من البديهي إن الانتخابات في العراق تختلف عن الانتخابات
في بقية دول العالم، لأننا دون شك لازلنا نعاني وجود بديل
قسري أخر، يتربص بالمستقبل السياسي للبلاد ومصير ملايين
العباد في حال فشل العملية الديمقراطية، وهو الاحتراب
والاقتتال الداخلي المدعوم خارجيا بلهفة وشهية.
فلا خشية على مصير البلد حين تنحدر نسبة توجه الناخبين في
دول الأرض المتقدمة إلى صناديق الاقتراع ، وذلك العزوف عن
المشاركة في الانتخابات يكاد أن يكون مفهوما ومبررا
باطمئنان الناخب هناك إلى وجود الدور المؤسساتي الكبير
والذي يقلل من أهمية الأسماء التي تتصدر المناصب، وأيضا
إلى توصل الأحزاب والكتل السياسية في تلك الدول إلى وفاق
وطني لا يخشى بعده على البلد من فوضى أمنية. وأيضا يمكننا
أن لا نقلق على مصير شعوب بلدان العالم الثالث والدول
النامية من انحدار تلك النسبة بسبب قدرة ملوكها وأمراءها
ورؤساءها على فرض الأمن بواسطة قوات نظام الحاكم التي
تنفرد بحملها للسلاح.
ولأن أحزابنا وكتلنا السياسية لم تصل فيما بينها بعد إلى
درجة عالية من التوافق الوطني، فان الدافع الأساسي لذهابنا
إلى صناديق الاقتراع يتعلق بمشاركتنا في تأسيس التوافق
الوطني الذي علينا أن نساهم في خلقه، وأن لا نتركه كأمنية
لدى ضمير مخادع لبعض القوى السياسية غير المهتمة بأي نوع
من التوافقات الإنسانية، وبذلك نكون قد وضعنا معضلة كبيرة
أمام خلق التوافق الوطني تكمن في الموقف السلبي الذي
يمارسه المواطن في قتله الأمل المرتجى من الانتخابات
ونتائجها.
حتى متى سيبقى المواطن سلبيا في كل الأمور العامة حتى
السياسية منها ويرفض ممارسة واجبه في فرض التوافق الوطني؟
فهو المسئول الأول عن ولادته لا كما يتوهم البعض ويضعه
كمسؤولية مجردة تنحصر بمهام السياسي فقط.
وحتى إيمان المواطن بنظرية المؤامرة وتوهمه أن النتائج
محسومة مسبقا لصالح من هم في الساحة الآن، أو بعدم ثقته
بنوع القائمة المغلقة(وهي لم تقر حتى الآن)، فان ذهابه
للانتخابات يجعله قريبا من أية محاولة للتزييف وسرقة صوته
لمصلحة الفساد الإداري والمالي.
سأشرح الأمر بشكل آخر، لنفترض أن المواطن شخص ما يمتلك
أسهما وحصة في شركة مساهمة، قيمة وارداتها من النفط فقط
تعادل أكثر من أربعة مليار دولار شهريا، أفلا يمثل ذلك
دافعا لذلك الشخص ليذهب مرة في كل عام ليتحرى عن قيمة
أرباحه المتحققة، ألا يخشى اختلاسات المسئولين في تلك
الشركة ويحاول جاهدا المشاركة في انتخابات مجلس إدارتها كي
يضمن حقوقه الكاملة.
واستطيع أن أحاجج بعض اليائسين أيضا وأقول هناك دافع كبير
أمام المواطن للمشاركة في الانتخابات، وهو وجود الشخصيات
المستقلة، وحيث أن انتخابات العراق تمنحنا الرغبة الأكبر
في المشاركة لأنها ليست كما هي الانتخابات الرئاسية في مصر
التي تفرض قيودا كبيرة على مشاركة المستقلين وبالتالي أدى
ذلك إلى عزوف جماهيري كبير عن صندوق الاقتراع.
وان كنا نمنح لكسلنا وسلبيتنا دافعا في تشككنا بقدرة
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في الحفاظ على
استقلاليتها وحرصها على الشفافية والنزاهة فإننا بذلك نكون
قد أهملنا واجبنا قبل أن تقصّر المفوضية بواجباتها
افتراضا.
كيف سيعبر عن رفضه من تضرر في الفترة الماضية إن لم يسعى
للتغيير؟ عندئذ سيكون بلا معنى أو جدوى شكوى وتذمر من لم
يسهم في انتخاب البرلمان المقبل لو قدّم أداءً سيئاُ لأنه
يكون قد أسهم – وهو غافل - بوصول من يتذمر منهم الآن إلى
السلطة مجدداً.
لك أن تحشر ورقة الاقتراع في الصندوق أو تساعد- دون أن
تعلم - على حشر رصاصة في (شاجور) سلاح ما فأيهما ستختار؟