كلمة سواء وصرخة ضمير

المطران يوحنا ابراهيم

رئيس طائفة السريان الارثوذكس في حلب - سورية

  11 اكتوبر-تشرين الاول 2008  

    لقد اقلقتنا جدا مأساة ام الربيعين مدينة الموصل في العراق, اى الانباء الحزينة الواردة والمنتشرة من خلال النداءات الصادرة عن جهات مسؤولة تمثل اتحادات, واحزاب, ورئاسات دينية, وقنوات فضائية, ومجالس محلية واقليمية وعالمية, وخطباء الجوامع, وكلها تشير الى  الابادة الجماعية والتهجير القسرى  للمسيحيين  في هذه المدينة العريقة, وهي ثاني مدن العراق مكانة ودورا,  والتي امضيت فيها سبع سنوات, وعرفت اهمية العلاقة بين ابنائها مسلمين ومسيحيين,  ولمستها لمس اليد, وشهدت لها في المحافل الدولية والكنسية مرات ومرات, وقدمتها كانموذج  حي للعيش المشترك في المدينة الواحدة .والمسيحيون  في الموصل تاريخيا هم من المكونات الاساسية للنسيج الوطني في ارض الرافدين.

   ان الموصل الجاثمة على ارث نينوى العريق, وقد شهدت  مصادر  التاريخ البعيد والقريب للمدينة, بصفحات التلاحم الوطني والعيش المشترك بين ابناء بلاد ما بين النهرين من كل الاعراق والاديان والمذاهب, لا تقبل ابدا ان يتلاعب بعض الجهلة  والاغراب , بمبادىء الاخاء الديني , التي هي  واحدة من اهم سمات ارض العطاء والحضارة.

   ان التاريخ كله يشهد على ان جذور المسيحيين في العراق تمتد الى الشعوب التي ولدت ونمت وعاشت في العراق الواحد من جهة, وساهمت في بناء الحضارة في العراق وكل المنطقة من جهة اخرى. 

   والمسيحيون كما في كل زمان, والذين يشكلون  مع اخوتهم العراقيين  كل المكونات الدينية والاثنية, بنوا مجدا مكللا للصرح الثقافى المتنوع  ومتعدد الجوانب , هذه البعد الحضارى الذى يتغنى به كل عراقي في كل زمان ومكان , وبقيت العطاءات الحضارية متواصلة عبر الدهور والاجيال . ولا يحتاج العالم لا اليوم ولا غدا ولا في اى وقت من الاوقات , الى شهادة جديدة تعطى للمسيحيين لتؤكد على اصالتهم وعراقتهم.

   فالعراق الحبيب باوابده ومعابده واثاره ولغاته القديمة ,  بل كل مصادره التاريخية , يثبت على ان المسيحيين كانوا دائما جزءا اساس من هذا النسيج الوطني الذى يمثل الفسيفساء الجميلة التي ترصع به جبين الوطن.

   اما العلاقة المميزة بين المواطنين مسلمين ومسيحيين في العراق فحدث عنها ولا حرج.

   فمنذ الفتح العربي ربطت التعاليم الواردة في الانجيل المقدس والقرآن الكريم بينهم . فالسيد المسيح اعتبر ان الوصية الاولى والعظمى هي : ان تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك , وتحب قريبك كنفسك.

  ومن هو هذا القريب سوى هذا الجار العزيز الذى نتقاسم معه كل شيء في الحياة؟.

  والقرآن الكريم اوصى بحب الجار والشعور بالرحمة تجاهه , لان حب الجار جزء اساس من الايمان بالله وحبه , كما اشار بوضوح الى النصارى بقوله:  لتجدن اقربهم مودة للذين امنوا , الذين قالوا انا نصارى , ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون.

   فالعمل الاجرامي الذى تشهده الموصل اليوم ضد المسيحيين من ارهاب ورعب وقتل وتهجير قسري ترى من يقف وراءه؟

  - هل هم المؤمنون بالله تعالى من المسيحيين والمسلمين الذين يتساوون في الدفاع عن كرامة الانسان وامنه وحريته وعدالته؟

  - ام جهات اخرى لا تؤمن بالكتب المقدسة, ولا تقيم وزنا لما ورد فيها من عبارات سامية هي اساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم؟

   هل اولئك القتلة  بعملهم الشنيع يقرأون كلام الله : اهل الكتاب امة قائمة  يتلون ايات الله اناء الليل وهم يسجدون . وان المسيحيين ايضا : يؤمنون بالله واليوم الاخر, ويأمرون بالمعروف , وينهون المنكر, ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين . وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين.

  هل قرأ وتأ مل وآمن بهذه الكلمات من يريد اليوم تغيير وجه العراق الناصع, ومرفوع الجبين , ويرغب  فى نشر الفساد والرعب والتهلكة بين ابنائه, واللعب بمقدرات الشعب الواحد المؤمن بوحدة العراق وخدماته وعطاءاته؟.

  من يقف وراء اولئك القتلة ؟ من يشجعهم على انتهاك حرمات المدينة وسكانها؟ هل محبة العراق هي وراء تفتيته وتجزئته وفرز المكونات فيه؟

   انها مسؤولية تاريخية يضعها كل صاحب ضمير حي, وعاقل, ومؤمن بالله تعالى وتقدس اسمه, وبكتبه,  امام كل المسؤولين في السلطة والقيادات الدينية والشعبية والاجتماعية. بل هي فرصة ثمينة لا تتكرر في تاريخ شعب او امة او وطن.

   لذلك نهيب بابناء العراق من كل المكونات والاطياف الدينية والعرقية والثقافية للوقوف في وجه هذا الطغيان الجديد الذى يطمح الى تغيير معالم العراق, ونهيب بهم ايضا للوقوف بيد واحدة وقلب واحد الى جانب الحق والعدالة, وان يعملوا من اجل السلم الدائم, ويوقفوا المجازر ضد المواطنين المسيحيين في العراق, وخاصة اليوم في الموصل الحدباء, لان هذه الوقفة التاريخية ستضع حدا لكل عمل شرير قادم من هنا وهناك ضد الانسان في العراق.

  وانتم يا حاملي رسالة العدالة والسلام والمحبة من المسيحيين العراقيين الى كل العالم أثبتوا للملأ بانكم كما كان اباؤكم واجدادكم, تحملون اليوم في عقولكم وقلوبكم وضمائركم آلام العراق في محنته الاخيرة والتي طالت كل الاطياف.

   ستبقون مؤمنين برسالة العراق الخالدة, وستضحون بالغالي والنفيس من اجل ترسيخ دعائم العدالة والسلام في المجتمع العراقي الذى آمن ويؤمن بالتعددية الدينية والمذهبية والعرقية والثقافية, وستعطون شهادة حية للمسيحيين الشرقيين وفي كل مكان, بثباتكم وصبركم وتحملكم, وستمدون يد العون والمساعدة لكل من يعمل من اجل عراق الغد, المليء بالتفاؤل, والذى تخيم عليه رايات المحبة والاخاء.

   فكلمة سواء وصرخة ضمير, في هذا الوقت العصيب جدا, هي دعوة صادقة مفعمة بالمحبة الاخوية النابعة من التعاليم السماوية, لوقف المجازر البشعة ضد المسيحيين,وصيانة هذا الانموذج الحي للعيش المشترك تحت سقف الوطن الواحد.

 

 

                                                                                                             11 اكتوبر-تشرين الاول 2008 

                                                                              حلب - سوريا