ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الاخرى

كتابات عامة

 

اتصلوا بنا

أرشيف الأخبار

مجلة آفاق مندائية

مجلة صدى النهرين

رئاسة الديوان

من نحن

الرئيسية

 

  أسرار الخلاف بين نوري السعيد وعبدالكريم الأزري 

الدكتور حيدر حميد

                                                                                                                                                           

 7 حزيران 2009

   

      شكل فاضل الجمالي وزارته الأولى يتاريخ 17أيلول1953 في أعقاب استقالة جميل المدفعي من منصب رئاسة الوزراء وقد عارض نوري السعيد تكليف الملك للجمالي أمر تشكيل الوزارة الجديدة وأثار غضبه وانفعاله عند سماعه خبر التكليف من الملك نفسه وكان ميالاً لتكليف رئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان بذلك لأنه حسب رأيه أوسع خبرة من الجمالي وقد أصبح عبد الكريم الازري وزير للمالية في وزارته واشترط الازري دخوله الوزارة الأخذ بسياسة الإصلاح السياسي والاجتماعي وقد حدد خطاب العرش الذي أسهم الازري في صياغته الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة الإصلاحي.

      وفي الواقع أن البلاد كانت في تلك المرحلة بأمس الحاجة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي لما كانت تعانيه من تخلف على مختلف الصعد ومشاكل غدت سمة بارزة للعهد الملكي من أبرزها مشكلة النظام الإقطاعي، وكانت سيادة هذا النظام في البلاد كفيلة بهدم بنية النظام وقد تضمن البرنامج الإصلاحي للحكومة محاولات لحل جانب من تلك المشكلة.

      على أية حال فان هذا البرنامج الإصلاحي في المجال الداخلي الذي جاءت به حكومة فاضل الجمالي الأولى وساهم الازري في وضعه ودخل الوزارة على أساسه قد واجه معارضة شديدة من قبل أركان النظام الملكي ولاسيما كبار الملاكين وشيوخ العشائر والمتنفذين قد وجدوا في تلك الإصلاحات تهديداً جدياً لوجودهم ولمصالحهم كما أن الأمير عبد الإله الذي عولت عليه الحكومة في دعم سياستها الإصلاحية لم يكن مستعداً لإثارة معارضة أركان نظامه وأخيرا فان رئيس الحكومة هو الأخر لم يكن مستعداً للدخول في مواجهة معهم لاسيما انه كان يواجه أكثرية نيابية من حزب الاتحاد الدستوري المنحل وزعيمها نوري السعيد الذي عارض مشاريع الازري الإصلاحية وعدها على وفق مايقوله فاضل الجمالي تؤدي إلى إفقار العراق وإفلاسه فآثر الاستقالة على المواجهة.

      بعد استقالة الجمالي كلف الملك فيصل الثاني رئيس ديوانه احمد مختار بابان تشكيل الوزارة الجديدة ولكنه اعتذر عن تأليفها وسوغ اعتذاره بان تشكيل وزارة يرأسها رئيس الديوان الملكي فتكون وزارة البلاط الملكي وعندها تحسب تصرفاتها وإجراءاتها وكأنها تصرفات وإجراءات القصر الملكي وكان بابان يفضل تشكيل وزارة بعد الابتعاد عن الديوان الملكي مدة من الزمن عندها سأل الملك رئيس ديوانه عن أمكانية اشتراكه مع الجمالي بصفة نائباً لرئيس الوزراء فوافق واشترط على وفق ماذكره في مذكراته إشراك علي ممتاز الدفتري في الوزارة وزيراً للمالية وإبعاد عبد الكريم الازري عن وزارة المالية وقد وافق بحسب قوله وأشار للأمر نفسه المؤرخ عبد الرزاق الحسني في مؤلفه تاريخ الوزارات العراقية الجزء التاسع ص90 على النحو الآتي (اضطر الازري إلى الإسهام في الوزارة الجمالية الثانية تسهيلا لمهمة الجمالي في إعادة تأليفه الوزارة غير أن الجمالي أسند إليه منصب وزارة الأعمار دون المالية نزولاً عند الشرط الذي اشترطه احمد مختار بابان لقبوله منصب نائب رئيس الوزراء في هذه الوزارة فأساء ذلك وقعاً في نفسه).

      على أية حال ابعد الازري عن وزارة المالية إلى وزارة الأعمار التي قبلها على مضض وسوغ الازري قبوله الاشتراك في وزارة الجمالي الثانية بوصفه وزيراً للأعمار إلى رجاء الملك فيصل الثاني الذي اجتمع به في البلاط الملكي بعد أن رفض الاشتراك في وزارة الجمالي الثانية وابلغ رفضه هذا الجمالي نفسه قبول وزارة الأعمار إلى حين عودته من زيارته إلى الباكستان وابلغه إن شاء أن يقدم استقالته على أن يبقى موقفه لحين عودته إلى البلاد فنزولا عند رغبة الملك وافق الازري على الاشتراك في وزارة فاضل الجمالي الثانية.

      وفعلا فان الازري أقدم على تقديم استقالته بعد عودة الملك من زيارته لباكستان والتي قبلت وقد أثار ماأورده الحسني عن أسباب استقالة الازري من منصبه وزيراً للأعمار امتعاضه حين ذكر نقلاً عن الجمالي مايلي أن السبب في استقالة الازري هو انه كان وزيراً للمالية في وزارته الأولى يقصد وزارة فاضل الجمالي الأولى فلم يقر نوري السعيد سياسته المالية بالدعوى أنها تؤدي إلى الإفلاس فجعله وزيراً للأعمار في وزارته الثانية خلافاً لرغبته.

      رد الازري على مااورده الحسني برسالة نشرت في مؤلفه تاريخ الوزارات العراقية الجزء التاسع ص100-101أوضح فيه الأسباب وراء إبعاده عن وزارة  المالية من وجهة نظره وهي بسبب الخلاف الذي نشب بينه بوصفه وزيراً للمالية ونوري السعيد بوصفه زعيم الأغلبية في مجلس النواب واصل الخلاف بينهما كما يورد الازري يعود إلى رفض الازري إنفاق مجلس الأعمار على الإنشاءات الخاصة بالجيش كالثكنات وغيرها لان هذا ليس من صميم أعمال مجلس الأعمار كما يقول الازري بل هي من واجبات الميزانية العامة لان مجلس الأعمار رأس للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية ولحل هذا الأشكال اقترح الازري على مجلس النواب تخصيص مبالغ من الميزانية العامة لإنشاءات الجيش بصورة مستعجلة فوافق المجلس على طلبه وخول وزير المالية صلاحية تخويل وزير الدفاع إرسال طلبات وعقد مقاولات بمبالغ لاتتجاوز ثلاثة ملايين دينار  محسوبة على اعتمادات السنتين 1954و1955 الماليتين ثم أرسلت اللائحة بعد تصديقها إلى مجلس الأعيان وحضر اجتماع اللجنة المالية لمجلس الأعيان المخصصة لمناقشة اللائحة .نوري السعيد الذي بدت عليه ملامح الغضب والوجوم وماأن بدأت اللجنة عملها حتى طلب نوري السعيد الكلام استهله بالاستغراب من إجراء وزير المالية ثم استرسل في كلامه بعصبية مشيراً إلى أن مجلس الأعمار كان ولا يزال ينفق أمواله على مختلف مباني الدولة فلماذا لاينفق على مباني الجيش ثم زاد متسائلاً أيضاً هل الجنود ليسوا من أبناء هذه الأمة فرد عليه الازري قائلاً: إن النظرية التي قام عليها مجلس الأعمار هي التفرغ لأعمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية إما بناء الثكنات الخاصة بالجيش لايدخل ضمن عملية التنمية المذكورة بتاتاً وأكمل مخاطباً نوري السعيد أنت تريد بناء الثكنات وها نحن نهيئ المال لبنائها وبأسرع مايمكن ولكن من الميزانية العامة ثم ضرب له مثلاً عامياً هل أنت تريد العنب أو قتل الناطور؟ أثارت إجابات الازري غضب الباشا وزادت من انفعالاته وهياجه فأخذ يضرب بيديه على الطاولة وهو يردد أنا لاأقبل بهذه النظرية ونهض وخرج ثائراً.

      وبعد مضي أكثر من عشرين عاماً على تلك الحادثة وتحديدا بتاريخ 5أيلول1977 التقى الازري في لندن فاضل الجمالي وسأله بشأن ماورد في مذكرات أحمد مختار بابان حول تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة بعد استقالة وزارته الأولى فأجابه لا أعلم بذلك وعن استبعاده من وزارة المالية أجاب إن ذلك كان بسبب اعتراض الوصي ونوري السعيد على المشاريع الإصلاحية التي تبناها الازري.

      وفي تقديري أن أبعاد الازري عن وزارة المالية إلى وزارة الأعمار جاء على خلفية السياسة الإصلاحية التي سار  عليها أو على خلفية خلافه مع نوري السعيد وكما أسلفنا وقد أعترف الازري لاحقاً بان اشتراكه في وزارة فاضل الجمالي الأولى كان أكبر خطأ سياسي اقترفته في حياتي.

 

 

أعلى الصفحة

العودة للصفحة السابقة