أمام ضخامة
الحدث، ومأساة
شعوب العراق،
وخطورة نتائجه
الآنيّة
والّلاحقة، تقف
جميع الجهود
عاجزة عن توفير
وسائل العيش
الّلازم والأمان
المفقود والكرامة
الضائعة لمَن
تقطّعت بهم السبل
ولم يتوصلوا
لإيجاد مأوى
يقيهم حرّ الصيف
الّلافح ومخاطر
الليل الجانح
وسخرية القدَر
المتفرِّج على
أحوالهم الكارثية
والسلطات العاجزة
عن صدّ الهجمة
الشرسة. وهؤلاء
يعيشون اليوم
بؤسًا ما بعدَه
بؤسٌ ومذلّة
ومهانة لا
يستحقّونها، كما
لا تستحقُّها
أيةُ خليقة لله.
فكم بالأحرى، إذا
طالت أناسًا
مسالمين من أبناء
الأقليات في
مدينة نينوى
العظيمة، كانوا
حتى الأمس القريب
قابعين في
منازلهم آمنين
ومتأملين انفراجَ
الأزمة السياسية
ومتكّلين على
الجهة التي
تعهّدت بحمايتهم
ورعايتهم والدفاع
عنهم: "إمّا
العيش أو الموت
معًا"، كما
تعهّدها فخامة
رئيس الإقليم.
ولكنّ هذه الوعود
مثل غيرها،
تبخّرت واختفت
تمامًا بالتضحية
بآلاف مؤلّفة من
أبناء الأقليات
التي طالَها
التهجير والقتل
والسبي والخطف
والاغتصاب والنهب
والسلب والطرد بل
والدفن أحياء،
كما حصل مع
المكوّنين
المسيحي في سهل
نينوى بقصباته
وبلداته
والإيزيدي في
مأساة سنجار
وشنكال وكوجو
وغيرها. هذه
الكارثة وهذا
الموقف المفاجئ
كانا وسيظلّان
لغزًا محيّرًا
كما سبقته مفاجأة
تسليم الموصل في
غضون ساعتين،
وبانتظار انكشاف
أسرار تقف خلفها
صفقات مشبوهة
كثيرة ومتشعبة.
عندما هبّت
الرئاسات
الروحية،
مسيحيّة ومسلمة
(ولاسيّما
الشيعية منها)،
لإغاثة المنكوبين
وتقديم العون
وحثّ الناس
لاستقبال
النازحين وتسهيل
إيوائهم وبلسمة
شيء من جراحهم
الكثيرة، بعد أن
فقدوا بيوتَهم
ومالَهم وحلالَهم
وكلَّ أملِهم
المتبقي في زوايا
جعبهم الصغيرة،
فإنها تكون قد
أدّت شيئًا من
مسؤوليتها
الروحيّة
والإنسانية
والاجتماعية
والإيمانية،
سيّما وأنّ
المعاناة اشتدّت
وهي في تعاظم
متواتر. كلُّ هذا
يجري، وسط جهد
دوليّ هزيلٍ
وخجولٍ لا يرقى
لغاية الساعة،
للمسؤولية
الملقاة على
عواهن الرؤساء
والساسة
والمسؤولين من
أجل إنقاذ
العائلات التي
تعيش البؤسَ
عينَه والمذلّةَ
عينَها والفاقةَ
عينَها. وهل أوضح
وأنقح وأفصح ممّا
تنقلُه شاشات
القنوات الفضائية
ال"سي إن إن"
و"عشتار"
والشرقية" وال"بي
بي سي" وال"آر
تي" وغيرها من
التي تعرض مناظر
بائسة وشواهدَ
محزنة تدمي
القلوب وتبكي
الحجر لشواهد من
نازحين مشرَّدين
يعيشون الفاقة
ذاتَها وهم
يفترشون العراء
من غير أن تصلُهم
يدُ العون
والرحمة إلاّ على
مضض. وحتى هذه
الالتفاتة
يستغلُّها
المتاجرون
للدعاية لمَن يقف
وراء هذه التي
تُسمّى مساعدات!
وما زاد الطّين
بلّة، ضعف
استيعاب الغرب
والدول المانحة
حقيقة المأساة
وعدم إدراكها
اختيار الجهات
الحريصة والنزيهة
التي بإمكانها
تنظيم المساعدات
القادمة لمَن
يحتاجها. وفي
بلدٍ مثل العراق،
الذي ابتلي بمآسي
وأزمات عددية لا
حصرَ لها، أصبحنا
ندرك تمامًا أن
المساعدات التي
تُقدّم لجهات
رسمية وللسلطات،
وما يصل منها إلى
المحتاجين
الحقيقيّين، لا
يعدو إلاّ الجزء
القليل بل لا
يتجاوز ربّما
الثلث، والباقي
يذهب إلى جيوب
القائمين على
العملية. فالغرب
بتركيزه على
حكومة كردستان
حصرًا، سواء في
تبرير دفاعه عنه
عبر الضربات
العسكرية
غير الفاعلة
لغاية الساعة
والمنفّذة حول
أربيل وحدود
الإقليم حصرًا،
أو في تقديمه
المساعدات
الطارئة السخية،
فهو في هذه وتلك
لا يأخذ غير
مصالح الأكراد
القومية في
استراتيجيته
وسياسته
الانتقائية.
إنّ غيابَ الجهد
الحكوميّ
المنظَّم، سواءً
من الحكومة
الفيدرالية او
الإقليم، ينسجم
مع الفوضى التي
تعمّ الوسط
السياسيّ العام.
وهذا لا يمكن
التعويل عليه،
إلاّ بالتنسيق مع
الجهات التي
تمثّل أبناء
المكوّنات الذين
تعرّضوا للتهجير
القسريّ والنزوح
الجماعيّ
مكرَهين. وهؤلاء
همُ الأَولى بطلب
الاستشارة لمدّ
يد العون
الحقيقية كي تطال
الجميع دون تمييز
وبذل الجهد
الكافي للوصول
إلى جميع
المحتاجين عبر
منهجية وبرنامج
عملٍ بعيدٍ عن
الروتين والحلقات
الاستعلائية
المفرغة. فيما
تقف معظم الكنائس
ورجالُها، إلاّ
ما ندر، في مقدمة
الجهات الساندة
التي أعلنت حالة
الطوارئ وفتحت
الأبواب مشرعة
للجميع دون تمييز
في خطوة للتخفيف
ما استطاعت عن
كاهل النازحين
المتألمين
والعطشى
والجائعين الذين
فقدوا كلَّ ما
يملكون إلاّ
لفحات الشمس
الحارقة والهواء
الساخن والعراء
المجّانيّ وكلَّ
آدميةٍ كانوا
يكابرون بها وهمْ
آمنون في قراهم
ومنازلهم قبل
الغزوة الهمجيةّ
باسم الدّين وتحت
راية "لا إلهَ
إلاّ الله"!
وهنا أسوق ملاحظة
مهمّة للتنبيه
والدراسة. إنّ ما
يؤسف له، أنّ
مجمل هذه الجهود
اليومية الحيوية
الصادرة من قبل
جهات عديدة
مساهمة في
التخفيف عن مآسي
النازحين،
يقابلُها إعاقة
ومماطلة
وإشكاليّة من
جانب بعض الجهات
التي تريد حصر
جميع المساعدات
الواردة، الرسمية
منها والقادمة من
منظمات دولية
ودول وهيئات،
حصرًا تحت
مسؤوليتها. وهذا
أمرٌ غير مقبول
بتاتًا. فهذا
يعيدُنا إلى
الفكر الإلغائي
الممقوت ثانية.
قد يكون ذلك
مقبولاً في حالة
رغبة منظمات
إنسانية تكليف
جهة معينة بالذات
دون غيرها
بالقيام بتوزيع
معونات معينة حسب
معرفتها. ولكن
ليس من حقّها ولا
غيرها التدخل في
برنامج حكوميّ
تتولى دائرة
رسمية مشهودة
بنشاطها بتنفيذه،
لا سيّما إذا كان
متعلّقًا بمشكلة
السكن المعزَّز
بمعونات غذائية
ومنزلية يومية
عبر لجان ومراكز
مستقلّة تؤدي هذا
الدور التطوّعي
برحابة صدر
واستعداد للخدمة.
إنّ ما يقوم به
ديوان أوقاف
المسيحيين
والإيزيديين
والصابئة مثلاً،
من جهود مباركة
في هذا الخصوص
وما لاقاهُ
برنامجُه الطموح
من ارتياح وسط
العوائل النازحة
لغاية الساعة،
ينمّ عن شعور هذه
المؤسسة
بالمسؤولية
الكبيرة الملقاة
على عاتقها وهي
تمدّ يد العون
المباشرة
للمحتاجين وليس
عبر حلقات
روتينية تكرّس
الفكر الدكتاتوري
الذي عفا عليه
الزمن، ولنا منه
تجارب كثيرة
فاشلة. وعلى مَن
يسير في هذا
الطريق غير
السالك أن يتذكر
المآسي التي أودت
بالبلاد إلى ما
هي عليه اليوم
بسبب حصر
الصلاحيات بيد
حكومة المركز
وتهميش وإقصاء
الإدارات المحلية
عن أخذ دورها
الوطنيّ في أوساط
المجتمع. فكلّ
مَن يستطيع تقديم
يد العون من
جانبه، يباركُه
الله وعلينا أن
نقوّي عزمَه
ونبارك له
جهودَه، وليس أن
نضع العراقيل
أمام نشاطه أو
نردَعه لكونه
يقدّمُ أفضلَ ما
لديه لأناس
بائسين هم بحاجة
إلى الحنوّ
والمساعدة
والوقوف إلى
جانبهم والتخفيف
عن آلامهم، وليسَ
بالتلذّذ
بمهانتهم والشعور
بكون ما يُقدّمُ
لهم بمثابة صدقة.
هذا حق هؤلاء
الذين انقطعت بهم
السبل ووصلوا إلى
هذه الحالة
الكارثية بعد
فقدان بيوتهم
ومالهم وحلالهم،
ولم يعد لهم ما
يملكون غير هذا
الحق الذي يصلُهم
على مضض، سواءً
من الدولة أو
المنظمات. ونحن
على يقينٍ أنْ
ليسَ كلّ ما يأتي
من مساعدات ومنح
تصل بالضرورة
جميعُها إلى ذوي
الحاجة حصرًا.
ومن خلال متابعتي
اليومية عن بعد
أو قرب للآلام
والمآسي التي
تعرّض لها
النازحون عمومًا
من جميع مناطق
سهل نينوى ومن
جميع الطوائف
والأديان
والقوميات، تلقيت
ملاحظات مؤلمة
بهذا الخصوص، ولم
أبادر بالكتابة
في هذه
الإشكالية، إلاّ
بعد التأكّد من
المصادر والاتصال
بأصحاب الشأن
للوقوف على
الحقيقة.
من هنا أدعو
الجهات المعنية
دون تسميتها،
لمراجعة ما بدر
من جانبٍ منها
والعدول عن
الرغبة والقرار
بحصر المعونات
بها دون غيرها،
وإلاّ فإنّ
برنامج المعونات
والمساعدات
سيتحوّل إلى
مؤسسة دكتاتورية
نفعية وربحية.
وهذا ما يُخشى.
لقد سبق وكتبتُ
في مقالة سابقة
وصريحة، أنّ
شعبنا يرفض
المذلّة ولا نقبل
به أن يعيش في
خيم ما شاء
أمثالُ هؤلاء.
وطالما هناك
خيارات قائمة
بتأجير قاعات
ومراكز ومواقع في
أندية ترفيهية
قائمة وهياكل
أبنية في مناطق
عديدة وتأهيلها
للسكن الآدميّ،
من خلال تأمين
دفع تكاليف
إيجارها من جهة
حكومية، فلماذا
تضع جهاتٌ معنية
عراقيلَ أمامَ
تنفيذ هذه الفكرة
مدفوعة الأجر،
لاسيّما وأنّ مثل
هذه الجهات قد
تقدّمت لتكون
واجهة رئيسية
لتلقي المساعدات
والإعانات؟
إن
مثل هذا المشروع
الإنسانيّ الذي
اقترحه ديوان
أوقاف المسيحيين
والإيزيديين
والصابئة، من
شأنه حلّ الكثير
من الصعوبات
والمشاكل التي
يواجهها النازحون
اليوم وغداً،
لاسيّما وأنّ
المدارس على
الأبواب. ومع بدء
الدوام في
كردستان، سيضطرّ
النازحون لتركها
قسرًا والبقاء في
العراء بانتظار
قدوم الشتاء
الصعب. إنّها
مجرّد رؤية
للمراجعة وكسب
الوقت وخيارٌ
مقبول للتخفيف من
وطأة الزمن
الغادر.
بين
"داعش" والسامريّ
الطيّب، خذلانُ
شعوبٍ
يتبارى عددٌ من
الكتّاب بتحليل
الأوضاع وتوجيه
انتقادات، كلّ
على شاكلته ووفق
ولاءاته وتوجهاته
والرؤية التي
كوّناه حول
الأحداث، ما
قبلها وعلى
حقيقتها وما
بعدها. وكلّ قلمٍ
يكتب ما يرتئيه،
ولا منعَ أو
تحريمَ لما يكتب.
والقارئ اللبيب،
هو الذي يمحص ما
يُكتب ويغربلُ في
فكرِه وعقلِه
وقلبِه معًا.
ولكن، ليس الوقت
للتباهي
والمكابرة
والتشاحن
والتشفّي أمام
مأساة شعوبٍ
ومكّونات
بأكملها. فكلّ
مَن يستطيع فعلَ
شيء لإغاثة
المحتاج وكسر
خاطر اليائس
وشفاء بلسم
الجريح، سيكافئُه
الله اضعافَ
عملِه، تمامًا
كما فعلَها
السامريّ على
قارعة الطريق
عندما اهتمّ
بالضحيةِ
المجهولة التي
اعترضها اللصوص
الذين أوسعوه
ضربًا وسرقوا
جعبتَه وتركوه
جريحًا يئنّ من
الألم والفاقة.
تلكم هي حالُ
النازحين الجدد
اليوم الذين
طردتهم عصابات
"داعش" الإرهابية
المتشدّدة، عندما
اضطرّتهم لترك
منازلهم وحلالهم
ومغادرة قراهم
وبلداتهم مكسوري
الخاطر يلفّهم
البؤس والحزن
وخيبة الأمل من
كلّ شيء، حتى من
عناية السماء!
فهلْ من بؤسٍ
وخذلان ويأسٍ
أكثرَ ممّا يجري
اليوم؟
على الصعيد
المسيحيّ حصرًا،
ووسط هذه
المنغّصات
والمآسي، ما يزال
أدوات ما يُسمّى
بتجمّع التنظيمات
المسيحية
ودكاكينُها
الخائبة،
و"المجلس
القطاري" بالذات،
يتكابرون على
الغير ويرفعون
أعلامَ الغيرة
والحرص
والمصداقية على
غيرهم من
التنظيمات
والجمعيات
والأحزاب والجهات
الكنسية التي
حشّدتها الرئاسات
الروحية لأداء
واجبها الإنسانيّ
والروحي إزاء
الرعايا والأغراب
معًا، دون تمييز.
فهل فكَّرَ نفرٌ
من هؤلاء
المتبجّحين
الخائبين بإخراج
"القذى الأبرش"
من عيونهم قبل أن
يطلبوا تنظيفَها
من عيون غرمائهم
التقليديّين؟
وليكن كلامي
أكثرَ وضوحًا.
إذا ما قيس ما
يقدّمه جهد
"المجلس
القطاريّ" مع جهد
الكنيسة الّلافت
وفعّالياتها
الحيوية وأنشطتها
وكلّ تحرّكاتها
عبر متطوّعيها
على جميع الصعد،
فالمجلس المذكور
لن يقف إلاّ في
آخر الطابور،
لأنّ غالبية
أدواتِه في ما
يُسمّى بلجان
"شؤون المسيحيين"
تنتهج الدعاية
وتسخّر الإعلام
في تحرّكاتها،
وهي إن تلقاها في
خضمّ هذه الأزمة،
فهي قابعة في
القصور والفلل
والمنازل التي
حُجزت لهم
ولعوائلهم في
المواقع المخصّصة
لهم من قبل
الأسياد والرعاة
الكبار لمشروعهم
الخائب. ولو أنّ
ربعَ ما
صرفه "المجلس
القطاري" على
الدعايات
الانتخابية
لمجالس المحافظات
والبرلمان في
دورتيهما
الأخيرتين، لكانّ
آوى به العديدين
من أبناء شعبنا
التائهين في
العراء من الذين
لم يجدوا سقفًا
يأويهم وأطفالَهم
ونساءَهم
وأمّهاتهم
وبناتَهم، وحتى
ممّن غُرّرَ بهم
في ما يُسمّى
بالحراسات
الشكلية، من
الذين لم يتلقوا
لغاية الساعة
"إكرامياتهم"
المستحقّة منذ
ثلاثة أشهر، لقاء
تسخيرِهم
وعوائلِهم
للتحشيد لمرشحي
هذا المجلس في
تلك الانتخابات
وما قبلها. فهلْ
مَن ينكرُ هذه
الحقيقة؟
لقد
كان الأولى بمّن
يتهجّم على
النائب الفلانيّ
والمسؤول
الفلانيّ، سواءً
في الدولة
الفيدرالية أو في
حدود الإقليم، أن
يسخّر جهودَه
ومّن يواليه
ويساندُه، من أجل
بلسمة جراح مَن
قسى عليهم الدهر
وجعلَهم يفترشون
العراء سكنًا
والرصيف منزلاً
والحدائق سقَفًا
مفتوحًا للفرجة،
ناهيك عن تكدّس
غيرهم في قاعات
كنائس ومدارس
وأبنية مهجورة،
وهؤلاء من
المحظوظين، فيما
أدواتُ هذا
المجلس ومنتمو
الدكاكين التي
تحت إبطه في الصف
القياديّ الأول
يسكنون القصور
والفلل الفارهة
والبيوت المؤثثة.
وإنّي لمتأكّد،
أنّه لولا عون
الكنيسة ورجالها
والمتطوّعون من
الراهبات والشباب
الواعي، لكانت
الحال أسوأ ممّا
هي عليه الآن.
لقد سقطت ورقة
التوت وتبيّن
الحرصُ من الكذب،
والمكابرة من
الخدمة،
والادّعاء من
الحقيقة.
إنّ مأساةً بحجم
هذه الهجمة
الشرسة الأخيرة،
كانت لتتطلّبَ
ردودَ أفعالٍ
قوية وشديدة على
قدَر شدّتها
وعنفها، وليسَ
مجرّدَ حركة
تعدُّها بعض
الجهات الموالية
للسلطات هنا
وهناك ملفتة
لتدرُّ عطف شعبٍ
ابتلي بكذب مَن
يدّعونَ أنهم
ساستَه وممثليه
وقادتَه. إن هذه
المأساة قد كشفت
زيف ادّعاءات
الكثيرين الذين
ادّعوا تمثيل
الشعب عامة،
وخاصةّ أبناء
المكوّنات
المقهورة من
المسيحيّين
والإيزديين
والشبك
والكاكائيين في
سهل نينوى
المنكوب، والذين
كانوا لغاية
الأمس القريب
يتبجحون بالوعود
الكردية
ويعدّونها حامية
حمى مناطقهم دون
غيرها. ولكنّ كلّ
تلك الوعود، ذهبت
هباءً ومعها
مكابرتُهم مع
تسليم الكورد
لمناطق هذه
الأقليات دون
مقاومة، بل
بمجرّد اتفاق
بينهم وبين
قيادات داعش،
تمامًا كما كان
يحصل في الحروب
القديمة، عندما
يقبل العدوّ
ويطلب تسليم
مفتاح مدينة أو
قرية دون مقاومة.
وهذا ما حصل
فعلاً عندما
انسحبت قوات
البيشمركة
والجهات الساندة
لها والتي كانت
تمسك الأرض منذ
2003 وكانت تعهدت
بحمايتها أمام
الملأ، إلاّ
أنّها ضحت بها
أمام مصالحها
القومية الضيقة
ولم تُرد أن
تفرّط بقواتها
التي احتفظت بها
لحماية شعبها
الكردي حصرًا.
ويظهر ذلك جليًا
من المساعدات
التي طلبتها
حكومة الإقليم
للإقليم حصرًا
عندما استدرّت
عطف أمريكا
والغرب بحجّة
حماية الإقليم
والنازحين فيه.
لقد غيّر مثل هذا
الموقف المتخاذل
رؤية الكثيرين
وبدأوا بإعادة
تقييم حساباتهم
وتغيير مواقفهم
بعد التضحية بهم
وببلداتهم وقراهم
التي استُحلّت
منذ 2003 بحجة
كونها مناطق
متنازَع عليها،
فيما الغالبية
منها لا علاقة له
بجغرافية الإقليم
ولا بتاريخه ولا
بثقافته.
أمّا حركة معالي
وزير النقل في
كردستان، فهي إنْ
دخلت في رواق
الدعاية والإعلام
المبطّن لكسب
الودّ ونيل رشقات
إضافية من
التصفيق والتطبيل
بحجة الحرص
وإبداء الاستياء
الظاهريّ من عجز
حكومة الإقليم في
يدّ العون
الحقيقية
للمنكوبين وإغاثة
النازحين دون
تمييز حيث
وُجدوا، فهي غير
مقبولة، بعد سقوط
ورقة التوت. إنّ
مثل هذه الحركة
لن تقدّم ولن
تؤخر في شيء.
فالوزير المستقيل
المحترم في
الإقليم يبدو
بدون صلاحيات،
تمامًا مثل غيره
من المسؤولين
ممثلي الأقليات
الدينية غير
المسلمة في
الحكومة
الاتحادية أو في
الإقليم، من
الذين وُلّوا
مناصب لذرّ
الرماد في العيون
ولغرض الدعاية
الديمقراطية في
الحكومات
الطائفية
المتلاحقة.
فهلْ سألَ الوزير
المستقيل وغيرُه
من المسؤولين،
لماذا، كانت
حكومة الإقليم
ترفض دائمًا،
تشكيل قوات
نظامية من أهالي
مناطق الأقليات
يكونون أساسًا
مرتبطين بالجيش
والشرطة
الاتحادية لكي
تتولّى حماية
مناطقهم بأنفسهم؟
وهل سأل هؤلاء عن
الإجراء الذي
كانت اتخذته قوات
البيشمركة
والزريفاني
مؤخرًا، بتفتيش
المنازل ومنع
امتلاك المواطنين
في المناطق
المستباحة
لقِطَعِ السلاح
الشخصية للدفاع
عن البلدة
والمنازل، فيما
لو حصل اقتحامٌ
مفاجئ؟ وهذا ما
حصل فعلاً. فلو
تُرك الأهلون
بدون ضغوطٍ من
جانب القوات
الكردية التي
ادّعت حماية
المناطق تلك،
لكانوا دافعوا عن
بلداتهم وربّما
استجمعوا قواهم
وإرادتَهم من
أسلافهم الشجعان
وكانوا صدّوا
الهجمة أو
تفاوضوا.
إنّه لمن العار
أن يذهب كتّابٌ
يدّعون القلم
القوميّ الحرّ،
للتصفيق والتهليل
لقرار معالي
الوزير المحترم
الذي يدخل في
إطار الحرص
الدعائيّ الفارغ
والتعاطف
الظاهريّ بعد
انكشاف "المجلس
القطاريّ" على
حقيقته مثل غيرِه
من التنظيمات الي
تُسمّى
با"لقومية" وعدم
فاعليّته في فرض
أجندة مسيحية
واضحة إلاّ فيما
يخصّ المصالح
العليا لأولياء
النعم في الحزبين
الكرديّين اللذين
يتسيّدان الساحة
في الإقليم.
وللتذكير فقط،
كنتُ في لقاء
خاصٍ لي مع راعي
"المجلس القطاري"
في بدايات تأسيسه
في عام 2008، قد
تلقيتُ تطمينًا
منه بتطبيق حكمٍ
ذاتيّ في القرى
المسيحية القائمة
في كردستان،
حسبما ينصّ عليه
دستور الإقليم.
ولكنّ المشروع
بقي في خبر كان
بسبب رفضه من
حكومة الإقليم أو
تسويفه من أجل
كسب الوقت
والمزيد من
المكاسب على حساب
حقوق الأقليات،
عندما حوّلَ
المجلس أنظارَه
صوبَ سهل نينوى،
وبالذات نحو
قرةقوش والبلدات
المجاورة لها
لتكون نواةً
للمشروع حيث
يتواجد أكبر
تجمّع مسيحيّ
فاعل الحضور.
ومنذ ذاك الحين،
والمؤامرات تُحاك
ل"تكريد" هذه
المناطق وغيرها
على خط تلكيف –
ألقوش، للاستحواذ
عليها وضمّها
للإقليم.
وللإقليم في هذه
المناطق وكلاء
ومأجورون
ومنتفعون ودجالون
في صفوف بعضٍ
ممّا يُسمّى
بأحزاب شعبنا
القومية
ودكاكينها،
يقومون بالترويج
والتبرير لهذا
المشروع
الاحتلاليّ
الواسع. ومن
المؤسف أنّ بعضًا
من هؤلاء، من
الطبقة المثقفة
ومن رجال دين
يتقاضون مرتبات
وإكراميات
وينعمون
بامتيازات وهدايا
يسيل لها اللعاب،
مكّنتهم من تغيير
واقع حياتهم
المعيشية مقابل
تطبيلهم وتزميرهم
وتأييدهم للمشروع
الاحتلاليّ. أمّا
اليوم، بعد النكث
بالوعود وترك هذه
المناطق فريسة
بيد العصابات
الإرهابية وتضحية
الكورد بها
والتخلّي عنها
بهذا الخذلان
لصالح فكرهم
القوميّ ومصالحهم
الإقليمية، ماذا
يا ترى يكون
ردُّهم؟ وهل من
رأس يرتفع ليقول
عكس الحقيقة؟
وما هو التبرير
بهروب القوات
التي كانت تمسك
الأرض والمفاجأة
بنكوصها بتحمل
المسؤولية بحماية
هذه المناطق
وحالة الفزع
والهروب من
الساحة تاركين
آلاف المنازل
مباحة للعصابات
واللصوص
والسارقين الذين
يصولون ويجولون
ويقتحمون المحلات
والمنازل وينهبون
المتاجر؟
أمِن خذلان أقوى
وأفصح وأوضح ممّا
جرى؟
عتبي على أصحاب
الاقلام الزائفة
التي تزمّر
وتطبّل وترقص على
معاناة الشعوب
وهي ما تزالُ
مصرّة، كما يبدو،
على حكمة "المجلس
القطاري" ومبادئه
وأدبياتِه دون
غيرِه، بالرغم من
الحالة المزرية
للنازحين من
أطفال ونساء
وشيوخ ممّن ما
يزالون لغاية
اليوم بلا مأوى
ولا سقف يحميهم
حرّ هذا الصيف
الّلافح، وهم
يفترشون الحدائق
والأرصفة يحكّون
جلدَهم المتسخ
الذي لم تمسّه
قطراتٌ من الماء
منذ أيام!
فالمجلس المذكور،
مثل باقي
الدكاكين الأخرى،
لم يحصلوا جميعًا
غيرَ خيبة الأمل
والخذلان من جانب
مّن حرّرَ لهم
صكوكَ الوعود
المجاّنية
الواحدة تلو
الأخرى، سواءً من
الحكومة المركزية
أمْ من جانب
الإقليم، وهي
أساسًا غير قابلة
للصرف سوى على
شاشات الدعاية
مثل غيرها!
فالحقيقة أنّ
هؤلاء جميعًا "
في الهوى سوى"،
كما يقولون!
ننداءات
استغاثة صارخة
يزور كردستان هذه
الأيام، شخصيات
سياسية ودينية
وأممية، وإنّ
جلَّ همّها منح
تأييدها للإقليم
حصرًا، غيرَ
عابئة بحكومة
المركز الذي يعيش
أشبَهَ بحالة
طوارئ، بالرغم من
فكّ عقدة رئيس
الحكومة المنتهية
ولايتُه أخيرًا،
وتنحّيه عنها بعد
أن كانَ ركبَ
العناد
"الدعوويّ"
بالتشبّث
بالسلطة، بالضدّ
من تحذيرات
المرجعية الدينية
والتأييد الجارف
للخطوة الجديدة
بتكليف شخصية
أخرى لرئاسة
الحكومة. وذلك
التشبّث، وما
بدرَ من المحكمة
الاتحادية التي
لا تؤدّي واجبَها
الوطنيّ
باستقلالية،
عندما أجّلت
النظر بدستورية
الإجراء الرئاسي
بتكليف مرشح
بديل، إنّما أعطى
دليلًا وافيًا
لإفساح المجال
للرئيس المنتهية
ولايتُه كي يصفّي
الملفات العالقة
التي تفوح منها
رائحة فساد
ويؤمّنَ على
نفسِه ومَن معه
بطمس معالم
عمليات الفساد.
وسط
الصمت الدوليّ
المبكي والمخيّب
للآمال بالرغم من
مرور أيامٍ على
الكارثة
الإنسانية، جاء
نداء البابا
فرنسيس الأول،
بابا الفاتيكان،
مدوّيًا وفاعلاً
حينما استصرخً
الضمير الإنسانيّ
وطالب دولَ
ورؤساءَ العالم
والهيئة الدولية
ومنظماتها لإيجاد
حلّ جذريّ
لمعاناة
المهجّرين والعمل
على إعادتهم
لمنازلهم
وبلداتهم وقراهم
ومناطقهم بالعمل
على تحرير
المناطق المحتلّة
وطرد العصابات
التكفيرية خارج
البلاد والقضاء
على الشرّ القادم
منها بفعل فكرها
النتن والمتخلّف،
وتجريم كلّ مَن
يموّلها
ويحتضنُها.
بعد هذا النداء
الصارخ ونداءات
وتدخلات كنائس
عديدة في دول
العالم التي
استصرخت الضمير
الإنساني، تسابق
رؤساء
الدبلوماسيات
الأجنبية في
الداخل والخارج،
للإعراب عن
تضامنهم مع
الفئات المقهورة
وآلاف النازحين
الذين تشرّدوا
بفعل الأعمال
الإجرامية
للتنظيمات
المسلحة
وحواضنها. وقد
عدّ البعض ما
جرى، بكونِه
زلزالًا يسترعي
انتباه العالم
أجمع لنجدة آلاف
المنكوبين، ونداء
يستصرخ الأخلاق
والضمير العالمي
لوضع حدّ سريعٍ
للنكبة الكبرى.
فما يحصل اليوم،
يدخل خانة
الإبادة الجماعية
لمكوّنات أصيلة
لها تاريخُها
العميق وإرثها
الثقافي المتميّز
وديانتُها
المسالمة
والبنّاءة!
ولكن، من المؤسف
أن تصبّ جميع هذه
المساعدات
العينية منها
والمادية وكذا
النداءات ضمن
نطاق إقليم
كردستان في
معظمها. حتى
الضربات الجوية
والتدخلات
الدولية العسكرية
والعروض
التسليحية،
كلُّها تتركّزُ
اليوم في مصلحة
إقليم كردستان
وعلى حدودهِ.
ما يؤلمُ كثيرًا،
عدم صدور إدانات
للأعمال
الإرهابية وجرائم
التهجير الجارية،
كما لم نلحظ
جهودًا واضحة من
جانب أطرافٍ
سنّية مشاركة في
العملية السياسية
لها روابط ووشائج
مع جماعات مسيحية
وأقليات غيرها في
المناطق التي
تتواجد فيها.
وهذا دليلٌ على
مساندتها
ومشاركتها أو
موافقتها على ما
يحصل في الباطن.
وإنْ لمْ يعملوا
الحكمة والروية
فيما يحصل، فإنّ
هذه الأعمال
ستنقلبُ عليهم
وسوف يطالُهم
شرُّها، عاجلاً
أو آجلاً. وعليهم
أن يراجعوا
حساباتهم جيدًا،
لانَّ الخطر
يستهدف الجميع
ويطال الكلّ دون
استثناء حينما
يستفحل ويستحكم.
وخلاصة القول،
أنّ المشكلة
عميقة وجذرية
وكبيرة. فمَن
يخسر المنزل الذي
يأويه ويُطرد من
بلدته وأرضه بمثل
هذه الوسيلة
المزرية وبفعلٍ
قادمٍ غريبٍ
وكيانٍ مسخٍ لا
يؤمن بالضمير
والأخلاق ويتخذ
الدين أداةً
لبلوغ المقاصد
والغايات، فإنّه
كمنْ يفقد ذاتَه
وتُنزَعُ عنه
أحشاؤُه وأعضاؤُه
قسرًا. والإنسان
السّويّ، إن فقد
هذه كلّها
الواحدة تلو
الأخرى، فلنْ
يبقى لديه من شيء
اسمُه الوطن في
قلبِه وضميرِه
وفكرِه. ومن ثمّ
فكلّ ما بدرَ من
تمسك بالوطن
وتشبّثٍ بالأرض،
فإنّه لن ينفع
بعد أنْ يلفظه
الوطن ولا يستطيع
تأمين الحماية
الّلازمة التي
بها وعلى ضوئها
ينبغي له العيش
بسلام وأمان
وطمأنينة. فإذا
فقدت هذه كلّها
عند الإنسان،
فحينئذٍ تسقط كلّ
مبرّرات البقاء
في وطنٍ لا
يستحقّ أن يخدمَه
المواطن الشريف
الغيور.
العراقيون اليوم،
أمام امتحان
عسير، والأقليات
منهم بصورة أدقّ.
في التشكيلة
الحكومية
القادمة، إذا لم
يستقم مسار
العملية السياسية
ويُصار إلى
اعتماد "دولة
المواطنة"
مقياسًا للعيش
المشترك، التي
وحدها كفيلة عبر
التآلف والتكاتف
والمصالحة
الوطنية، بصدّ
الهجمة الشرسة
للتنظيمات
الإجرامية
الدخيلة على
الوطن ودحرها
وتحرير البلاد من
براثنها، فإنّ
خيارات صعبة
ستُفتحُ
للمستهدَفين من
شعوب المكوّنات
المستضعفة. ولن
يكون من مناصٍ أو
خيارات غيرُها.
فلا أحدَ يبقى
منتظرًا مَن
يُصعدُه من
الهاوية، ولا
أحدَ يظلُّ يعيشُ
مصيره في الرعب
وفي المجهول.
فليكن الجميع على
قدر جسامة
المسؤولية
بالتخلّي عن
المصالح الطائفية
والفئوية
والشخصية الضيّقة
من أجل المصلحة
العليا للوطن
والترويح عن
المواطن المعذّب
منذ عقود. جهدٌ
منكم وجهدٌ منّا،
وسيصل البلد إلى
ميناء الأمان
بعناية السماء
ويعيش المواطن في
سلام وأمان
وكرامة.