الحديدي" والتحقت بركب الديمقراطية الذي تخلّفت عنه".
إنّ الحديثَ عن "ستار حديدي" حطّمته شعوبُ أوربا بصحوتها الإنسانية مع ختام القرن المنصرم، وضَعَ بلدانَها وقادتَها على مسارٍ إنسانيٍّ صحيح. هكذا أيضًا بدأت تسعى إليه شعوبُ منطقتِنا التي اكتوت بنيران حروب أزلية وابتلت بمسؤولين لا تهمّهم مصالحُ شعوبهم ورفاهيتُها. فقد نسي هؤلاء، أو تناسوا، أنّ ما له بداية، لا بدّ أن تكونَ له نهايةٌ في الزمن والمكان. هي صرخةُ الحق، يطلقها روّادُ الإنسانية ومدافعو حقوق الإنسان في كل مكان وبلد ومجتمع. هي صرخةٌ مدويّة أيضّا تدعو إلى التخلص من كل ظلم وفساد وتسلط. فالشعوب أفاقت واستفاقتْ على صوتِ حقٍّ بلا حدود، وانتفضَ الناسُ على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم ومكوّناتهم، ضدّ كلِّ مَن كانَ سببًا في أن تكونَ بلدانُهم متخلّفةً، ذلكَ لأنَّ الحكمَ الصحيح مبنيٌّ على الحكمة والتروي والشفافية والمصداقية. لهذا فالثورة "الحقيقية" هي التي تحققُ العدلَ وتفرضُ سلطةَ قانونٍ مدنيّ عادلٍ يسايرُ التطورَ البشري ويراعي شرعةَ وقوانين حقوق الإنسان ولا يحصرُها في زاوية تداعياتٍ شرعيةٍ ضعيفة الحجة.
تركة ثقيلة للحربين العالميتين
إذا كانتْ مقارعةُ الأنظمة الفاسدة في بلدان الشرق الأوسط، قد دعت إليها قيادات متنورة وحكيمة في المجتمعات، فهذهِ لا ينبغي وأدُها والتشويشُ عليها أو تحجميها أو تجاهلُها. بل هي تتطلب من كل الشرفاء دعمًا وتأييدًا وتأليبًا للرأي العام من أجل تنوير المنطقة ووضعِها في الإطار الصحيح للعلاقات الإنسانية مع شعوبٍ سبقتنا في هذه المحنة، هي الأخرى، كانت أيضًا ضحيةَ حروبٍ عالمية فتكتْ بالملايين من أبنائها في القرن الماضي. ومِن هذه الشعوب، علينا تعلّم الدروس لحياة أفضل. فقيمُ الديمقراطية الحقيقية، لابدّ أن ننتصرَ لها لتنتصرَ بنا، مهما كان الثمن. فالأوطانُ لا تُبنى إلاّ على تضحيات أبنائها وتصرّفهم الصحيح والناضج إزاء الأحداث، وبشيء لا يخلو من الرويّة والصبر والثبات والتواصل وديمومة النضال ضد التخلّف والعنف والظلم واللاعدالة والطائفية في مناطقِنا، وفي الحثِّ على بناء قيمٍ إنسانية صحيحة. إنَّ الأحداثَ التي عصفتْ بأوربا نهايةَ القرن الماضي وانتقلتْ عدواها، إلى المشرق، هي نتيجةُ تراكماتِ الحرب العالمية الثانية وما قبلها، وما خلّفتهُ هذه وتلك منْ تركةٍ ثقيلة. وما يزالُ العالمُ كلّه يعاني مِنْ تراكماتها وآثارها المدمّرتين حتى يومنا. ولا يُستبعدُ أن تقومَ أحداثٌ مصيريّة تشهدها المنطقة برمّتها، ومعها ربّما العالم كلّه، بسبب قراءتنا لأحداث وتطوّرات لاحقة بسبب ما يجري اليوم في المنطقة، وفي بلدنا بالذات، بعد التدخل السافر للقطب الواحد وأتباعِه دول الغرب في الشأن العراقيّ واستقدامِهم لأدوات التطرّف لتدمير إرث العراق وإنسانِه وتفتيت نسيجِه ونهب ثرواتِه بأساليب وطرقٍ شتّى. فالمخطَّطُ المرسومُ الذي طُبخ على نارٍ هادئة لسنواتٍ، يجري تنفيذُهُ هذه الأيام، غصبًا عنّا جميعًا، وتشتركُ فيه دولٌ وزعاماتٌ وسياسيون في الخارج والداخل، من حيثُ يدرون أو لا يدرون. فما كُتبَ وقُرّرَ، لا بدّ أن يتمّ.
والسؤال هو، ما هي الخطوة القادمة وفي أي اتجاه نسيرُ وتسيرُ المنطقة؟ وهل ما يحصلُ آتٍ بنذير شؤمٍ أو بكارثة وراء هذه الأحداث كلّها، أمْ سيلجأ الجميع إلى العقل والحوار واستخلاص العبر والعودة إلى رشدِ الولاء للوطن، وليسَ لغيرِهِ؟
الحذر واجب
إذن، ما تشهدُه المنطقة اليوم، مِن أحداثِ عنفٍ، أدتْ إلى اختلال توازنٍ متوقعٍ من حيث خروج القطار عن سكته التي جاء من أجلها. وهنا ينبغي مراقبةُ الأمور والأحداث بعناية. فلا تخرجُ الانتفاضات والاعتراضات والمطالباتُ عن غاياتها المشروعة؛ بل ينبغي أنْ يسودَ القانونُ ويتمتعَ المواطنُ بحريته في العيش كما تحتمُه إنسانيتُه وفقَ أعرافٍ دولية وديمقراطية متمدّنة ينبغي أن يكفلَها دستورُ عادلٌ حرٌّ ومتحضّرٌ لا يقصي ولا يهمّشُ أحدًا.
لذا، فهذا الخوف مشروع، في إمكانية تسلّل عناصرَ تحملُ أفكارًا متطرفة ومتشدّدة أصولية متسيّدة على الساحة العربية عامة في هذه الأيام الصعبة، فتعملُ على فرض إرادتِها وقوانينِها وطرقِها وشرائعِها بأساليب ملتوية عديدة، على الجماهير المغلوبةِ على أمرها، التي قد تتراجع في غفلة منها، وفي ضوء التخويف الديني والترهيب الشرعي والإفتاء الجارف، لتسلبَ منها هذه الصحوة وتسرقَ ثورتها، فتضيعُ الجهود سدًى، وكما يقول المثل: "كأنك يا زيد ما غزيت". وهذا ما نخشاهُ في ضوء الأحداث المأساوية المتسارعة على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية على السواء.
حصة العراق
لم يكن بلدُنا يومًا، خارجَ حساباتِ هذه الخارطة أو خارج هذه التراكمات. فقد تآكلَ عراقنا ومعه قيمُه المجتمعية والوطنية بفعلِ فاعلٍ، فضاعَ فيه الشعب بين فساد واستبداد الحكام السابقين واللاحقين ووسط نواياهم القومية والطائفية والذاتية والمذهبية وبين نوايا الغازي الجديد. لكنَّ عيبَ شعبنا أنه متقلّب المزاج، بشخصيتين مزدوجتين، على حسب الباحث الجليل الراحل، علي الوردي. فهو، سريعُ الغضب والحنين، كثيرُ الفوران والتسامح مجاملةً، في آنٍ واحد. وتلكم، معادلة غير سهلة العلاج، ما لمْ تسلم النوايا ويُزالُ عنه كشحُ الجهلِ وأصنافِ الممارسات المتخلّفة والعشائرية البالية التي لا تتوافق مع أهداف المشروع الوطني الحقيقي الذي ينبغي أن يسعى الجميع إلى بنائِه التنمويّ الصادق، بعد الذي حصل.
إنني أعتقدُ، أنه لا بدّ أنْ تشملَ صحوةُ الشعب في العراق أيضًا، شيئّا كثيرًا من الحكمة والرويّة والشجاعة في آنٍ معًا من جميع الأطراف، من أجل الحدّ من مثل هذه الممارسات غير الديمقراطية، وغيرها كثيرةٌ، من التي لا تقدّمُ المجتمعَ، بقدر ما تعملُ على تباطئه وتخلّفه عن الركب الحضاري الذي يستلزمُ تحقيقَ أفكارٍ جديدة متنورة تبني المجتمع والإنسان. كما تتطلبُ الحالة، البحثَ عن وسائلَ آنيّة، أكثرَ رصانةً وجدّية في التعامل مع هذه المطالبات المشروعة والبدء فورًا بتطبيقها بجدّ ومحاسبةِ الجهات المتلكئة والفاسدة وسارقةِ قوتِ الشعب.
وقفة إجلال لصوت الحق
خلاصةُ الكلام، نقولُ للشعوب المناضلة من أجل استعادة حقوقها في العيش الرغيد الكريم، أننا نكنّ لها كلَّ احترام وتقدير، وهي تستحقُ الثناءَ وتلقّي الدعم من كل حرٍّ شريف. فطريقُ النجاة من كلِّ ظلم وتعسُّف واضطهادٍ، ليسَ سهلاً، بل هي طريق محفوفة بالمخاطر، ولكنها سبيلٌ لابدّ منه من أجل تحقيق الذات ونيل الحريّة والديمقراطية الصحيحة وغير المغشوشة، التي يتظاهر بالمنّ بها، قادةٌ متاجرون بشعوبهم. إنَّ هؤلاء لا يفقهونَ معنى الحياة الإنسانية الحرة ولا سبل العيش تحت كنف الحرية الغريزية التي وُلد عليها جميعُ البشر. لذا، فإنّ تقاعسَهم واردٌ، في السعي للارتقاء بشعوبهم وأوطانهم على حساب المصالح الذاتية الضيقة. أمّا سبيلُ الديمقراطية الصحيح، فهو الضمانةُ الوحيدةُ لاستقرار البلدان وتطورِ شعوبِها وتنميتِها المستدامة بما يخدمُ الإنسان، وهو الغايةُ في هذا النضال. وعلى مَنْ يتشبثُ بسلطةٍ نالَها في غفلة من الزمن أو حتى بحقٍ مكفولٍ ظاهريًّا، عليه أن يتذكر، أنها "لو دامتْ لغيرِه، ما آلتْ إليه". فالذي صنعَ من هذا الشخص مسؤولاً أو حاكمًا أو زعيمًا أو رئيسَ دولة أو خليفةً، قادرٌ أنْ يخلقَ غيرَه أحسنَ وأفضلَ منه.
وهكذا الحياةُ، تعطي دروسًا، كي يعتبرَ بها البشرُ ويتمعَّنوا في معانيها وينقلوا تجاربهم لغيرهم، لا أن يتعالوا على شعوبهم ويستخفوا بعقولهم ويستخدمونهم أدواتٍ مسخَّرة لمآربهم وحاجاتهم ونزواتهم. فتجّارُ الشعوبِ، لا ولنْ يتمكنوا من تعلّم دروس الحياة الكثيرة بهذه الأفكار الهدّامة.