لم تمنعه
لفافة شاش
أبيض غطت
وجهه حتى
عينيه، ولا
مخرز للمغذي
اخترق الأزرق
القاني،
ووسادة قليلا
ارتفعت لتسند
الساق
المطوقة
بالجبس، أو
نوبات الوجع
القاتل بين
الفينة
والأخرى من
جهة الضلع
الأيسر؛ بل
ذاك الهرج
والمرج فيما
حوله الذي لم
يميز منه
شيئا سوى
صرخة عانقت
عنان السماء
من أم عثرت
على ابنها
بين أكوام
اللحم
المكدسة في
باحة مستشفى
الحمدانية،
وتلك الصغيرة
التي انكفأت
على ظهرها
وقد تزحلقت
ببركة الدم
بين أسرة
الجرحى، تفتش
فيهم عن
والدها سائق
باص الجامعة
إذ دس في
جيبه علبة
الحلوى التي
تحبها،
كعادته
اليومية، من
أسواق
الموصل،
ولأختها قد
علَّق فستان
الحفلة
الكبرى...
لم يمنع ذلك
نوئيل من أن
يقبض، بكلتا
كفَّيه, بما
أوتي من عزم
على قميصه
المخضب
بالأحمر، رغم
جرعة المخدر
المحقون بها،
القوية أيها
الأوغاد،
يامن غادرت
فيكم آخر
قطرة من حياء
البشرية،
وتلبست
أرواحكم من
أسماها
المندائيون
{الروهة} روح
الشر، وأم
الظلام،
خلعتم جلابيب
الإنس
وارتديتم
بزات هولاكو
فيما بعد
القرن
العشرين،
أيتها
الأفاعي
القاتلة التي
تشرب من
أعشاش
العصافير
أفراخها،
وصالح وحده
لا يكفي كي
يدعو ربه أن
يهلك
العنقاء،
ونسل
العنقاء،
فصالح اليوم
لم يعد كما
كان، ولم يعد
مجديا دعاء
الصالحين قط،
ولا صلاة
الضعفاء
اليائسين
تكفي لأن
تخلص العباد
مما ابتلاهم
به امتحانا
للصبر الرب
ماريا، يا
زهرة
الأقحوان في
الخميلة،
وروحا قدسية
تطوف على
المعذبين,
سنديانة
ظليلة
الفروع,
حمامة بيضاء
تشيع المحبة,
يا أما حنونا
تشيع المحبة،
فهل ما زلتِ
حيَّة؟ أرجوك
من كل قلبي
أن تبقي
حيَّة، أيها
الرب أرجوك
أن تبقيها
حيَّة، وإن
كان عندك
الفداء
مقبولا فخذ
روحي بدلا
منها؛ بل
اجمعنا عندك
إن أردت لنا
الجمع جوارك
سويِّا
ماريا، أمسِ
قبل نومي
لثمت جهاز
عرسك، فستان
أبيض مثلك،
مثلك إكليل
ورد، أساور،
أقراط،
خلاخيل
موصلية...
لم يبق إلا
القليل يا
حبيبتي، أيام
معدودات
نصطف، أنا
وأنت وغيرنا،
على المدرج
الجامعي بزي
التخرج، وكم
هو حلو عرسنا
في نشوة
الحب, وقطف
الثمار
البهية، باتت
حتى الفجر
أمي تغني
ترانيم عشق
عراقية,
شمالية,
جنوبية,
شرقية,
غربية,
ووالدي أشعل
الشمع في
المحراب
متمتما دعوات
صمت صميمية،
جارنا الطيب،
إيشو، سخَّن
الطبل
والمزمار،
وارتدى قبل
الأوان لباسا
بهيِّا،
صبايا الحي،
يا حبيبتي،
أحضرن صواني
الحناء،
والأمنياتن
وما يستعرضنه
قدام شباب
الحارة،
والعانسات
صبغن الرؤوس،
وزينَّ
الوجوه،
واخترن
الأماكن، أما
القس فعلى
جمر يعد
الدقائق حتى
نعود اليوم
فيكتب في سفر
الأمة أن
الجسدين في
ذات الروح
انجمعا،
والماء
سيبقى، غصن
الياس سيزهو،
في ظل النخلة
طول العمر
سيحيى، نوئيل
وماريا...
لا تموتي،
أرجوك، فأول
الراقصين
بموتك
الأوباش،
أرجوك،
ماريا، لا
تموتي،
أرجوك، ففيه
تأكل الحب
الذئاب،
والدنيا
يغادر الخير
أهلها، تجف
الجداول،
تعمى
المنابع،
والثمار تذبل
أزهارها,
الغيث والبحر
في خصام،
والمحار يلفظ
اللآلئ،
الوالدات
يفطمن الصغار
مبكرا، ستخرس
النوارس إن
مُتِّ يا
حبيبتي،
والعنقاء
تعاود الكرة,
تخطف
الكتاكيت في
قمم الرواسي،
فالعنقاء يا
حبيبتي لا
تستطيب لحما
غير لحم
الأنقياء،
ولا تهدم عشا
غير أعشاش
الاتقياء، هي
نفس الروهة
التي شربت
بالأمس دماء
المندائيين
سمير الصادق،
وستار خضير،
لا تموتي،
أرجوك
ماريا...
السرير اهتز بعنف، على الأرض حمالة
المغذي
المتهالكة
انهارت،
الوسادة
انزاحت من
تحت ساقه
المكسورة،
تخشبت قبضته
على قميصه
الذي أخفاه
تحت رأسه،
أرعبت صرخته
قاعة
المستشفى حتى
خُيِّل
للحاضرين أن
بعض الجرحى
قد فارق
الحياة، لا
سيما أن
بعضهم كان
بليغ
الإصابة،
وجلهم طلاب
جامعيون
قصدوا العلم
ليهزموا
الظلام،
فاحتج على
فعلهم الظلام
منتقما، وهل
للظلام غير
الدمار من
سلاح ؟ وهل
يخاف شيئا
قدر خوفه من
النور؟ شباب
بعمر الزهور،
أحلامهم لا
تصدها أسوار،
ولا تحدها
حدود، في بلد
بناه
أجدادهم،
فعلموا
الدنيا أن
الحياة بلا
حب ليست
بحياة،
والرافدان ما
كان أجاجا
ذلك الذي
ارتوى منه
الزرع
والضرع، وفيه
تعمَّد أحباب
الرب الحي
العظيم
عاود الكرة صارخا، ماريا لن تموت، أبدا
لا تموت
ماريا، يد
حنون مسحت
على لفافة
الشاش حول
رأسه، قبضت
بلطف على كفه
الذي تيبست
عليه بقايا
بقع الدم،
كفَّ عن
الصراخ، القس
{أبلحد} حاول
فتح قبضتها،
شال حريري
ناعم داعبته
أنامله، إنه
شال ماريا،
شالك هذا
ماريا، يا
قوم، هو
ساخن، لا
محالة هي
حيَّة ماريا،
حاول النهوض
رغم آلامه،
أراحه قليلا
للخلف، من
يده انتزع
القميص، علبة
صغيرة في
الجيب، خاتم،
سلسلة، صليب،
رقعة صغيرة:
من نوئيل إلى
ماريا، كي
تستمر
الحياة،
والماء،
والحب، فتهرب
العنقاء... .