ديارات بغداد بجانبيها الغربي والشرقي في العصر العباسي
د. وسن حسين
محيميد
10
تمــوز 2009
لعل أول مايتبادر إلى الأذهان ونحن نشير إلى كلمة ديارات،
ماهو
الدير ومن هم ساكنيه؟
فالدير
كلمةُ كلدانية تعني المنزل، وهو البيت الذي يسكنه الرهبان
ويتعبدون فيه. ويُعرف الدير بأسم العمُر وجمعها أعمار.
قبل أن نتكلم عن
الديارات التي كانت قائمة بجانبي نهر دجلة الغربي والشرقي قبل
بناء مدينة بغداد،
ان تواجد
المسيحيين
في الجانب الغربي كان أكثر منه في الجانب الشرقي وذلك لسعة
مساحة الجانب الغربي قياساً بالجانب الشرقي فضلاً عن انبساط
أراضيه إذ يغلب عليها الطابع الزراعي في حين أن الجانب الشرقي
تميز بارتفاع أراضيه وتعرضه لفيضانات نهر دجلة بصورة مستمرة.
من اجل إعطاء
صورة متكاملة عن الأديرة التي شيدت في جانبي نهر دجلة قبل وبعد
بناء مدينة بغداد،سنشير إليها في كل جانب على حدة.
1-
أديرة الجانب الغربي قبل بناء مدينة
بغداد:
أ-
دير كليليشوع:
وكليليشوع اسم
أرامي مركب من مقطعين الأول إكليل والثاني يسوع وتعني الكلمة
إكليل يشوع او
يسوع،
ولعل التسمية تعود لأحد القديسين أو مؤسسي الأديرة.
وموقع
الدير حالياً في المنطقة المعروفة بالشيخ معروف، ظل الدير
قائماً بعد بناء مدينة بغداد وتغير اسمه من كليليشوع إلى
الجاثليق (لفظة يونانية تعني الأب العام وتستعمل في الكنيسة
لرئيس الجماعة أو الطائفة وفي الوقت الحاضر يسمى رئيس الطائفة
البطريرك) نسبةً إلى الجاثليق طيمثاوس رئيس طائفة النصارى
الديني الذي نزلهُ بناءاً على أمر من الخليفة أبو جعفر
المنصور.
ب- دير
مارفثيون:
ويعود لطائفة
النساطرة (القائلين أن السيد المسيح عليه السلام له طبيعتان
إلهية وبشرية)، كما يسمى بالدير العتيق، نسبة إلى منطقة
العتيقة التي كان قائماً بها ويجاوره دير أخر يسمى عُمر صليبا.
ج-
دير بستان القس:
موقعه شمال
قرية الخطابية التي بجوار باب الشام احد أبواب المدينة المدورة
بعد بنائها، وكان رئيسه من جملة الأشخاص الذين استدعاهم
الخليفة أبو جعفر المنصور عندما شرع بالبحث عن المكان الأمثل
لبناء بغداد.
د-
دير دُرتا:
دُرتا لفظة
أرامية أصلها دورتا وتعني الدائرة أو الدورة، وسمي بذلك نسبة
إلى قرية دُرتا التي أقيم فيها. عرف الدير بكونه حسن العمارة
وكثير الرهبان.
وهذه
الأديرة جميعها ظلت قائمة بعد بناء مدينة بغداد.
2-
أديرة الجانب الغربي بعد بناء مدينة
بغداد:
أ-
دير الأخوات:
للرواهب من طائفة اليعاقبة (وهم
القائلين أن السيد المسيح عليه السلام له طبيعة واحدة).
ب-
دير
أشموني:
ويقع بطسوج
(كلمة فارسية تعني المنطقة الزراعية) قطربل، وعيده في اليوم
الثالث من تشرين الأول، وهو من الأيام المميزة في بغداد، إذ
يخرج الجميع للاحتفال به، وقد شيد الدير على اسم امرأة تدعى
أشموني عاشت في القرن الثاني ق.م.
ج-
دير
الجرجوث:
وهو بقرب دير
اشموني. فمن ضاق به دير اشموني عدل إليه لسعة وكثرة بساتينه
ومزارعه.
د-
دير
الثعالب:
ويقصده أهل
بغداد للتنزه ويشارك المسلمون النصارى في عيد هذا الدير الذي
يصادف أخر سبت من أيلول.
وموقعه
في المنطقة المسماة حالياً بالحارثية.
ز-
دير
مرجرجس:
يقع بالمزرفة
(قرية
كبيرة فوق بغداد)
وهو احد
الديارات المشهورة التي يقصدها المتنزهون من أهل بغداد.
س-
دير
مديان:
على نهر كرخايا
وهو نزه تحيط به البساتين النظرة.
و-
دير
القباب:
على مقربة من
دير دُرتا ويمتاز بكثرة قُبابه.
ي-
دير
العذارى:
وهذا الدير أسفل
الحظيرة
(قرية
كبيرة من أعمال بغداد ومن جهة تكريت من ناحية الدجيل).
3-
أديرة الجانب الشرقي قبل بناء مدينة بغداد:
أ-
دير
الزندورد:
الزندورد كلمة
فارسية تعني النهر الحي وسمي الدير نسبة إلى منطقة الزندورد
التي أنشئ فيها، أرضه كلها بساتين عامرة، وتعد عنابه من أجود
الأنواع وأشار الشاعر أبو نواس إلى ذلك في شعره إذ يقول:
فسقني من كروم
الزندورد ضحى ماءَ العناقيد في ظل العناقيد
ومن
الأخبار المتعلقة بهذا الدير أن الخليفة الأمين شيد قصراً
بالقرب منه. وموقع الدير في الوقت الحاضر في المنطقة المعروفة
بالسعدون.
ب-
دير
درمالس:
يقع على ضفة نهر
دجلة اليسرى، وموقعه في المنطقة المسماة اليوم بالصليخ قريب من
الدار المُعزية التي بناها الأمير احمد بن بويه بباب
الشماسية (اسمها منسوب إلى وظيفة الشماس عند النصارى والذي يقوم
بمساعدة القسيس في الطقوس الدينية وقراءة الأسفار
المقدسة). وهو نزه وكثير البساتين، ويحتفل هذا الدير بعيده في
بغداد في الأحد الرابع من الصوم الكبير (يقع الصوم الكبير عندهم
في بداية شهر شباط أو آذار حسب مايقتضيه حسابهم للشهور)، يجتمع
فيه نصارى بغداد والمسلمون،وتغنى الشعراء به ومما قيل فيه
يادير
درمالس ماأحسنك وياغزال الدير ماأفتنك
لئن
سكنت الدير ياسيدي فأن في جوفِ الحشا
مسكنك
4-
أديرة الجانب الشرقي بعد بناء مدينة
بغداد:
أ-
دير
الروم:
وسبب هذه
التسمية يعود إلى أسرى من الروم جئ بهم إلى الخليفة المهدي
فأسكنهم داراً في هذا الموضع فسميت بهم وبني الدير هنالك.
وهؤلاء
الروم مختلفون عن النساطرة واليعاقبة في العادات والطقوس
الدينية واللغة فهم على المذهب الملكاني(القائل أن عيسى عليه
السلام اله تام كله وإنسان تام كله ليس احدهما غير الأخر وان
مريم العذراء عليها السلام ولدت الله والإنسان معاً وكلاهما
ابن الله).
وموقع
دار الروم شرقي الصليخ حالياً.
ب-
دير
سمالو:
ويقع بباب
الشماسية على نهر المهدي حوله لبساتين والأشجار،
أما اسم
الدير فمشتق من صمالو وهي إحدى مدن الحدود الارمنية التي فتحها
هارون الرشيد سنة 163هـ\780م وكان ولياً للعهد بعد،
في خلافة
المهدي فسألوه الأمان،
فأجابهم
ثم نزلوا باب الشماسية وتدريجياً حرفت التسمية من صمالو إلى
سمالو بعد أن بنوا فيها ديراً،
ويشتهر
هذا الدير بأحتفال عيد الفصح
(وهو
اليوم الذي خرج فيه النبي موسى عليه السلام ببني إسرائيل من
مصر)
الذي
يحضره النصارى كلهم بالإضافة إلى المسلمين ويعد من متنزهات
بغداد المشهورة.
ج-
دير
قوطا:
يمتاز بكثرة
بساتينه ويقصده العديد من الناس.
وعيد هذا
الدير يصادف في اليوم السابع من شهر تشرين الأول.
د-
دير
العاصية:
وهو على مقربة
من دير سمالو.
نستنتج
مما تقدم أن تشييد الكثير من الأديرة بعد بناء مدينة بغداد
يشير إلى ازدياد إقبال المسيحيين على السكن قرب العاصمة
الجديدة بجانبيها الغربي والشرقي،
خاصة بعد
انتقال رئيسهم الديني إلى بغداد كما اشرنا إلى ذلك مسبقاً،
بعد أن
كان كرسيه في المدائن،
فضلاً عن
ازدياد أعداد المنخرطين في سلك الرهبانية ومن مختلف الطوائف
المسيحية،
والاهم
من هذا وذاك هو موقف الدولة العربية الإسلامية المتسامح مع
أبناء الطوائف الدينية ونخص منهم النصارى إذ سمحت لهم بإقامة
دور عبادتهم وممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة.
كما أن
مواقع تلك الأديرة الجميلة قرب الأنهار،
وإحاطتها
بالرياحين والبساتين والكروم جذب الخلفاء والأمراء لبناء
قصورهم على مقربة منها، فضلاً عن أن الموقع النزه ومحيطه الهادئ
كانا يجذبان الناس لزيارة تلك الأديرة منها لمشاركة إخوانهم
النصارى أعيادهم أو لتقديم هدايا للدير اولايفاء نذر،
ومن
المسلمين من يتردد على الأديرة طلباً للعلم أو بحثاً عن كتاب
نادر أو مخطوط نفيس او رغبةً بالمناظرات والمجادلات البناءة مع
الرهبان المثقفين،
كما كانت
الديارات ملاذاً لكثير من أعلام الأدب والشعر الذين كانوا
يقصدونها طلباً للراحة وصفاء الفكر بعيداً عن المدينة وحياتها
اليومية الرتيبة.
غير أن
ظروف الزمان لم تترك تلك الأديرة وشأنها، من فيضانات متعاقبة،
وحروب
وفتن محلية أو عدم اهتمام من الرؤساء الروحيين أنفسهم، أو قلة
عدد المقبلين على الحياة الرهبانية، فخربت تدريجياً ثم زالت من
الوجود فصارت أثراً بعد عين.
المصادر:
-
الشابشتي،
الديارات.
-
ابن فضل الله
العمري، مسالك الأبصار.
-
بطرس حداد، كنائس
بغداد ودياراتها.
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة
|