خواطر وكتابات عامة                                                  

 

جنان ياقو

 

   22 تشرين الاول 2015

 

   حضارتنا تعيش هذه الايام مخاض عسير وتتعرض لشتى انواع الهدم والتدمير من قبل من يدعون انهم ذو علم ومعرفة ودراية علمية وثقافية بكل ما حدث ويحدث ، ورغم ذلك دنسو كل ما هو يمت بتاريخ وحضارة العراق والمتمثلة بالآثار من قبور وتماثيل ومنحوتات قام بنحتها أباءنا واجدادنا القدامى الذين عاشوا وسكنوا ارض الرافدين وكان لهم الفضل في كل ما وصل اليه العراق من تطور حضاري وزراعي وثقافي وحتى السياسي ، لكونهم تركوا بصمتهم على تلك الآثار من خلال نحتهم على الاحجار لتقول نحن ابناء بلاد النهرين كنا وسنبقى خالدين بما طرزنا وكتبنا بسواعدنا على كل جدار تاريخ وحضارة شعب احب الحياة وحافظ على الأرث عبر العصور رغم كل الحروب والابادات الجماعية لأبناء شعبنا ( الكلداني الآشوري السرياني ) تتباهى بها الاجيال القادمة وبدورها تتوارثها من جيل الى آخر وينبهر بها القاصي والداني من كل بقاع العالم ، لان جميع الامم تُعرف بأرثها الحضاري والتاريخي ومن ليس له أرث ليس له تاريخ .

 هكذا نميز الشعوب الاكثر تحضرا وتمدناً ، من هذا المنطلق اردت الكتابة عن عدد من الآثار التي تركت للعالم أنموذجاً في الفكر والتاريخ والسياسة والاقتصاد وغيرها منها انموذجا للسن القوانين والمعرفة والعلم في كل مفاصل الحياة.. وكان لابد من الوقوف عند اهم صرح تاريخي معروف منذ القدم لحضارة الانسان الرافديني.

 انها مسلة حمورابي والتي تُعد أنموذجاً للقانون الاول في العالم ، وهي تحمل أقدم مجموعة لتشريع وسن القوانين المتكاملة ، فالملك حمورابي اختار مجموعة من القرارات الاكثر حكمة والتي تشكل ملخصاً لأهم العصور التاريخية المرموقة في بلاد ما بين النهرين ( أرض الرافدين ).

 أن النصوص المكتوبة في مسلة حمورابي هي بالخط المسماري واللغة الآكدية حيث أنها مقسمة الى المقدمة التأريخية وهي تتعلق بتنصيب الملك حمورابي ودوره حامياً للضعيف والمضطهد مع درج اهم أنجازاته ، اما النص الشعري وهو الذي يتناول الاعمال القانونية ويصل عددها الى نحو 300 مادة من الاحكام التي تنظم سلوك الفرد في الحياة اليومية ، كما كانت تضم فهرساً بأسماء البلدات والمقاطعات التي كانت تابعة لمملكة حمورابي .

 المسلة كان فيها ما يشكل تطوراً في صيغة الكتابة وتوضيح القوانين وتنظيم حياة الانسان وهي كانت واجبة التطبيق في عموم وادي الرافدين آنذاك ، اي المنطقة التي كانت تقع ضمن سلطة الملك كما أن الكتابات الحجرية الموجودة على المسلة هي منقوشة وهذا يدل على ديمومة وقوة هذه القوانين ، وقد قاموا بعمل نسخ من هذه المسلة و وزعت في المدن كلها على الرغم من ندرة نوعية الحجر الذي استخدم وتم العمل به ، حيث جيء به من مناطق بعيدة أذ ليس له وجود في المنطقة حينها .

 مسلة حمورابي تم اكتشافها في منطقة الشوش بين الحدود العراقية والايرانية ، وهي تحوي على 282 قانوناً وضعها الملك حمورابي وتوجد في قمة المسلة منحوتة تمثل الملك وهو يتسلم من ( الإله شمش ) رخصة الحكم حيث نصبت هذه المسلة في مدينة الشمس في القرن الثامن عشر (18) ق .م ، وصنعت من حجر البازالت الاسود حيث أرتفاعها 2225 سم وعلى الرغم من وجود وثيقتين قانونيتين سومريتين أقدم منها هما قانون أورنمو حوالي 2100 ق . م وقانون الملك لبث عشتار حوالي 1930 ق. م إلا أن قوانين مسلة حمورابي تميزت عنهما بكونها تشمل جميع نواحي الحياة ، لذا تُعد رمزاً عالمياً لحضارة أرض الرافدين بفضل احتوائها على عمل وحس فني وتأريخي وأدبي وقانوني متكامل .

 الجدير بالذكر أن قوانين مسلة حمورابي تُدرس في الجامعات لكونها تُعد أساساً لممارسة سلطة القانون وركزت على مبدأ أن ( الخاص لا يجب أن يحكم العام مطلقاً ) والذي كان حينها قاعدة قانونية في تلك الحقبة , علما أن النص القانوني كُتب باللغة المتداولة في الحياة العامة وبطريقة مبسطة فقد أراد الملك أن تكون مفهومة للجميع المسلة موجودة اليوم في متحف اللوفر في باريس .

 

 

-------------------------------------

---------------------------

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة