لايعرف أهل العراق الكوفية إلا بالكَفِّيَّة بدون واو أي
بفتح الكاف وتشديد الفاء المكسورة والياء المشددة المفتوحة
وهاء في الآخر، وهي لفظة منسوبة إلى الكفة لا الى الكوفة،
والكفة تعني كل ما استطال ويقال أيضا كف الثوب كفاً إذا
تركه بلا هدب. واللفظة الصحيحة هي الكوفية بواوٍ. وقد ذهب
آخرين إلى إن الكوفية مشتقة من الكوفة. ونسبت إليها لان
سكان هذه المدينة كانوا يلبسونها منذ الأزمان القديمة
فنسبت إلى بلدتهم. ولعل الأصح أنها رومية الأصل (أي
لاتينية مولدة أو
bas-latin)
لان الاروام هم أول من ادخلها إلى ديار الشام ومنها انتشرت
في سائر ربوع العرب وهي بلسانهم
coplhia،cofeaأو
cuphiaوقد
اشتقوها من كوفة أو كفةcupaأو
cuppaأي
القدح أو الصفحة أو القصعة وكل منها لايكون الامستديراً.
وتوصف بأنها كفة مربعة أو تكاد تطوى على نفسها فيخالف بين
زواياها معطوفة إحداها على الأخرى كما يفعل في الوشاح
وتلبس فوق الرأس بان تلقى عليه فيجعل طرفها السائب على
الظهر ويقع طرفاها الآخران على الصفحتين اليمنى واليسرى
يفعلون ذلك ليتقوا الشمس أو طوارئ الجو وتثبت بواسطة رباط
متين كالحبل يعرف عندهم بالعقال. وقد تكون الكوفية من خام
اوحرير أو قز أو من نحوها وهي إذا طويت على نفسها يحصل من
شكلها مثلث، وإذا كانت من الخام الأبيض سماها أهل بادية
العراق"بالحلالية"وبالقزية (أو الجزية محرفة القزية) إن
كانت من ابريسم والنجديون يعرفون الكوفية باسم "المحرمة"
إذا كانت غير بيضاء والافهي "الغترة" (بكسر الأول).
وحضريون بغداد ولاسيما نصاراها يريدون بالكوفية المشوش أي
المنديل الذي يتمسح به أو يمخط فيه. وذلك لان الأعراب
يتمشون بأحد طرفيها. ولان أهل المدن استعملوا تلك الكوفية
نفسها للمش لالستر الرأس إذ يستعملون بدلها العمامة.فبقى
اسم الشيء عليه وان تحول استعماله لأمر أخر لان التسمية
هنا واقعة على المادة لاعلى سواها.كما إن أهل الشام يريدون
بالمحرمة مايريده البغدايون بالكوفية للسبب المذكور.
وأما أهل تونس وما يجاورها فيريدون بالكوفية ضرباً من
الكلوتة أو العرقية تكون مطرزة. وتجمع الكوفية على
كوافي(بتشديد الياء) والعراقيون يقولون كفافى ويقال فيهما
كوفيات وكفيات أيضا وكلاهما مقبول مانوس.
وقد ذكرت لفظة كوفية في كتاب ألف ليلة وليلة في عدة مواطن.
وكانت النساء يومئذ يلبسنها.من ذلك قول المؤلف: خلعت بعض
ثيابها وقعدت في قميص رفيع وكوفية حرير. وقوله: على رأسها
كوفية دق المطرقة مكللة بالفصوص المثمنة. وممن ذكر الكوفية
النويري في تاريخ مصر وكان السلاطين المماليك يتخذونها وقد
وردت في جميع كتب السواح الإفرنج الذين جابوا ديار العرب
والعراق وبعض ربوع الشام منذ ثلاثة قرون فما دون لكنها لم
ترد بهذا اللفظ في كتب العرب الأقدمين. فالظاهر إنهم كانوا
يستغنون عن هذا الاسم بأخر كالعمامة والعمار والعميرة
والعصابة ونحوها لان الكوفية من لوازم العميرة.
واماالحلالية فأنها مضافة إلى الحلال. كان لونها الأبيض
ومادتها المتخذة منها وهي القطن تحل لان تكون عمرة لجميع
الناس بخلاف مالو كانت من حرير أو لونها اخضر وازرق فأنها
لاتحل الالبعض طبقات الناس.
وأما الغترة بكسر وسكون فان أصلها الغتراء على مانظن
والغتراء مما كثر زئبره من الأكسية والقطائف ونحوهما. ولما
كانت الكوفية تتخذ عندهم من الأنسجة الكثيرة الزئبر سميت
باسمها.
وقد تختلف ألوان الكوافي باختلاف لون الثوب الأصلي. ولهذا
لاينظر إلى اللون وهي تكون في الغالب حمراء او زرقاء او
رمداء. أو أن تكون رقعة الثوب بيضاء وما عليها من النقوش
زرقاء او حمراء. ويكون في أطرافها أهداب طويلة يعقدها
البعض عقداً مختلفة الشكل أو يحبكونها حبكاً على أوضاع
غريبة والأكابر يتخذون الكوفيات من الابريسم أو الحرير
الذي يدخله القصب أو الكلبدون تدلى أطرافها من جانبي الرأس
لتلقى على الفم أيام البرد القارس أو العواصف الكثيرة
الغبار التي تكثر في العراق لتمنع البرد أو دخول الغبار
الفم. ولهذا سماها العراقيون الكفية من الكف وهو المنع او
من الكُفة بالضم.
ومن الغريب أن لفظة الكوفية تكاد تكون في جميع اللغات بلفظ
واحد وبمعنى مقارب للمعنى العربي فقد ذكرنا اسمها عند
الروم. وأما الايطاليون فيعرفونها باسم
coffia
وهي بالاسبانية
cofia
وبالفرنسية
coiffe
وبالبرتغاليةcoifa.
كما أن قدماء العرب كانوا يتخذون العمامة فوق الكوفية
ولاسيما أهل المدن منهم. وكانوا يسمونها باسم واحد وهو
العمامة .