جعفر ابو التمن .. الزعيم الوطني المنسي
الدكتور حيد
حميد
7
حزيران 2009
حفل تاريخ العراق المعاصر بالعديد من الشخصيات الوطنية التي
أعطت للقضية العراقية جلّ وقتها وجهدها بُعيد الاحتلال
البريطاني للعراق وضحت بالغالي والنفيس من اجل تحقيق المطاليب
الوطنية بالحرية والاستقلال إلا أنها أصبحت منسية تعيش بين
ثنايا كتب التاريخ وتختزنها ذاكرة بعض الناس. من بين هذه
الشخصيات يبرز أسم الزعيم الوطني جعفر أبو التمن الذي كان أحد
أبرز قادة الحركة الوطنية أثناء العهد الملكي وقبله. هو الحاج
محمد جعفر جلبي أبن الحاج محمد حسن أبن الحاج داؤد أبو التمن
ولد ببغداد عام 1881م في محلة صبابيغ الآل (سميت بهذا الاسم
لأنها كانت تشتهر بصناعة خيوط القز بالألوان لاسيما الأحمر)
وهو من أسرة عراقية عريقة من اسر بغداد القديمة، نشاء في أسرة
تجارية وبرز جده من بين هذه الأسرة في حقل التجارة لاسيما
تجارة الحبوب، أما لقب أبو التمن فجاء من جده الحاج داؤد الذي
كان يملك مخزناً للرز. فلقب بـ (أبو التمن) أي تاجر الرز.
نشأ جعفر أبو التمن في كنف جده الحاج داؤد وكان يرعاه رعاية
خاصة لما أنسه فيه من مخايل النباهة والذكاء، وأشرف على تعليمه
وتثقيفه، لم يتجه جعفر أبو التمن إلى الوظائف الحكومية وإنما
بدأ حياته بالتجارة. برز أسمه كأحد العناوين الوطنية مع بدء
الاحتلال البريطاني للعراق إذ كلف بعد سفر جده إلى ساحة الحرب
في البصرة مجاهدا ضد الغزاة البريطانيين بمهمة تزويد المجاهدين
بالمؤن والأموال اللازمة للجهاد، وعندما التحق بالخدمة العسكرية
لبلوغه السن القانونية بقي في بغداد ليقوم بمهمة الارتباط بين
السلطات العثمانية والمجاهدين. ومع أكتشاف العراقيين لزيف
الوعود البريطانية اشتدت المطاليب الوطنية المنادية بالحرية
والاستقلال وظهر جعفر أبو التمن أحد أبرز قادة الحركة الوطنية
فله الفضل الكبير في توحيد الطائفتين الشيعية والسنية ونبذ
الخلافات الطائفية، وعرف عنه مقته الشديد لها، وبهذا الصدد يقدم
عنه حنا بطاطا الصورة المعبرة الآتية (يعود إليه الفضل في
المقام الأول، فضل الجمع بين الشيعة والسنة عند ذلك المفصل
التاريخي (ثورة العشرين) وتحويل رص الصفوف المؤقت هذا إلى
حقيقة سياسية دائمة إذا لم يكن هنالك في رأيه سبيل أخر إلى كسر
شوكة الانكليز).
لم يقف جعفر
أبو التمن عند هذا الحد بل تعداه إلى الطوائف الأخرى، فعلى وفق
ماأوردته جريدة الاستقلال في عددها الصادر
بتاريخ27تموز1932، ذكرت إن الوطنيين استغلوا عيد الجسد عند
الطائفة المسيحية فذهبت إليهم وفود من المسلمين وزعمائهم وكان
في مقدمتهم جعفر أبو التمن إلى الكنائس يقدمون التهاني
لإخوانهم المسيحيين في عيدهم، وقد القيت الكلمات التي تحث على
الوئام والوفاق.
ولما أشتد غضب السلطات البريطانية على مناوئيها
أثناء ثورة العشرين كان جعفر أبو التمن أحد أهدافها فقررت
إلقاء القبض عليه فداهمت مسكنه الواقع في الزقاق المعروف بأسم
جده (دربونة داؤد) فتمكن من الهرب بتسلق سياج المسكن إلى مسكن
جيرانه الخلفي، وهي مسكن عبد الهادي حبة وأختفى فيها ليلة
واحدة، ثم أنتقل إلى مسكن محمد جواد الحلي ومنها إلى مسكن محمود
الاطرقجي الذي لم يوافق على بقائه في مسكنه فهرب إلى مسكن
صديقه مهدي الخياط الذي أخلى له المسكن فمكث فيه قرابة الأسبوع
ومن هنالك وضعت له خطة للهروب إلى منطقة الفرات الأوسط، وقد
اشرف على الخطة وتنفيذها مجيد كنة، فقام بتهريبه بواسطة زورق
انطلق من مشرعة سيد سلطان علي مع بدء ساعات حظر التجوال الليلي
ليوم الخميس 19آب 1920م، فوصل ساحل بستان مجيد كنة في منطقة
الدورة بجانب الكرخ من بغداد وبعد استراحة قصيرة غادر إلى مسكن
الملا خضير شيخ الجبور، وقبل أنبلاج الفجر غادر مضيف الشيخ يحف
به ثلاثون فارساً من فتيان عشيرة الجبور مدججين بالسلاح من
بنادق وسيوف اتجهوا على ظهور الخيل نحو مسكن شيخ عشيرة الغرير
علوان الشلال ومنها اتجهوا إلى الجانب الأيمن من الفرات إلى
مسكن عاصي العويض، شيخ عشيرة الجنابيين في منطقة جرف الصخر
بقضاء المسيب ثم إلى كربلاء ومنها إلى النجف إذ كانت أحداث
الثورة على أوجها، وبذا تم إنقاذه.
التحق
جعفر أبو التمن بالثورة في ميدان الفرات الأوسط واسهم مساهمة
فعالة في دفع الثورة وتوجيهها وقد احتل مركزا قيادياً فيها
ولما أضحت الثورة بعيدة عن النجاح ترك البلاد مع عدد من زعماء
الثورة إلى الحجاز فنزلوا ضيوفاً على ملكها الشريف حسين.
أسس
جعفر أبو التمن حزباً سياسياً باسم الحزب الوطني وأوقف الحزب
عن العمل بعد حادثة البلاط الشهيرة، وعاود الحزب نشاطه مرة
ثانية عام 1928، أنضم إلى جماعة الاهالي من بوابة جمعية السعي
لمكافحة الأمية، أستوزر مرتين الأولى في وزارة عبد الرحمن
النقيب الثانية وزيراً للتجارة والمرة الثانية في وزارة
الانقلاب عام 1936وزيراً للمالية، أتهم بتأييده للشيوعية فرد
على متهميه بالقول: (إذا كانت الشيوعية تسعى لترفيه الفقير
ومساعدة المحتاج وتنظيم المجتمع بشكل مفيد أويدها، وهذه هي
شيوعيتي).
خرج
جعفر أبو التمن من تجربته في العمل السياسي بخيبة أمل بمعظم
الأشخاص الذين عمل معهم فقد كانوا يريدون اتخاذ المبادئ سلماً
للوصول إلى مآربهم الشخصية بينما كان هو رجل مبدأ يريد عن
طريقه تحقق خدمة البلاد.
توفي
بتاريخ20تشرين الثاني 1945م، بعد مرض التهاب أغشية الدماغ
(السحايا) وقد شيعت جثمانه جماهير غفيرة من داره الواقعة في
شارع أبو نواس إلى جسر الخر ومنها إلى مدينة النجف الأشرف حيث
دفن هنالك.
أن الأوان للحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين أن يبدوا
اهتماماً برموز العراق الوطنية وإبراز دورهم الوطني ومواقفهم
في بناء الوحدة الوطنية لما لذلك من أهمية كبرى في بناء الهوية
الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية.
أعلى الصفحة
العودة للصفحة السابقة
|