مع الهجرة
أم ضدها.. ولماذا؟
عبدالله النوفلي
العودة للصفحة السابقة
30
آذار 2009
ليس العنوان سؤالا فقط، إنما هو استقراء لحالة من الفلتان التي
نشهدها لدى شعبنا في الهروب من أرض آبائه وأجداه وكأنه كالأسير
الهارب من القفص وينشد الحرية في أرض الله الواسعة، وهذا حق
مشروع من حقوق الإنسان ولا غبار عليه فالإنسان حر بكثير من
أمور حياته ومنها اختياره لمكان عيشه وحياته !!!
لكن دائما الحقوق ليست هي نهاية المطاف فهناك ثوابت دينية
وقومية ووطنية وأخلاقية و و و، ويجب على الإنسان أن يتقيد بها
كي يكون موقفه منسجما مع الآخرين ويحترم حقوق الآخرين كيما
الآخرون يحترمون حقوقه، ومقالتنا هو وقفة تحليلية لما نشهده من
شبه الهروب الجماعي ليس لأبناء
السورايى
فقط وإنما للكثيرين الذين ضاقوا ذرعا بما شهده ويشهده العراق
ومنذ عشرات السنين، لكن شدة الهروب وزخمه لم تكن هكذا حتى بعد
سنوات من السقوط أو لنقل عملية التغيير في العراق ربيع 2003،
بل حتى في قمة الصراع الدموي الذي عشنا احداثه وعانينا الأمرين
منه وكتبنا بشأنه الكثير، وتهجرنا من بيوتنا وسكنا أخرى في
مناطق أكثر أمنا، ربما كان ينطبق علينا قول
الإنجيل:
"ومتى
طردوكم
في هذه المدينة فاهربوا الى الاخرى. فاني
الحق اقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى يأتي ابن الانسان"
(متى 23:10)، ولكن اليوم نجد من يهرب بعيدا وكأنه يركض وراء
سراب في صحراء يضنه ماءا لكنه ليس سوى وهم فقط خاصة في ضل
الأزمة المالية التي يعيشها العالم حاليا وبهذا الشأن أشيركم
لمقالة الأستاذ
كامل زومايا
في الرابط التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,285379.0.html
الذي يحاول الشرح وبأرقام عن معاناة
ألمانيا
أحدى الدول التي تستقبل اللاجئين العراقيين خصوصا ومعاناتها من
الناحية المادية، وقد يكون حال
ألمانيا
أحسن بكثير من حال
أمريكا،
التي بدأت تبحث عن الدماء الشابة النشطة لكي ترفد بها قوتها
العسكرية ولم تجد أمامها سوى طلاب الهجرة أو من كان يعمل بمعية
قواتها أبان تواجدها في العراق بحجة توفير الحماية لهم
ولعائلاتهم وملجأ أمينا يتخلصون في ربوعه من أشكال الضلم
والقهر والقتل والتشريد، لكن هذا كله يكون كلاما معسولا ومغلفا
بالطعم الحلو ما يلبث طالب اللجوء إلا ويكتشف أنه هرب من واقع
مرّ ليقع في واقع أسوأ منه،
فليس بالأمن وحده يحيا الإنسان،
فكل ما توفره أمريكا لهؤلاء هو معونة تدوم لبضعة شهور ليجد هذا
بعد انقضائها نفسه عاريا .. فقيرا .. يبحث عن لقمة العيش ولا
يجدها ولا يكون أمامه سوى التطوع في الجيش لكي يعيل أسرته وهذا
هو هدف أمريكا من العملية على أمل حصوله على الجنسية الأمريكية
بعد مدة قليلة من السنوات!!
إذا بقي على قيد الحياة.
وننسى من كل هذا أن آبائنا وأجدادنا الذين رووا تربة
بين النهرين
بدمائهم عاشوا فيها ولم يتركوها وضحوا وتم تقديمهم للقتل
والذبح رغم عدم وجود
الفيزا
في ذلك الزمان ولم يغادروا أرضهم وتشبثوا فيها واستمر أبنائهم
لحد اليوم الذي نحن فيه الذي يشهد تنكرنا لأرث أجدادنا
وتفريطنا بحقوقنا والهرب بعيدا متشردين ننشد المعونة (لله
يا محسنين)،
بينما أرضنا تدر لبنا وعسلا ويمكننا العيش بها وعليها بأقل
الخسائر والجهود ونكون مكرمين معززين لأن الظلم الحاصل والواقع
على أبناء العراق لا يطال
السورايى
فقط وإنما كل شرائح المجتمع بأديانه ومذاهبه وطوائفه وقومياته،
والأنكى من ذلك هو فقدان مستقبل الجيل الصاعد تلك الجريمة التي
يرتكبها الآباء بحق أبنائهم حيث يحرمونهم من مستقبلهم الدراسي
على أمل التكميل في دول المهجر لكن لا يعلمون كم أن الدراسة
مكلفة هناك.
وإن كان أبناء بغداد أو البصرة والموصل شهدوا هجمة شرسة دفعتهم
للبحث عن ملجأ آمن، فما بال من بُنيت لهم المساكن في قرى حديثة
في ربوع
نوهدرا
وغيرها من محافظات العراق ووزعت البيوت بالمجان لهم والأخيار
يوفرون المعونات الطبية والدراسية وغيرها من الأمور التي لن
يجد لها مثيلا في دول المهجر؟ ونحن دائما نركض وراء الفتات
المتساقط من موائد الدول التي تقبل اللجوء، وننسى أن موائد
العراق مازالت عامرة فليس بعيدا ما قامت به الدولة من توزيع
المعونات السخية لمن عاد من أهلنا إلى منطقة الدورة التي تشهد
استقرارا أمنيا حيث فتحت الكنائس أبوابها وتم تنظيف الأخرى لكي
تستقبل المؤمنين قريبا وهناك تعليم مسيحي وأخويات فاعلة، فهل
يجد طالب اللجوء هكذا أجواء في دول المهجر أم أن أولاده يسيرون
وراء قوانين الحرية والانفلات ويكون للولد صديقة وللبنت صديق
دون أن يستطيع الأب أو الأم أن يتدخلوا !!!
فمن ينشد الكرامة والعزة والشرف أعتقد ما عليه سوى أن يبقى في
أرضه وبلده ويتجذر فيها لكي يعيد عملية البنيان لأن حياتنا في
الشرق تختلف كثيرا عن الحياة في الغرب، وهذا الكلام موجه
للعوائل التي لم تباشر في الهرب بعد لكن من أصبح أفراد من
عائلتهم في الخارج وخصوصا الآباء هم في الداخل وأبنائهم في
الخارج فهؤلاء أعتقد مصيرهم سيكون الالتحاق بأولادهم من أجل أن
تكون خاتمتهم سعيدة أو مريحة ولا يتعذبون بل يلتقون بربهم وهم
مطمئنون البال لأن كل عائلتهم حواليهم.
إذا يجب علينا أن نفكر مليا قبل أن ننطلق نحو المجهول لأنه
أشبه بالمقامرة غير المحسوبة النتائج. مع أمنياتي للجميع بمصير
زاهر وحسن على أرض سعيدة مليئة بالحب والسلام.
العودة للصفحة السابقة
|