اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسيـة

                                                                  خواطر وكتابات عامة                                                  

 

لقب الأفندي معناه ومدلولاته

بشار واثق العبوسي

                                                                                                                                                           

 31 كانون الثاني 2010

        

       الأفندي - ويجمع بصيغة الأفندية، مصطلح أو لقب دخل اللغة العربية الفصحى والعامية على حد سواء ورثناه عن التركية العثمانية التي ورثته بدورها عن اللغة اليونانية، وقد شاع استعماله في الأدبيات الإدارية والعسكرية والاجتماعية في أرجاء الإمبراطورية العثمانية وفي الأقطار التي خضعت للسلطان التركي، شانه في ذلك شان الألقاب الأخرى مثل (الباشا)، (البك) و(الأغا)، وبالرغم من زوال الحكم والسلطنة العثمانية، فقد بقيت لفظة (أفندي) و(أفندم) جارية على السنة الناس، وخير شاهد على ذلك ما نشاهده في الأفلام المصرية وغيرها من الأفلام العربية.

       ففي العهود التي مرت بها السلطنة العثمانية، كانت العادة والتقاليد المتبعة في مخاطبة السلطان بعبارة (أفندم) أو (أفندينا) أو (افنديمز)، ومعناها: سيدنا أو مولانا المعظم فهي من معاني التعظيم والاحترام، وكانت أحياناً تطلق على أزواج السلاطين، بعبارة (قادين أفندم) وتختصر عادة في حالة المزاح فيقال (افيم Efam).

       وتشير المصادر الباحثة في هذا الموضوع أن كلمة (أفندي) دخلت التركية العثمانية الأناضولية في وقت مبكر وقد استعملها  الترك في القرن الثالث عشر الميلادي في الحديث عن (ملكة خاتون) بنت المتصوف الإسلامي الشهير جلال الدين الرومي. ولم تلبث هذه الكلمة أن شاع استعمالها في العهد العثماني على مدى عدة قرون. فقد استعملها السلطان العثماني محمد الفاتح في (فرمانه اليوناني) الموجه غالى أهالي (غلطة) قائلاً:"بن بويوك أفندم" ومعناها أنا السيد العظيم واستمرت مخاطبة السلاطين العثمانيين بعبارة (أفندينا) أو (أفندم) إلى زمن سقوط وإلغاء السلطنة وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة.

       وانتقل اللقب إلى الأقطار الأخرى فكان المصريون يطلقون (أفندينا) على الخديوي محمد علي باشا وعلى الباشوات العثمانيين الذين تولوا الحكم في مصر أبان الحكم العثماني.ولم تزل عبارة (أفندينا) جارية على ألسنة المصريين حتى قالوا: أفندينا عباس - أي عباس حلمي الثاني الذي تولى الخديوية سنة 1892م. وعندما تأسست المملكة العراقية وتنصب فيصل الأول ملكاً على العراق كان الكثيرون من رجالات الدولة وأعيانها - وجريا على العادة والتقاليد العثمانية - يخاطبون جلالته بعبارة (أفندينا) فأبطلت وحلت محلها عبارة (صاحب الجلالة) أو (سيدنا جلالة الملك)أو (جلالتكم).

       وقد أطلقت كلمة (أفندي) على مشايخ الإسلام والقضاة فكان شيخ الإسلام في اسطنبول يخاطب (أفندينا) أو (أفندم) وعلى قاضي اسطنبول يطلق لقب(اسطنبول افنديسي)، كما كانت كلمة أفندي تطلق على رؤساء الطوائف الدينية اليهودية والمسيحية، وكان الحاخام ساسون خضوري في العراق يخاطب بــ (أفندي)، وفي مصر كان رئيس الطائفة اليهودية يخاطب بــ (حييم أفندي ناحوم) الذي كان حاخاماً في اسطنبول، ثم جاء حاخاماً على يهود القاهرة.

       كما تحتفظ بعض الأسر في عدد من البلدان الإسلامية بلقب (النقيب) ولهم منصب نقابة الأشراف وهؤلاء ممن ينسبون إلى السلالة النبوية.وقد أطلقت لفظة (أفندي) على من يتولى نقابة الأشراف في تلك البلدان.ففي العراق تولى نقابة الأشراف عدد من الأسر الكيلانية القادرية وكان كل واحد من هؤلاء النقباء يخاطب بــ (أفندي).

       وفي الجيش العثماني كان الضابط يلقب بــ (أفندي) حتى رتبة (بكباشي). أما الملازمون (اليوزباشية) وكذلك (الالايلية- العلايلية) وهم المتخرجون في (الالاي) ويقال لهم في مصر "من تحت السلاح"فقد كانوا لاميتهم يلقبون  بلقب (الأغا) لابلقب أفندي.

       أما في الجيش العراقي فكان الجندي يخاطب الضباط على اختلاف مراتبهم بكلمة (سيدي) وكذلك الضباط من ذوي الرتب المختلفة يخاطبون الضباط الأعلى منهم رتبة بعبارة سيدي. وعندما  يرقى إلى رتبة (لواء) أو (فريق) فكان يخاطب بلقب (الباشا) أو (سيدي الباشا). أما المدنيون العاملون في الوظائف العسكرية فيلقبون بالأفندي. وقد أطلقت كلمة الأفندي على عدد من الموظفين الإداريين على اختلاف اختصاصاتهم.

       وكما هو معلوم أن العراق كان تحت السيطرة العثمانية لفترة طويلة إذ تحفل المصادر والمراجع الباحثة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر في تلك العهود العثمانية، كالسنامات (أي التقاويم السنوية- وتزدحم بألقاب الأفندي والباشا والـ (بك) للموظفين من المدنيين والعسكريين وبقى اللقب شائعاً في العراق إلى وقت قريب، ومن يراجع موسوعة (تاريخ الوزارات العراقية) بأجزائها العشر، للأستاذ المؤرخ عبد الرزاق الحسني يجد في صفحاتها الكثير من لقب الأفندي لطائفة من علماء الدين والوزراء وأرباب المناصب وغيرهم.

        حاول عدد من المتخصصين في الدراسات اللغوية والتراثية إقحام كلمة ألـ (أفندي) في كتب ومعاجم اللغة وإرجاعها إلى أوصاف ومعان، فقد وصف العلامة الأب انستاس ماري الكرملي في معجمه (المساعد) أن معنى الأفندي هو السيد والمولى والمعلم الفاضل والمتحكم والمستبد بنفسه والأخذ بنفسه بالأمور.أما الشيخ جلال الحنفي فيصفه: "أن لقب الأفندي يطلق على المتأنقين من الشباب، ولا يزال الناس يطلقونه على العلماء عند مخاطبتهم وإذا نودي شخص، رد على مناديه "أفندم" أي "نعم سيدي".

        إلا أن لقب الأفندي لم يبقى له اثر على المستوى الرسمي في المصادر والمراجع الحكومية بعد أن عاش لقرون عدة فقد اتخذت السلطات الحكومية قرارات بعدم استعماله في المخاطبات الرسمية في كل من العراق وتركيا ومصر. فقد قرر مجلس المعارف العراقي في 8/4/1920 أن تحذف كلمة (أفندي من المدارس)، كما بادرت تركيا إلى إلغائه رسمياً في 26/11/1934 ثم جاء دور مصر لتصدر قراراً بإبطال استعماله في سنة 1952، وبقى استعماله جارياً في الأفلام السينمائية بشكل واضح.

 

 

 

أعلى الصفحة

  العودة للصفحة السابقة