آراء توفيق السويدي بعدد من الساسة العراقيين
الدكتور حيدر
حميد
7
تمــوز 2009
يعد
توفيق السويدي
واحداً من أبرز رجالات الدولة العراقية أبان العهد الملكي،
أمتاز بسعة ثقافته وإجادته عدداً من اللغات الأجنبية وبشخصيته
القوية، وكفاءته في العمل، تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات المرة
الأولى كانت عام 1929م، وهو في السابعة والثلاثين من عمره،
فكان بذلك أصغر من تولى هذا المنصب الرفيع في تأريخ العراق
المعاصر، والمرة الثانية عام 1946 والمرة الثالثة عام 1950،
وشغل منصب وزير الخارجية عشر مرات، كما شغل توفيق السويدي
فضلاً عن هذين المنصبين الخطيرين وزارات ومناصب مهمة أخرى،
وكان طوال المدة الممتدة بين عامي 1921-1958 في قلب الإحداث في
العراق والعالم العربي،عاصرها وشارك في صنع القرارات مشاركة
فعالة.
أعتقل توفيق السويدي بعد ثورة 14تموز 1958
وحوكم أمام محكمة المهداوي، فصدر عليه الحكم بالسجن المؤبد
بتهمة التدخل في شؤون سوريا والتآمر عليها، فقضى في السجن ثلاث
سنوات وبعدها أفرج عنه، فذهب إلى بيروت وأقام فيها حتى وفاته
في 15تشرين الأول 1968.
من
المفارقات الجميلة ذات المغزى التي تذكر عنه في تلك الأيام،
انه قصد الملك فيصل الثاني في البلاط الملكي، ونصحه بان يغير
الطريق الذي يسلكه يومياً من قصر الرحاب إلى البلاط الملكي،
لان مروره بشارع الرشيد يسبب تأخيرا في المرور، إذ يوقف الشرطة
الذين يشقون له الطريق على دراجاتهم البخارية، السيارات لبضع
دقائق الأمر الذي يزعج المواطنين ولاسيما في شهور الصيف الحارة
في بغداد، مما أدى إلى تذمرهم وفي ذلك مايسئ للعرش، فما كان من
الملك فيصل الثاني الا ان شكرهُ على هذه النصيحة، وغير طريقه،
فصار يسلك طريقاً أخر، فذهب إلى الكاظمية، ومنها يعبر الجسر
إلى الاعظمية، فالبلاط الملكي.
ألـّف توفيق السويدي
كتاباً حمل عنوان
"وجوه عراقية عبر التأريخ"
وضع فيه آراءه وانطباعاته الشخصية عن ابرز رجالات العهد الملكي
الذين برزوا على المسرح السياسي وزاملهم في أعلى مستويات
الدولة، وشارك معهم في صنع القرارات.
كان
الملك فيصل الأول
أول الشخصيات التي أعطى انطباعاته عنه، فذكر انه كان يمتاز
بدماثة أخلاقه ورحابة صدره وهدوءه الذي كان سمةً ترافقه في
أعماله، الأمر الذي انعكس ايجابياً في تمشية أعمال الدولة،
وكان شانه شأن كل إنسان كما يقول السويدي لايخلو من الأغلاط
والعيوب التي منها انه كان سماعاً للنميمة والوشاية طالما كان
موضوعها يتعلق بمركزه أو سلطاته.
يغوص بنا توفيق السويدي في أعماق شخصية
نوري
السعيد
فيدون عنه ملاحظات وانطباعات كثيرة عن طباعه وميوله وابرز
هناته في ميدان العمل السياسي، ففي ذلك يقول انه كان معجباً
اعجاباً كبيراً بالشعب البريطاني، وكان يعتقد بان أي تفكير
أوروبي يفوق أي تفكير شرقي، وميال إلى تأييد العوائل القديمة،
ولاسيما الأسماء الشهيرة منها، وليس من طبعه القسوة والفظاظة
في القول والعمل كما انه لم يؤت من المواهب جميعها في آن واحد،
فذكاؤه الوقاد وبصيرته السديدة، وشجاعته وإقدامه المتواصل كل
هذا يقابله قلة بضاعة وضعف في الإعراب عن فكره والإفراط في
تنميق النكتة والفكاهة إلى درجة التفاهة وعدم اعتماده على احد
بسهولة، فسوء الظن يؤيد حسن الفطن فيه، وبرغم ماذكر عنه من
نقائض وعيوب، يبقى كما يذكر توفيق السويدي، نوري السعيد رجلاً
فذاً، لايظهر مثله في كل آن وزمان، فمزاياه إذا قورنت بخطاياه
فاقتها بمراحل وخدماته للعراق تحمل أي منصف على تقديره
والإعجاب به بلا تردد.
وعن
ياسين الهاشمي
كتب يقول عنه انه كان يجمع أضدادا عديدة في نفسه، وأول ظاهرة
بارزة فيه ذكاؤه الوقاد، وقابليته للإحاطة بالأمور إذا درسها
وانصرف إلى تفهمها، ومن مزاياه طموحه الكبير للارتقاء إلى أعلى
المناصب، وقد شق طريقه نحو هذا الطموح لما يملكه من مواهب
وقابليات قد لاتتسنى لأحد غيره، وبالاستناد إلى أصدقائه
ومعارفه، عرف بحبه للمال وانكماش يده عن الصرف، ولهذا ترى داره
متواضعة في بنائها وتأثيثها، كما أن معيشته في بيته كانت موضوع
التندر والنقد،ثم إن لباسه كذلك كان موضوع نقد لعدم عنايته
بهندامه، وكذلك بمأكله ومشربه، وكانت سدارته يضرب بها المثل
لشكلها الغريب ورداءة صناعتها.
أما
حكمت
سليمان
فعند توفيق السويدي لا يحسب على الطبقة السياسية من الصف الأول
لبعده عن الكياسة والتروي في المناقشة والقرار، وضعف مؤهلاته
التي تجعل منه رجل دولة، ومن عيوبه التي تجعل منه رجل دولة،
ومن عيوبه التي عززت هذا الرأي هو عدم تمكنه من الإعراب عن
مرامه بشكل بسيط وأوضح لا بالعربية ولا بغيرها، ومقدرته
بالخطابة اضعف مايكون.
لم يكن
جميل
المدفعي
كما يصف توفيق السويدي من أصحاب المواهب البارزة، فذكاؤه متوسط
وثقافته بسيطة، مع ذلك لم يخف توفيق السويدي من إبداء بعض
الإعجاب بشخصية جميل المدفعي لما يمتلكه من فطنة والحس الرقيق
والعقل الراجح.
يصف توفيق السويدي
مزاحم الباججي
بالشخص المتلون، فبعد أن كان من أركان المحتل البريطاني تحول
بعد قيام الحكم الوطني إلى الوطنية (المتطرفة) وكلما مر الوقت
زادت وطنيته وفارت اندفاعاته حتى عقدت معاهدة عام 1930، المح
له نوري السعيد بالوزارة حتى سارع للموافقة، وهو من أشد
المخالفين لها، وأصلب المتطرفين، ولكونه بخيلاً جداً يضرب
المثل ببخله، واثر ذلك على علاقاته بالناس فلم يجد منهم من
يشاطره أفراحه وأحزانه.
يبدي توفيق السويدي اعجاباً بشخصية
جعفر
العسكري
فيقول عنه انه رجلا ذكيا ومثقفاً ثقافة عسكرية مؤنساً في
مجالسه، مؤدباً في حديثه يميل إلى النكتة، وفي بعض الأحيان إلى
التبذل في الكلام والحركات.
ويلخص
حياة
ناجي
شوكت
السياسية بكلمات قليلة لكنها معبرة، فيقول عنه انه كان رجلاً
غير مخرب لأنه لم يتقن أساليب الهدم والتخريب.
وإذا بقي شيء بين هذا
وذاك فيكون ناجي شوكت متردداً بين الاثنين لايلوي على أي شيء.
وبكلمات يلخص أيضا
ارشد
العمري،
فيقول عنه، كان موفقاً في الخدمة التي تتلاءم مع مؤهلاته
كمهندس، وبعيداً عن التوفيق في الأمور الأخرى، كما تراه أنيقا
في ملبسه ومظهره، ولطيفاً فيمجلسه. ولكن "نكزه" واحدة تصدر من
شخص بقصد تحيله إلى كائن بعيد كثيراً عن هذه الفضائل.
وأخيراً فأن
صالح
جبر
في نظر توفيق السويدي سياسي قليل التجربة. من رجال السياسة
الذين لو ساعدهم الحظ بطول البقاء لقام بإعمال أغزر إنتاجا
وأوفر نفعاً لبلده.
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة
|