اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

المرجعيات الدينية، مؤسسات وطنية ومجتمعية متكاملة

لويس اقليمس

 

   22 كانون الاول 2015

 

   عندما تعسر الحياة وتتعقد الأمور بوجه الإنسان، يكون حينئذ لجوؤه إلى الدين والمرجعية الروحية خيرَ ملجأٍ وآخرَه لإنقاذه أو مساعدته في الخروج من المشكلة. فالدين ورجالُه تجدهم بكامل الجهوزية لمثل هذا التدخل لسدّ ثغرة ورأب صدعٍ بين الأرض والسماء وما فيهما وعليهما. فلهذا الملجأ الروحيّ فلسفةٌ خاصة في معالجة الأمور حين تتعقد.

 هذا شأن الأديان، كلّ الأديان ومّن يستعين بها. والحكمة، في بقاء مرجعياتها عند حدّ الحيطة والحذر من الاستدراج نحو المحظور بتجاوز العتبة الروحية التي من مسؤوليتهم حصرًا، من دون فقدان هيبتهم وحنكتهم أو نسيان واجباتهم الأصلية في النصح والعبادة الصادقة والتقريب من الله والخير لعباد الأرض جميعاً. فجراح المؤمنين اليوم، من أيّ دين كانوا، عميقة وكثيرة، فيما العلاجات تتعثّر والنصائح تتراجع بحسب المصالح وفرص العرض والطلب في سوق السياسة والمادة الرائجة، إن لم تكن غائبة في أحلك الظروف بسبب هذه وغيرها، في أحيانٍ كثيرة. لكنّ إصرار المرجعيات الصادقة والحريصة على نصح البشر والمسترشدة بهدى الضمير ورسالة الواجب، لا تتأثر بالأحداث والأقاويل والانتقادات والمغريات، مهما كانت، فيما لو أثبتت صدق حدسها ومصداقية فعلِها وفاعلية نصحها. ألمْ تتعقد الأمور في العراق بسبب التقاطعات السياسية وصراع المصالح الفئوية والطائفية ونتانة رائحة الفساد والمفسدين، ولم يعد لها من حلٍّ إلا عن طريق المرجعية الرشيدة التي قالت كلمتَها الفصل ووقفت إلى جانب مطالب الشعب بالتعجيل بالإصلاحات ومكافحة الفساد وفضح الفاسدين والمفسدين من أية ملّة أو طائفة أو كتلة أو فئة والمطالبة بمحاسبتهم من دون تحفظ؟ ومثالُنا الآخر، حين ضيّق مجلس النواب العراقي وداس على حقوق الأقليات الدينية غير المسلمة بتشريع قانون البطاقة الوطنية الموحد بنسخته الأولى التي جاءت مجحفة بحق أتباعهم في المادة 26 من مشروع القانون بفقرته الثانية مثيرة الجدل؟ فكان للمرجعيات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائيين دورٌ فاعلٌ ومؤثّر بالتنسيق مع ممثلي مكوّناتهم والمتعاطفين معهم، للطعن بالقانون والحصول على وعدٍ بإعادة مراجعته وتعديله، وبما ينسجم مع البنود التي تحكم بالمساواة بين جميع المواطنين أمام الدستور، كما تنص عليه العديد من المواد.

 وبذلك تنتصر إرادة النصح والتسامي الروحي وصوت الحق على أية إرادة تنوي الشرّ والظلم وتسعى لتدمير الروح والعقل والضمير وتقيّد الحرية الشخصية المقدسة للفرد والجماعة. هكذا إذن، كلّما اشتدّت المحن وشعر المؤمنون، أفرادًا وجماعاتٍ، بخطر داهم أو استشعروا خوفًا، تكون المرجعية الروحية، ملاذَهم ومآلَهم. فعلى المستوى الوطني، لم تكفّ المرجعيات الدينية المتنفذة من إسماع صوتها بضرورة الاحتكام إلى الضمير والحكمة وتقوى الله في معالجة مشاكل البلد وتقديم الخدمات الإنسانية والآدمية للمواطن الذي يستحق الكثير ممّن منحهم من السياسيين والنواب ثقته لتمثيله وطنيًا وليس طائفيًا ودينيًا وفئويًا.

 كما لا بدّ من ذكرما قامت وتقوم به المرجعيات المسيحية، فرادًا وجمعًا، وعلى رأسها غبطة البطريرك لويس ساكو، منذ استفحال الأزمة الحكومية، من حراكٍ داخليّ وخارجي. وهذا كلُّه نابع من روح المسؤولية الوطنية التي تشعر بها كنيسة العراق موحدةً، سعيًا وراء خلق شعور وطنيّ وإنسانيّ داخل المجتمع العراقي يساهم في تنميته وتطوّره وسعادته وفق تطلعات مدنية لا تغيّب الجانب الروحي. وكذلك يأتي سعيُها من أجل بناء علاقات أخوية متينة مبنية على مبدأ المواطنة ومن أجل تعزيز روح المحبة والاحترام للآخر المختلف في الدين والمذهب والطائفة واللون والعرق، وتشجيع العيش المشترك في بيئة حضارية متآخية، كما اعتادت عليه مختلف الفئات والأديان والأعراق في موطن الرافدين الخالدين متعددة الأديان والمذاهب والأعراق. فكنيسة العراق، بوطنيتها ومصداقيتها منذ نشأتها في أواسط القرن الأول الميلادي، كانت وما تزال منبعًا للتفاهم ورفد الطاقات الوطنية الصادقة في مختلف العلوم ومجالات الحياة. وهي بالتالي، مهما قيل فيها من أقاويل ونُشر من انتقادات وحيكت من دسائس، تبقى تلك الأمٌ الرؤوم التي تسهرُ على أرواح وكيان أبنائِها ومواطني بلدها من دون استثناء، وتدافع عن مصالحهم جميعًا وتنادي بحقوقهم الوطنية، لكونهم جميعًا "آنيةمقدسة" تتجسد فيهم إرادة الخالق وصورتُه الحسنة.

 وكلما سُدّت أبوابٌ بوجه أبنائها وأحاقت بهم النوائب، لجأوا إليها لاستحضار دورها والنيل من بركاتِها والاسترشاد بمفاعيلها. هم يفعلون ذلك، لإدراكهم بأنها ذلك الوطن الكبير الذي يحتضن أبناءَه ويؤمّن لهم العيش الرغيد والحياة الآمنة والخدمات اليومية، قدرَ ما تستطيع أن توفرَه من هذه كلّها وبحسب ما تستطيع بسط أياديها. خلاصة الحديث، تبقى المرجعيات الدينية الصادقة مع نفسها ومع الله ومع عبادها، بمثابة مؤسسات عامة خاصّة، تجمع المؤمنين، وحتى من غير أتباعها أحيانًا، في عائلة كبيرة تحت قبتها الواسعة وتسعى لإيصالهم إلى ميناء السلام والمحبة في انتظار الملكوت السماوي والجنان الخالدة الموعودة للأخيار والسائرين في دروب الرب. وهي لا تفرّط بهم حين يزيغون أو يعثرون، بل ترشدهم إلى طريق الحق والحياة. فمن واجبها النصح وتقريب التقوى بالله. فالدّين نصحٌ وأخلاقٌ وحياة! ليست كالدجاجة التي تحتضن بيضَها وفراخها وترافقهم في مرعاهم حتى يتمكنوا من الاعتماد على النفس فحسب، بل وتؤازرهم وترافقهم طيلة حياتهم وتقف إلى جانبهم إلى حين يكبرون وينمون بالقوة والنعمة والقامة ومحبة الغير، أمام الله والناس والمجتمع. مشكلةُ بعض المراجع الدينية "الروحية"، تكمن في بعض القائمين عليها والمقربين منها، من الذين يريدون اتخاذها شركة للتوظيف وديوانًا للمجاملات وبابًا للاسترزاق والاستغلال العائلي والشخصيّ والطائفيّ. همومُها من هموم أبنائها، وكذا سعادتُها وتعاستُها، تطورُها وتخلّفُها.

 اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هي بحاجة الي مَن يصدقُ معها ولا يرضى إياها سلّمًا للتسلق على أكتاف رجالِها، والانتفاع من أملاكها واستغلال صوتها وصفتها على المنابر والمبالغة في التملّق لأئمّتها ورؤسائِها واللهاث بالتعبير بالولاء. فالشعائر والممارسات الكثيرة والمتعددة مثلاً، بالرغم من جمالية لوحتها وروعة أدائها، ليس بالضرورة تفيد التقريب من الخالق ومن السماء، إذا خلت من أية نفحة روحية داخلية صادقة، وبقيت في حدود المظاهر الخدّاعة والتباهي والمغالاة! وهذا ما ينبغي أن تحثّ عليه المرجعيات في نصحها.

 من هنا، ليس مقبولاً استدراج رجالها من مهمتهم الروحية، إلى مهاترات الشارع السياسي والتجاري والمادّي، والدخول في مشاريع من أي نوعٍ كان، وإهمال الشأن الروحي والعبادة الصالحة المؤمنة. هناك من رجالِها، في مقدّم أولوياتِهم وواجباتهم، مَن كرّسَ حياتَه لخدمة الجميع من دون تمييز، رافعًا شعار الوطن وتنمية المجتمع وتهذيبَه وتطويعَه، روحيًا واجتماعيًا وفكريًا، عادّاً الشأن الروحيّ لسائر الأديان المتعايشة، علاقةً شخصيةً وتساميًا فرديًا بين الله الخالق وخليقتِه. فالإنسان، رجلاً كان أو امرأة، الذي خلقه الله حرًّا، يبقى قيمة مطلقة في مشروع الخالق الكبير وفي نظر المجتمع المتحضّر المؤمن بالله بكلّ جوارحه، وليس المتديّن المشوّش الذي يرتدي عباءة الدّين حبًا بالجاه والمال والسلطة الفارغة.والايمانُ هبة وكرامةٌ من عند الله، بها يستطيع منازلة الشرّ ومقاتلة الأشرار والفاسدين والتصدّي للمتاجرين والمتزلّفين والمتطرفين باسم الدّين. وبعكسِه، هناك غيرُه، مَن سمح لنفسه بدخول ميدان العالم المادّي والسياسيّ الذي أراده سلّمًا يرتقي به إلى غايات شخصية ومنفعية ووجاهية زائلة.

 وهذا التوجه الأخير غير مقبولٍ مثلاً، بل مرفوضٌ في سلوك رجال المرجعيات الروحية عند المسيحيين. فالكاهن الذي خرج من مغريات العالم المادية طواعية يوم قبوله بشروط رسامته كاهنًا على "رتبة ملكيصاداق" الكاهن الأكبر، يتوجبُ عليه احترامُها طالما بقي ماسحًا ومكرِّسًا نفسَه خادمًا للمذبح والمؤمنين. وإلاّ فليترك السلك الكهنوتي ويدخل العالم من أوسع أبوابه شرعًا وقانونًا ومن دون لغط. وهذا ما ينبغي العمل به في أوساط جميع الأديان التي وُجدت أساسًا للنصح وتشجيع العباد على حياة قويمة قائمة على التسامح ومحبة القريب وخدمة الديار والحضرات المقدسة وصيانة التعليم والتهذيب المعتدل واحترام الآخر المختلف عنه في الدّين والمساوي له في الإنسانية. كنيسة العراق، والدور الإيجابي وطنيًا من هنا، تأخذ المرجعيات الدينية على تعدّد وتنوّع مشاربها، دورها الحقيقي بالصدّ لكلّ هجمة تستهدف هوية جماعاتِها ووجودهم بدون خوف أو تردّد.

 فوجودُ هذه الرئاسات وكيانُها من وجود أتباعها وبنيها من دون تمييز. صوتُها على المنابر، ينبغي أن يبقى صادقًا وعاليًا وشجاعًا في داخل مؤسساتها ووسط رعاياها وفي كلّ أنشطتها ومشاريعها وعلاقاتِها الضرورية مع جميع السلطات، من دون انكفاءٍ وانعزالٍ وجُبن أو مجاملة على حساب الحق والحقيقة والوقائع. فالمجاملات وطبيعة الخنوع والمراعاة المرائية لهذه الجهة أو تلك والتردّد، بحجة الخجل أوالخوف، لا مكانَ لها في سجلاّت هذه المراجع وفي قراراتها. وبطبيعة الحال، حين يفرض الواقع نفسَه، لن يكون من العيب تشاركُها وتدخلُها في شؤون العالم، سياسيًا ووطنيًا ومجتمعيًا، إذا كان ذلك يدعم سلامة هذا المجتمع ورفاهَه ومصالحتَه. فلرجلِ الدين المسيحي مثلاً، مثل غيرِه من رجال الأديان الأخرى، وربما أكثر من هؤلاء بقليل، هيبتُه الخاصة وكلمتُه وتأثيرُه وسط مجتمعاتنا الشرقية، في كلّ زمان وكلّ مكان، بسبب من مصداقيته التقليدية وطنيًا ودينيًا وإيمانيًا وثقافيًا واجتماعيًا وتحضّرًا على السواء. وهذا ليس تجافيًا للحقيقة وانحيازًا لجانب هذا الفريق بالذات. فأمام الصدق والحق والضمير، لا مكان للرياء والمراءاة والولاءات الجانبية التي تُبعد ولا تقرّب، تفسد ولا تنصح، تقوّض ولا ترفق.

 من هنا، يكون للكنيسة إذن، واجب ديني روحيّ وآخر وطنيّ إيجابي إضافيّ وسط المجتمع. ومن أساس هذا الأخير، تأتي انطلاقتُها اليوم، نحو المساهمة بدعم المصالحة الوطنية وتشجيع السلم الأهلي والترويج لسياسة الحوار وتقبّل الآخر المختلف على أساس وطني وإنسانيّ بحت وعلى أساس الشراكة المتساوية في الوطن وبالعيش المشترك والمطالبة بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع. عقدتها في شعور بعض رجالِها بالأدنى من الغير، وتفضيل الغريب وتقريبه على ابن البيت، خوفًا أو جبنًا أو احترازًا من الظرف غير السويّ. لذا، تحول هذه العقدة وتقف عثرة عندئذٍ، دون تطوّر مساعيها لإصلاح المجتمع والمطالبة الفاعلة واللازمة لتقريب تقبّلها من الآخر الذي تتهيّبُ منه دائمًا. من هنا، يكون سعيُها بفرض وجودها وتأكيد هويتها المسيحية "الوطنية" كسلاح وطنيّ فعّال، ضروريًا وإلزاميًا، وسط الصخب الفوضوي القائم، وليس بالتهيّب والجُبن والتردّد. كنيسة العراق، بحاجة اليوم إلى تحرّك جديد قديم، لإثبات الوجود وتشكيل هيئة واسعة تنظّم العمل المسيحي الوطني على الساحة السياسية والمجتمعية، لتعمل هذه الأخيرة إلى جانب الرئاسات الكنسية المتعددة والأحزاب القائمة، التي مع كلّ الأسف لم ترقى هذه كثيرًا إلى مستوى المسؤولية والحدث الساخن، وذلك للحفاظ على ما تبقى من الوجود وتعزيز الهوية الوطنية المسيحية المتجذرة في أرض العراق والشرق منذ القرون الأولى لنشأتها. ومثل هذه التحرّكات في هذا الوقت حصرًا، تأخذ أهميتَها للحفاظ على وجودها من عبث جهات داخلية تسعى لتقويض بقائها حيةً، وأخرى تسعى لمصالح حزبية وفئوية مرصودة ومرفوضة، وغيرها خارجية تمنّي النفس بتحجيمها وإلغائها وإفناء هذا الوجود المتجذّر. وهي ذاتُ الجهات السلبية التي تريد تقويض حركة النخبة من المثقفين والعقلاء والمفكرين الملتفين حول الرئاسات القائمة.

 لكنّ النخب المثقفة، معزّزةً بخبراتها وإيمانها وإرادتها الوطنية قادرة على دحض المعوّقات الاتية، سواء من داخل البيت المسيحي أو من خارجه، وبالتعاون مع القوى الخيّرة من أبناء الديانات الأخرى المتعايشة التي تقدّر معنى التنوع وتدرك أهميته في بناء الأوطان وسعادة الشعوب. بعد أحداث السنوات الأخيرة في العراق الجريح وعموم الشرق الملتزم تقليديًا والعالم المتخبّط حاليًا، والتي لم ترحم الجميع، مسيحيين ومسلمين وإيزيديين وصابئة ويهود وبهائيين وما إليهم من أديان غير معلنة أو معروفة، أصبح ولا بدّ من إيجاد قاعدة تفاهم وحوار وتعايش مشترك أكثر حبكةً والتزامًا، أخلاقيًا ومجتمعيًا وإنسانيًا. فالإرهاب المصاحب للفكر المتطرّف المستند إلى التزمّت والغلوّ والتشدّد في فهم جوهر الدّين وأهدافِه وغاياتِه، وفي تفسيره غير القويم والبعيد عن واقع المعاصرة والمدنية والحضارة، قد طغا وانتشر سرطانُه. فقد أضحى هذا المرض الخبيث، قاب قوسين أو أدنى من تقويض أساس البشرية والخليقة جمعاء، التي أمر الله الخالق عبادَه بالعيش الكريم في جنان الأرض الخصبة التي تحوّلت إلى ساحات حروب ومعارك وكراهية وحقد وقتل ووأد تحت مسمّى الدفاع عن شرع الله وعن جبروتِه، وهو بريء من هذه الادّعاءات جميعًا وليسَ بحاجة لأمثال هؤلاء التكفيريين للدفاع عنه وعن عظمتِه.

 موقف موحد وهدف مشترك اليوم، وفي ضوء المستجدّات الدولية الخطيرة والهجمات الشرسة لأصحاب الفكر المتطرّف الذين يعيثون في الأرض فسادًا، ويدمّرون خليقة الله ويريدون تحويل العالم إلى لونٍ أسود واحد وشكلٍ قاتم يهوى الظلام ويكره الحياة، لا بدّ من تحرّك مجتمعيّ شامل، من رأس الهرم دينيًا وحكوميًا ومدنيًا، وبصوت وطنيّ واحد. وهذا سيكون رأس الحربة في القضاء على مرضى هذا السرطان الخبيث الذي فشلَ الأسياد، بل عزفوا عن تشخيص خبثِه منذ بروزِه بفعلٍ من دوائرهم الاستخباراتية وبدعمٍ من المستفيدين من وراء تكوين حلقاتِه وتشعباتِه وتفرّعاته الأخطبوطية الكثيرة التي انتشرت في بلدان الخليقة كلّها من دون استثناء. أليسَ هذا واقعًا مؤلمًا ووضعًا راهنًا هزّ العالم بعد احداث باريس الأخيرة؟ أليوم، لم تعد بيانات الاستنكار وكلمات الشجب ونداءات الأسف تكفي، بقدر ما تحتاج البشرية وأصحاب الفكر المستنير والقيادات الروحية قبل غيرها من مرجعيات دينية متنوعة ومن منظمات وجمعيات ونخب مثقفة، إلى أفعال قوية وردود حاسمة وقرارات صارمة أحيانًا من أجل تجاوز المشكلة، بل الأزمة، بل الهجمة الشرسة وغير الطبيعية على هوية الأديان وطبيعتها وتراثها وكيانها.

 بل إنَّ الكلمات والخطابات الحماسية التي نسمعها أحيانًا إذا كانت مقرونة بالأفعال الحية فقط، هي المرجوّة عندما تحيطُنا المشاكل وتعصفُ بنا الأمواج. وستبقى المرجعيات الدينية والروحية على اختلافها وتنوّع مشاربها، سفينة نجاة للمؤمن الصادق والزائغ عن طريق الحق والصواب على السواء. الأول، للتفاخر به وبتربيته المنزلية والمجتمعية، والثاني بنصحه وحثه على السيرة الحسنة وتصليح اعوجاجه.

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة